«الجهاديون» و إيران.. إشعال الطائفية في العراق وتهديد الأمن الدولي

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد 

إن التفجيرات التي شهدتها بغداد يوم 21 يناير 2020 ،كانت منعطف في واقع الأمن في العراق، فبعد ما يقارب السنتين، لم تشهد بغداد مثل هذا النوع من التفجيرات، التوقيت يثير الكثير من الاتهامات إلى إيران، كونها تزامنت مع دخول بايدل للبيت الأبيض، ومع خطوات اتخذها رئيس الحكومة العراقية يمكن وصفها بانها خطوات جريئة، تثير حفيظة الميلشيات العراقية.

وما يزيد الاتهامات إلى إيران أن اليوم تعرضت قاعدة أمريكية داخل مطار بغداد بهجوم صواريخ كاتيوشا، في أعقاب، اتخاذ رئيس الحكومة العراقية، قرارا بإقالة عدد من القيادات الأمنية، تلك القيادات بعضها ترتبط إداريا بالميلشيات، وتسيطر على المشهد الأمني وكذلك السياسي.

تبقى علاقة إيران بتنظيم القاعدة غامضة وتثير الكثير من الاهتمام، فرغم الاختلاف الأيديولوجي فان إيران تمثل مقرا لإدارة عملياتها الإرهابية، وقد ارتبطت قيادات القاعدة مباشرة، بالحرس الثوري الإيراني. تبقى  العلاقة بين الطرفين علاقة براغماتية  يشتركان في خصومتهما إلى الغرب.العلاقات بين الطرفين وأوجه التشابه رغم الاختلاف”العقائدي” بينهما يكشف نوع العلاقة ويعزز نجاح إيران بالتحالف مع القاعدة  من اجل نشر التطرف والإرهاب إقليميا و دوليا.

قال وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للوزارة، يوم 12 يناير 2021، إن إيران باتت “القاعدة الرئيسية الجديدة لتنظيم القاعدة”. وأضاف أن الولايات المتحدة باتت لديها خيارات أقل في مواجهة التنظيم بعد أن “تحصن داخل” ذلك البلد ، وأضاف بومبيو إن إيران منحت قادة القاعدة ملاذا آمنا وتقدم الدعم للتنظيم.

سمحت إيران لقيادات القاعدة بالعبور عبر أراضيه دون تأشيرات أو جوازات سفر، وقد وجدت المحكمة الفيدرالية الأميركية، أن إيران قدمت المواد والدعم المباشر لقيادات تنظيم القاعدة من اجل تنفيذ عمليات 11 سبتمبر الإرهابية. التحقيقات كشفت مرور أكثر من ثمانية من منفذي عمليات 11 سبتمبر عبر إيران قبل التوجه إلى الولايات المتحدة.  والأكثر من ذلك قدمت إيران الأموال والدعم اللوجستي والذخيرة لقادة القاعدة. وفي تطور لاحق ،كشفت وكالة المخابرات المركزية  عن مجموعة من 470 ألف وثيقة نشرتها  تؤكد علاقات وثيقة بين بن لادن والقاعدة وإيران وعرضت عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان ، مقابل ضرب المصالح الأمريكية.

أبومحمد المصري

لقد منحت إيران قيادات القاعدة وثائق سفر وبطاقات هوية وجوازات سفر وسمحت لهم بالتنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد. صحيفة نيويورك تايمز أكدت في تقريها نشر في  نوفمبر 2020 أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، عبدالله أحمد عبدالله، الذي أطلق عليه الاسم الحركي أبومحمد المصري، اغتيل في طهران في أي من ذات العام 2020. أثار الإعلان عن مقتل نائب قائد القاعدة في طهران مرة أخرى تساؤلات حول علاقة النظام الإيراني بالتنظيم الإرهابي وقدم تذكيرًا جديدًا بضرورة تحليل استراتيجية النظام القائمة على استخدام التنظيم كأصل وتقديم ملاذات آمنة لقادتها. 

كان المصري أحد الأعضاء القلائل رفيعي المستوى في المنظمة الذين نجوا من المطاردة الأمريكية لمنفذي هجمات 11 سبتمبر وهجمات أخرى. عندما فر هو وزعماء آخرون من القاعدة إلى إيران ، وضعوا في البداية قيد الإقامة الجبرية. أكدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى أن المصري وزعيم بارز آخر للقاعدة في إيران ، سيف العدل ، أعادا تنظيم الهيكل الإداري العالمي للقاعدة وأعطيا أولوية جديدة للتخطيط للهجمات. 

اعترافات المنشق عن الحرس الثوري الإيراني حميد رضا زكرى

كشف الضابط الإيراني السابق المنشق عن الحرس الثوري الإيراني حميد رضا زكرى وفقا لتقرير بي بي سي فارسي يوم 02 مايو 2012  بقلم محمد قوام، والذي كان يشغل الحراسة الشخصية للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أنه كان يدير شخصياً لقاءات ما بين عناصر من القاعدة وإيران، كما أضاف أن هناك علاقة ما بين التنظيم وإيران وبين قائد التنظيم الحالي “أيمن الظواهري” وطهران، مشيراً إلى أن هناك اجتماعات كانت بين الطرفين قبل فترة قليلة من وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001.

ويقول زكرى: إن علي أكبر ناطق نوري، الذي كان يتولى مسؤولية الجهاز الأمني الإيراني التابع لخامنئي نفسه، أرسل رسالة إلى أحد أفراد هذا الجهاز يأمره فيها بالتعاون مع القاعدة وأن أول لقاء ما بين زعيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، والمسؤولين الإيرانيين كانت في شهر يناير 2001، أي قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأشهر قليلة. 

وفي هذا السياق، كشف محفوظ ولد الوالد “أبو حفص الموريتاني”، أحد قيادات القاعدة، وهو المشرف على التنسيق بين التنظيم وإيران، عن العلاقة ما بين القاعدة وإيران. وذكر في تصريحات صحفية وشهادات عديدة أن إيران حاولت مرارا تعميق العلاقة مع القاعدة  وإن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، عرض خدماته على القاعدة لمساعدة عناصرها في تصنيع العبوات الناسفة (..).

القاعدة وإيران ـ إشعال الطائفية في العراق

كان أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة المغتال في العراق  وراء إشعال الطائفية داخل العراق بدفع إيراني من أجل إضعاف العراق، وإيجاد حجج جديدة لنفوذ إيران في العراق. وعملت إيران من خلال أذرعها السياسية في العراق عام 2014 وما سبقه من أعوام، على تهريب سجناء تنظيم القاعدة وداعش أبرزها سجن أبوغريب المركزي، ومن معتقلات أخرى ومن التسفيرات، من أجل منح داعش فرصة جديدة لإعادة فرض سيطرته إلى حد إعلان” خلافة داعش ” في الموصل والرقة عام 2014.

إن العلاقة بين إيران والقاعدة يمكن وصفها بالعلاقة المزدوجة تشترك في عدائهما للولايات المتحدة الأميركية لإفشال مشروعها في الشرق الأوسط، من خلال الإمساك بتنظيم القاعدة وأذرع إيران المسلحة في دول المنطقة، من اجل تهديد الأمن الإقليمي والدولي. إن تنامي تهديدات إيران إلى الأمن  الإقليمي والدولي، لم يكن وليد عهد إدارة ترامب، بل في ظل إدارة أمريكية سابقة، خاصة إدارة أوباما، من أكثر الإدارات مهادنة لطهران.

الخلاصة

تعتمد إيران إستراتيجية، نقل مشاكلها للخارج، ومواجهة خصومها خارج أراضيها، وهذا مدفعها، منذ الأيام الأولى إلى وصول خميني إلى السلطة عام 1979، بتغذية الجماعات المتطرفة بكل أطيافها، محاولة منها لخلق، “حزام أمني” ضد خصومها إقليميا ودوليا.

التدخل الإيراني في امن المنطقة لم يعد سرا، ولم يتحدد في قضية “تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 20%” أو بتسيير الطائرات المسيرة لضرب أهداف بعيدة تتجاوز 2000 كم، إلى جانب الصواريخ الباليستية. التهديد الإيراني لم يعد محدودا بأمن المنطقة وأمن الخليج، بقدر ما أصبح تهديدا للأمن الدولي.

إيران أصبحت بالفعل دولة، خارج النظام السياسي الدولي، ومناوراتها العسكرية الصاروخية الأخيرة بالقرب من طهران وضرب أهداف في المحيط الهندي، يعكس طموحات إيران العسكرية والسياسية.

مناورات إيران في هذا الوقت يعتبر جرس إنذار، ينبغي على الإدارة الأمريكية والاتحاد الدولي، مراجعة سياستهم “المهادنة” إلى إيران ووضع حد إلى تنامي قوتها العسكرية من أجل تحقيق الأمن الإقليمي والدولي.

ربما يعجبك أيضا