شبكة ARD الإعلامية .. آلام العقل الألماني والحاجة إلى تغيير النظرة تجاه الشرق الأوسط

يوسف بنده

رؤية

يحتل الإعلام بكل أشكاله مكانة كبيرة داخل الاقتصاد الألماني، وتعتبر سوق التلفزيون الألمانية من أشد الأسواق منافسة في العالم. ومن سمات قطاع الإعلام هناك، هو النظام الثنائي المنقسم بين قنوات حكومية رسمية وأخرى خاصة.

والواضح، أن وسائل الإعلام في ألمانيا تبحث عن الإثارة وجذب المستمعين والمشاهدين والقراء، من أجل تحقيق المكاسب المادية؛ خاصة أن الإعلانات والرسوم التي يدفعها المواطنون على خدمة التلفاز لم تعد كافية؛ لسد تكاليف المنافسة الكبيرة في عالم الفضائيات. وهو ما جعل هذا الإعلام يلعب دورًا سياسيا في الداخل؛ حيث صعود الشعبويين كما في حالة حزب البديل الشعبوي اليمني. وكذلك، لعب دورًا خارجيا في إثارة الرأي العام الأوروبي والدولي كالصورة النمطية التي يقدمها تجاله الشرق الأوسط وسياسات حكوماته؛ وذلك لأهداف سياسية وحزبية داخل ألمنيا.

بالنظر إلى شبكة ARD الألمانية، وهي شبكة رسمية، نجدها تعبر عن آلام العقل الألماني، الذي ما زال يعيش في عقدة النازي ومعاداة السامية. إن هذا الإعلام الذي يمثل وجه ألمانيا وعقلها ما زال يختزل الساميين في جنس اليهود. وما زال لا يدرك شيئًا عن الشرق الأوسط إلا المخاطر التي تهدد اليهود هناك.

ونجد هذه الشبكة الرسمية، ما زالت في إعلامها؛ ما زالت تصدر صورة نمطية عن مصر تنطلق من ثورة 25 يناير وسقوط حكم الإخوان المسلمين بثورة 30 يونيو؛ إذا ما زالوا يتحدثون أن العالم الغربي مضطر لاستمرار علاقاتة مع مصر من أجل ملف اللاجئين وأمن شمال أفريقيا والبحر المتوسط.

وهذه الرؤية؛ تدل على أن الإعلام في ألمانيا يخضع لابتزازات سياسية وتوظيف سياسي بالدرجة الأولى. فلم يثبت أن استغلت مصر ملف اللاجئين كمل تفعل تركيا تجاه دول أوروبا. ومصر اليوم تختلف عن أمس؛ فالمشاريع العملاقة على كافة الأصعدة بقيادة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هي من تجذب رؤوس الأموال الأجنبية.

وإذا نظرنا إلى ملف ليبيا الذي تفزع أوروبا منه؛ نجد أن أوروبا نفسها منقسمة في التعامل تجاهه؛ فهناك خلاف بين فرنسا وإيطاليا على إدارة الملف الليبي، يصل إلى درجة التنافس والصراع الاستعماري.

إذا قمنا بمتابعة الإعلام الألماني، وفق البيانات والإحصائيات وطبيعة الموضوعات، فالنتيجة أن العاملين في هذا القطاع يتمتعون بقدر من الحرية. لكن الإعلام الألماني هو أداة سياسية بالدرجة الأولى، تصل إلى حد ابتزاز عقل المواطن الألماني والتلاعب به.

فحسب تقرير لجريدة أبواب، الناطقة بالعربية في ألمانيا، فإن الخطوط العريضة، خاصةً في الإذاعات غير الخاصة تحددها هيئات تمثل الأحزاب الممثلة في البرلمان والكنيسة. لنأخذ مثلاً موضوع الهولوكوست أو ما يسمى بمعاداة السامية وهو من الأمور الاستراتيجية التي تم الإجماع عليها. بالإضافة مثلاً إلى الناحية القانونية التي تؤكد على احترام الشعوب ومحاربة العنصرية وإدانة النازية الخ. وعلى سبيل المثال إنكار الهولوكست قد يؤدي بك إلى السجن: إنكاره في ألمانيا بالتحديد من المحرمات كفطور رمضان علناً في السعودية.

أما فيما يتعلق بالإذاعات والتلفزيونات الخاصة فلا بد أن تلتزم أيضا بالقوانين، والدستور، إضافةً إلى ميثاق شرف مجلس الصحافة، وهذا ينطبق أيضاً على الإذاعات غير الخاصة. وغني عن الذكر أن الإذاعات الخاصة تعيش بالدرجة الأولى على الإعلانات والشركات التي قد تتدخل في برامجها الخ. بصورةٍ عامة تمويل وسائل الإعلام الخاصة والعامة يلعب دوراً مهماً في تكوين برامجها.

والمحصلة، أن الإعلام في ألمانيا، يمثل حالة خاصة من آلام العقل الألماني، الذي ما زال ينظر إلى الشرق الأوسط من منطلق الماضي الألماني إبان فترة حكم النازي. وما زالت ألمانيا تنظر إلى الشرق الأوسط من منطلق أنه منبع اللاجئين والهاربين إلى أراضيها.

يبدو أن الإعلام الألماني في حاجة جادة لتغيير سياسته، التي لا تكشف للمشاهد الألماني إلا الصورة النمطية التي لم تعد موجودة إلا في العقل المريض للساسة وأصحاب المصلحة من تزييف عقل هذا المشاهد.

ربما يعجبك أيضا