سريان معاهدة حظر الأسلحة النووية.. اتفاق رمزي أم قرار رادع!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

عواقب كارثية، ومخاطر جمة تهدد البشرية بأكملها، حروب تجسد حدة الآلام، ومشاهد مجرد التنبؤ بها وتخيلها قد يُوقف نبض الحياة.

أسباب كثيرة تدق جرس الإنذار حول تلك العواقب التي تواجهها البشرية جمعاء، بشأن بلوغ خطر استخدام الأسلحة النووية أعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، ففي ظل التوترات على الصعيدين الإقليمي والدولي، تنكب الدول التي تمتلك تلك الأسلحة الفتاكة، على تحديث ترساناتها، في الوقت الذي يُنذر فيه استمرار ذلك بعواقب كارثية، ومآسي أليمة.

وتعبيرًا عن القلق البالغ إزاء تلك العواقب الكارثية التي قد تنجم عن أي استخدام للأسلحة النووية، وإدراكًا للمخاطر التي يشكلها استمرار وجودها في أي ظرف من الظروف، كان لابد من اتفاق متعدد الأطراف يُطبق عالميًا ويرمي إلى حظر شامل لتلك الأسلحة، وقد كان.

جاء ذلك فيما عرف بمعاهدة حظر الأسلحة النووية عام 2017، والذي دخل حيز التنفيذ، اليوم الجمعة؛ الموافق 22 يناير الجاري، رغم أن القوى النووية الكبرى، وأعضاء حلف شمال الأطلسي “ناتو” قد أبدوا رفضهم لها حتى الآن، بحجة أن المعاهدات الحالية التي تحد من استخدام الأسلحة النووية كافية، الأمر الذي طرح التساؤلات حول ما إذا كانت هذه المعاهدة مجرد اتفاق رمزي أم قرار رادع؟!

عن المعاهدة

إن معاهدة حظر الأسلحة النووية هي أول معاهدة تتضمن أحكامًا تخص المساعدة في معالجة النتائج الإنسانية المترتبة على استخدام الأسلحة النووية وتجريبها، ومن ثم فهي أول اتفاق متعدد الأطراف يُطبق عالميًا ويرمي إلى حظر الأسلحة النووية حظرًا شاملًا.

وتكمل المعاهدة الاتفاقات الدولية القائمة بشأن الأسلحة النووية، ولا سيما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والمعاهدات الإقليمية المنشئة للمناطق الخالية من الأسلحة النووية.

وتمنع هذه المعاهدة الدول المصدقة عليها من تطوير واختبار وإنتاج وتخزين وإقامة ونقل واستخدام والتهديد باستخدام الأسلحة النووية، بالإضافة إلى حظر المساعدة والتشجيع على هذه الأنشطة المحظورة.

وتعطي هذه المعاهدة الدول المصدّقة عليها والمالكة للأسلحة النووية إطارًا زمنيًا محددًا لإجراء المفاوضات، والتي ستؤول إلى قضاء محقق وبلا رجعة على برنامج الأسلحة النووية.

واعتُمدت المعاهدة في مؤتمر دبلوماسي للأمم المتحدة في 7 يوليو 2017، وتم فتح باب توقيعها في 20 سبتمبر من العام ذاته من جانب 122 دولة، أعضاء بالمنظمة الدولية من إجمالي 193 دولة، لكنها رُفضت من قبل جميع القوى النووية، خصوصًا الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، فرنسا، والصين التي قاطعت المحادثات التي قادت للتوصل إليها.

ونصت المعاهدة على دخولها حيز التنفيذ، إثر إخطار 50 دولة، الأمين العام للأمم المتحدة بموافقتها على الالتزام بها، وهو ما تم الإعلان عنه اليوم الجمعة، بعد أن جمعت المعاهدة حتى اليوم 51 مصادقة أو انضمامًا، وكذلك 86 طرفًا موقعًا.

دخول حيز التنفيذ

في خطوة بمشوار الألف ميل الذي يقطعه العالم من أجل القضاء على الأسلحة النووية، دخلت اليوم معاهدة حظر الأسلحة حيز النفاذ، إذ رحب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بذلك، معتبرًا إنها خطوة مهمة نحو الهدف المتمثل في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وإظهار قوي لدعم النهج متعدد الأطراف لنزع السلاح النووي.

جاء ذلك في بيان أصدره ستيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، فجر اليوم الجمعة، والذي أشاد فيه غوتيريش بالدول التي صدقت على المعاهدة، وبالدور الفعال للمجتمع المدني في دفع عجلة المفاوضات وبدء التنفيذ.

وفي هذا الصدد، قال غوتيريش بيانه: “أبدى الناجون من التفجيرات والتجارب النووية، بما قدموه من شهادات مأساوية، قوة أخلاقية محفزة للمعاهدة ويمثل الدخول حيز التنفيذ؛ تكريمًا لمناصرتهم المستمرة”.

وأضاف: “أتطلع إلى الاضطلاع بالمهام التي حددتها المعاهدة، بما في ذلك التحضير للاجتماع الأول للدول الأطراف”.

وحذر غوتيريش من أن “الأسلحة النووية تشكل مخاطر متزايدة ويحتاج العالم إلى إجراءات عاجلة لضمان إزالتها ومنع العواقب البشرية والبيئية الكارثية التي قد يسببها أي استخدام لها”.

كذلك دعا جميع الدول إلى “العمل معًا لتحقيق هذا الطموح لتعزيز الأمن المشترك والسلامة الجماعية”.

حبر على ورق

رغم الأهداف التي تسعى المعاهدة إليها، كي تُجنب العالم المخاطر المروعة التي قد تنتج عن استخدام تلك الأسلحة، رفضت القوى النووية -الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن- وكذلك جميع دول حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ومن بينها ألمانيا أيضًا، الانضمام إلى تلك المعاهدة بحجة أنها تتعارض مع معاهدة عدم الانتشار.

وبذلك تظل المعاهدة بلا فاعلية، على الأقل فيما يتعلق بتحقيق خطوات ملموسة في نزع الأسلحة، فبحسب الاتفاق يجب على الدول ألا تسمح للآخرين بوضع أسلحة أجنبية على أراضيها، في الوقت الذي تستضيف فيه بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا رؤوسًا حربية أمريكية.

لذلك لن تؤدي المعاهدة إلى نزع السلاح ما دامت الدول التي لديها ترسانات نووية وحلف شمال الأطلسي، يعارضونها، وتبقى بهذا الشكل مجرد حبر على ورق!

خير دليل

موقف هذه القوى لخصه أمس، النقاش الذي احتضنه البرلمان الألماني “البوندستاغ”، بعد أن رفضت الحكومة الألمانية مجددًا الانضمام إلى الاتفاقية.

وفي هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية الألمانية في ردها على استجواب من الكتلة البرلمانية لحزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني، أنها تعتبر معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية القائمة حاليًا منذ أكثر من 50 عامًا، وسيلة أكثر فاعلية من أجل تحقيق خطوات ملموسة في نزع السلاح، لافتة إلى أنه ينتج من الاتفاقية الجديدة تراجع أهمية وفاعلية الالتزامات القائمة حاليًا.

ومن جانبها، كتبت وكيلة وزارة الخارجية أنتيه لندرسته في الرد الموجه للكتلة البرلمانية لليسار، كما جاء في تقرير الوكالة الألمانية للأنباء: “من منظور الحكومة الاتحادية يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفتيت وإضعاف حقيقي للمساعي الدولية في نزع السلاح في المجال النووي”.

ولكن الجمعية العلمية بالبرلمان الألماني توصلت في تقرير تم إجراؤه بتكليف من النائبة بحزب اليسار سيفيم داجديلين إلى نتيجة أخرى، وهي أن المعاهدتين “لا تتعارضان مع بعضهما البعض من الناحية القانونية”، لافتة إلى أن “التحديث القانوني يتمثل في المقام الأول في أن معاهدة حظر الأسلحة النووية تتضمن التزامات ملموسة بنزع السلاح”.

وقالت داجديلين في هذا الصدد: “إلى جانب الحجج السياسية، فإن الحجج القانونية للحكومة الاتحادية لمقاطعة معاهدة حظر الأسلحة النووية قد انهارت الآن أيضًا.. لا يوجد ما يمنع الانضمام إلى هذه المعاهدة التاريخية لنزع السلاح، على العكس من ذلك”.

في المقابل، شدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خلال مشاركته في مؤتمر حول مبادرة ستوكهولم في الأردن قبل أسبوعين، على ضرورة تغيير هذه السياسة، قائلًا: “يتعين أن نجد طريقنا إلى مسار الرقابة على التسلح النووي ونزع السلاح بشكل فعال”.

ولهذا الغرض؛ تم تأسيس ما يسمى بمبادرة ستوكهولم عام 2019، إذ توحد المبادرة 16 دولة في جهودها للترويج لنزع السلاح النووي.

ويحظى هذا الموضوع بأهمية؛ لأن معاهدة “ستارت الجديدة” بين الولايات المتحدة وروسيا للحد من استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية سينتهي سريانها في فبراير دون متابعة.

لذلك اعتبر وزير الخارجية الألماني “هذا الاتجاه في غاية الخطورة”، مؤكدًا على أن “نزع السلاح وإيجاد عالم خال من الأسلحة النووية هما من الاهتمامات الأساسية لألمانيا وسيظلان كذلك – لأسباب ليس أقلها أن أمن أوروبا يعتمد عليها”.

حدث تاريخي

على الجانب اللآخر، وصفت بعض الدول هذه المعاهدة بأنها حدث تاريخي، وخطوة يقاتل من أجلها العديد من منتقدي الأسلحة النووية، وكذلك ضحايا تفجيرات القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي عام 1945 منذ أكثر من 70 عامًا.

لذلك دعا سيباستيان كورتز، المستشار النمساوي، إلى مشاركة اليابان ودول أخرى في الاجتماع الأول لمعاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية التي دخلت حيز النفاذ اليوم، واصفًا إياها بالحدث التاريخي.

وفي هذا الصدد، قال المستشار النمساوي: “جميع الدول وكذلك المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية مرحب بها للمشاركة كمراقبين في الاجتماع الأول للدول الأطراف في المعاهدة والمتوقع عقده في فيينا في غضون عام من دخول الاتفاقية حيز النفاذ”.

وأشار “كورتز” إلى أن المعاهدة خير دليل على حقيقة أن غالبية الناس على وجه الأرض لا يريدون العيش في ظل هذه الأسلحة، وكلما انضم عدد أكبر من الدول إلى المعاهدة أصبحت هذه الرسالة أقوى.

وأضاف: “حتى الدول التي تمتلك أسلحة نووية مثل الولايات المتحدة وروسيا ستشعر بتأثير المعاهدة، ونتوقع أن يكون للمعاهدة تأثير سياسي ومعياري على المجتمع الدولي بأسره حيث تصبح الأسلحة النووية من المحرمات على المدى التوسط إلى الطويل، كما حدث مع المعاهدات التي تحظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وكذلك الألغام الأرضية”.

وكانت النمسا قد قادت الجهود التي أدت إلى اعتماد معاهدة حظر الأسلحة النووية في عام 2017 بدعم من 122 دولة.

وفي السياق ذاته، وجه البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، نداء من أجل المعاهدة، قائلًا إنها “أول أداة دوليّة ملزمة بشكل قانوني تحظر بوضوح هذه الأسلحة، التي يكون لاستخدامها تأثير عشوائي، فهي تضرب في وقت قصير عددًا كبيرًا من الأشخاص وتُسبب ضررًا طويل الأمد للبيئة”.

وتابع: “وبالتالي أشجع بقوة جميع الدول والأشخاص على العمل بتصميم من أجل تعزيز الظروف الضروريّة لعالم خالٍ من الأسلحة النووية، والمساهمة في تعزيز السلام والتعاون المتعدد الأطراف، الذي تحتاجه البشرية اليوم بشدة”.

عواقب وخيمة

الأسلحة النووية هي أشد الأسلحة التي اخترعها الإنسان ترويعًا؛ ومن المفترض أن يتكاتف العالم من أجل القضاء على هذه القوة المدمرة، التي قد تسبب معاناة إنسانية لا يمكن وصفها، ولكن نجد أن لبعض الدول أهداف أخرى، واعتبارات سياسية مختلفة قد تضعها الآن نصب أعينها، متجاهلين ما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة!

وليكن الأمر أكثر موضوعية، فإن اتفاق الجميع أو اختلافه حاليًا لا ينكر حقيقة تلك الفواجع التي تستر وراء استخدام هذه الأسلحة، سواء على بني البشر أم على البيئة بأكملها.

إذ يعد وجود الأسلحة النووية من الأساس ليس تهديدًا للأجيال القادمة فحسب، بل وبقاء الإنسانية جمعاء في واقع الأمر، فالكارثة لا تقف عند الخسائر الهائلة في الأرواح على المدى القصير، بقتل عشرات الآلاف، ومعاناة عشرات الآلاف غيرهم من إصابات مروعة، والنزوح والتشرد وغيره، وإنما قد تخلق أضرارًا طويلة الأمد، فهذه الأسلحة يمكن أن تحدث اضطرابًا شديدًا في النظام البيئي للأرض وتخفض درجات حرارة العالمية، ما يعرض العالم لنقص في الغذاء.

الدكتور مارسيل جونو، أحد أطباء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لخص هذا المشهد، في تقييمه الذي كتبه في أعقاب زيارته لمدينتي هيروشيما وناغازاكي، بعد أن دمّر انفجاران نوويان المدينتين اليابانيتين، فبدتا كما لو أنهما “مُحيتا من الوجود بفعل قوة خارقة للطبيعة”_ بحسب تعبيره.

وخلص الدكتور جونو سريعًا إلى ضرورة حظر الأسلحة النووية تمامًا، مثلما حُظرت الغازات السامة بعد الحرب العالمية الأولى، مشيرًا إلى إنه “لا سبيل لإنقاذ العالم من الدمار إلا بصياغة سياسة عالمية موحدة”.

إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، ما هو إلا خير دليل ومثال لما ينتج عن إستخدام تلك الأسلحة الفتاكة، والتي عكفت حينها اللجنة الدولية على الدعوة إلى حظر الأسلحة النووية لضمان عدم تكرار هذه المآسي المروعة.

وقد التزمت الدول طيلة عقود بمنع انتشار الأسلحة النووية وتحقيق نزع السلاح النووي من خلال عدد من الاتفاقيات الدولية، بما فيها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لكن لم تُعتمد اتفاقية لحظر الأسلحة النووية إلا في يوليو 2017، لتكون هي الخطوة التاريخية التي طال انتظارها في اتجاه إزالة هذه الأسلحة.

وفي نهاية الأمر، تتركز الأنظار الآن على ما إذا كانت هذه المعاهدة ستكتسب دعمًا كافيًا لدفع جهود نزع السلاح النووي، أم ستظل حبرًا على ورق، في الوقت الذي تجسد فيه تلك الاتفاقية الأمل في مستقبل خالٍ من الأسلحة النووية، والخلاص من شبح المعاناة التي ستُخلفها.

ربما يعجبك أيضا