معتقلات معيتيقة.. تجاوزات سجون الغرب الليبي تحت إمرة الميلشيات

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

إضراب عشرات المعتقلات عن الطعام في سجن معيتيقة، أعاد الجدل للشارع الليبي حيال مصير المعتقلين في السجن التابع لميلشيا الردع في طرابلس، تزامنًا مع تقارير تفيد بحدوث انتهاكات إنسانية في السجون والمعتقلات القابعة تحت أيدي الميلشيات في طرابلس، والتي تستهدف الخصوم وتصفيتهم وسط اتهامات لحكومة الوفاق الليبي بالتورط في انتهاكات انتهاكات سجون بدأت عقب رحيل النظام السابق لتصفية أنصاره وتوسعت بعد ذلك ، ولا زالت تستخدم لليوم لتصفية المعارضين وسط انتقادات دولية وحقوقية لما تواجهه تلك المعتقلات.

معتقلات معيتيقة

أعربت منظمة التضامن لحقوق الإنسان في ليبيا عن قلقها حول مصير عشرات المعتقلات في السجن التابع لميلشيا الردع في طرابلس، بعدما دخلن في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجاً على استمرار اعتقالهن منذ سنوات بدون محاكمة.

وبحسب بيان أصدرته المنظمة، مساء أمس الجمعة، أكدت فيه أن السجينات رغم عدم ثبوت أي تهم ضدهن، إلا أن النيابة لم تتدخل للإفراج عنهن، في حين يحمل المسؤولون عن السجن النيابة مسؤولية عدم الإفراج عنهن.

كما سلطت المنظمة الضوء على مسألة غموض عدد المحتجزين والمعتقلين من قبل تلك الميلشيات، قائلة: “إن عدد المحتجزين في سجون الردع غير معروف، ولا أماكن احتجازهم، في ظل عدم تمكن أي هيئة مستقلة، وطنية أو دولية، من زيارة السجن”.

وأضافت أن الميلشيات لم تسمح أيضا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بزيارة السجن.

ووفقا لأحدث تقرير لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فإن عدد المحتجزين في سجن معيتيقة يقدر بحوالي 3600 محتجز، من بينهم نساء وأطفال.

انتهاكات واعتداءات

ومن المؤسف بحسب تقرير المنظمة أن سجن معيتيقة لا يوجد فيه حارسات نساء، والمعتقلات يتعرضن للتحرش والاعتداء الجنسي، وفقاً لشهادات نساء كُنَّ معتقلات، لافتة إلى أنه رغم التقارير الصادرة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية غير الحكومية، التي وثقت الانتهاكات في السجن، وطالبت السلطات بتصحيح الوضع، إلا أنه لا توجد مبادرة من حكومة الوفاق ولا من المجالس البلدية التابعة لها لحل الأزمة.

يشار إلى أن ميلشيات “الردع” تتخذ من قاعدة معيتيقة الجوية مقرًا. وكان ناشطون ليبيون اتهموا هذا الفصيل التابع لحكومة الوفاق باستخدام سجن القاعدة الجوية لإخفاء العديد من الناشطين والإعلاميين.

يشار إلى أن «قوة الردع الخاصة» تخضع اسميًا لسلطة وزارة الداخلية بـ«الوفاق» وتدير واحداً من أكبر مراكز الاحتجاز في مدينة طرابلس في قاعدة «معيتيقة الجوية»، بحسب التقرير الأممي الذي يفيد بأن العدد الدقيق من المحتجزين هناك غير معروف.

ورغم الطلبات المتكررة، لم يسمح لقسم حقوق الإنسان بالبعثة الأممية بزيارة السجن سوى مرة واحدة في مايو 2016. كما لم يسمح للفريق بمقابلة المحتجزين على انفراد، بينما تشير إفادات الشهود وتقارير الطب الشرعي والتقارير الطبية، فضلاً عن الصور التي جمعها قسم حقوق الإنسان بالبعثة، إلى الطابع الممنهج للتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء ليبيا.

ولا يزال يعاني آلاف الليبيين وحتى المهاجرين في ليبيا من انتهاكات عدد من الفصائل والميلشيات المسلحة، في بلد لا تزال غارقة في الفوضى منذ العام 2011، رغم محاولات أطراف النزاع مؤخرًا التوصل إلى حل للأزمة التي طال أمدها.

عالم سري لمعتقلات طرابلس

سجن معيتيقة أعادة للأذهان العالم الخفي لمعتقلات طرابلس والتي عانت من انتهاكات وعمليات تعذيب ممنهجة بحق المعتقلين خلال السنوات الماضية، وهو ما رصدته الأمم المتحدة، في تقرير قدمته إلى مجلس الأمن الدولي، وأشارت فيه إلى احتجاز آلاف المواطنين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، في مرافق تخضع اسمياً لسيطرة وزارتي الداخلية والدفاع التابعتين لحكومة «الوفاق»، بزعامة فائز السراج، أو في مرافق تديرها مباشرة جماعات مسلحة.

وبالتبعية، كما تبدل الحال، عقب رحيل النظام السابق قبل 9 أعوام، تغيرت الأوضاع داخل تلك السجون بمجيء نظام «ثورة 17 فبراير»، فأصبحت تضم بعضاً من «المتهمين بجرائم تعذيب» في الماضي من أنصار القذافي، لكنها في ظل الفوضى الأمنية والعسكرية، ومع توسيع نفوذ الأفراد والمدن والقبائل، اتسعت رقعتها وتمددت، فأصبح القائمون عليها في كثير من الأوقات بمثابة «القاضي والسجان»، بل إن بعضهم اتخذ لنفسه سجوناً خاصة.

ويُنظر لهذه السجون والمعتقلات، وفقاً لروايات شهود العيان على أنها «عالم سري مخيف، ليس لتنفيذ محكومية محددة بحكم قضائي مُعلن، بقدر ما هي غياهب يُلقى فيها من يُراد له الاختفاء، مؤقتاً أو بشكل دائم».

ويرى رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، جمال الفلاح، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، أن «السجون السرية أو الخاضعة للمجموعات المسلحة هي معتقلات، ولا تخضع لسلطة الدولة، سواء الأجهزة الأمنية أو القضائية، ومن يديرها الميلشيات المسلحة، إذ تمتلك كل مجموعة سجنها الخاص، ومنها ما هو سري، ومكانه غير معلوم إلى الآن».

والسجون في غرب ليبيا أنواع، لكل منها اسم رسمي وآخر غير رسمي، ويعد أشدها قسوة سجن عين زارة (الرويمي) بجناحيه، أو سجن عين زارة السياسي (البركة) للإصلاح والتأهيل، ويقع في ضواحي جنوب شرقي طرابلس.

تصفية المعتقلين

بحسب المحللين هناك معتقلات عدة خارجة على القانون كان يوارى فيها الكثير من السياسيين والمعارضين لفترات زمنية طويلة كما كان يحدث في سجن “الهضبة” الذي كان يضم قيادات من النظام السابق مثل البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي وعبد الله السنوسي الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية والساعدي القذافي نجل الرئيس الراحل، قبل أن يتم اقتحامه في اشتباكات بين الميلشيات في 2017، ما اضطر حكومة «الوفاق» إلى إغلاقه، ونقل جميع نزلائه إلى «الرويمي».

ومع الوقت تحولت هذه المعتقلات لأماكن تصفية المعتقلين والخصوم ، كما روى رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام الصديق الصور، الذي سجل ذلك في «تصفية 12 معتقلاً عقب صدور حكم قضائي بالإفراج عنهم من سجن الرويمي، منتصف يونيو 2016». وحينها، وجهت جهات ومنظمات ليبية عدة اتهامات إلى الميلشيات بقتل الشباب الذين ينتمون إلى منطقة وادي الربيع.

الخبير في «مركز الخبرة القضائية والبحوث»، التابع لوزارة العدل في الحكومة المؤقتة (شرق ليبيا)، وسام الورفلي، أرجع تزايد هذه الانتهاكات في السجون إلى «إخفاق الحكومات المتعاقبة بعد عام 2011 في التصدي لها».

ورغم أن حكومة «الوفاق» تقول إنها تفرض سيطرتها على جميع السجون، فإن حقوقيين يرون أن «معتقلات طرابلس باتت مقار لمن يريدون نسيانه، أو الإبقاء عليه مدى الحياة وراء القضبان، لكون وجوده في الحياة العامة يتعارض مع توجهات الميلشيات».

التجاوزات التي تم رصدها خلف القضبان وسط عدم توافر أرقام دقيقة عن عدد المحتجزين في عموم سجون الغرب الليبي، عززت مخاوف الأمم المتحدة من استمرار احتجاز الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بشكل تعسفي غير مشروع لفترات زمنية طويلة وإخضاعهم للتجاوزات، دعت فيها للإفراج الفوري الغير مشروط  للمعتقلين ومعاملتهم وفقًا للقانون والمعايير الدولية، لكن تبقى تلك التوصيات رهينة بموقف الميلشيات المسلحة التي أكدت تقارير عدم أنها تابعة لحكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج.

ربما يعجبك أيضا