اتهامات بالتعطيل بين «عون والحريري».. والحكومة اللبنانية «محلك سر»

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في وقت تراوح عملية تشكيل الحكومة اللبنانية مكانها، عادت السجالات بين قصر بعبدا ورئيس الحكومة سعد الحريري وسط اتهامات متبادلة حول مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة، في وقت تواجه فيه لبنان أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية انعكس صداها في احتجاجات اللبنانيين، ووسط دعوات لحلحلة الأزمة ورأب الصدع السياسي من خلال وساطة بكركية إلا إنها قد تواجه صدامًا مع حزب الله، وسط توقعات باستمرار الأزمة مع الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال والتي قد ينتج عنها تفاقم الأزمات وانفجارها في الشارع اللبناني.

أزمة «عون – الحريري»

ما زالت أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية العائق الأكبر في المشهد السياسي في لبنان، والتي بدأت تتجلى بعد خلافات رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري حول تمثيل وتوزيع الحقائب الوزارية، بعدما فشلت التسوية الرئاسية الأخيرة في قصر بعبدا.

ومن هنا بدأت الاتهامات والسجالات، فالرئيس عون أعلن اعتراضه على ما أسماه “تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع رئاسة الجمهورية”، في حين يرى الحريري أن هناك ضغوطات من التيار الوطني الحر وحزب الله لعرقلة تشكيل الحكومة.

وردًّا على تلك الاتهامات، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا، جاء فيه أن الرئيس ميشال عون لم يطلب الثلث المعطل في الحكومة، مجددة التأكيد على أن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، لا يتدخل في التشكيل، كما أنه لا ضغوط لـ«حزب الله» على عون، داعية الرئيس المكلف سعد الحريري ليقدم له تشكيلة حكومية تراعي «التمثيل العادل».

وفيما يتعلق بصلاحيات رئيس الوزراء في تأليف الحكومة، أفاد البيان بأنه هو ليس حقًا حصريًا، استنادًا للبند الرابع من المادة 53 والبند الثاني من المادة 64 من الدستور، وهو ما يعني أن لرئيس الجمهورية الحق الدستوري في الموافقة على التشكيلة الحكومية قبل التوقيع.

وفي إطار السجالات، كان رد مباشر من حسين الوجه المستشار الإعلامي للحريري على بيان الرئاسة، حيث كتب في تغريدة على حسابه على «تويتر»: «هل نحن أمام توضيح من رئاسة الجمهورية، أم أمام نفي باسم الوزير جبران باسيل؟»، مضيفاً: «إذا كانت الظروف ضاغطة جداً لتأليف الحكومة، فالأجدى بمن يعنيهم الأمر السير بطرح رئيس الحكومة المكلف الموجود لدى الرئاسة الأولى الذي يراعي التمثيل العادل وفقاً للدستور، وليس وفقاً للحصص السياسية والحزبية»، وذلك في إشارة إلى التشكيلة الحكومية التي قدمها الحريري إلى عون، واعتبر الأخير أنها تفتقد إلى المعايير الموحدة ولم يوقعها حتى الساعة.

وبحسب مصادر سياسية لبنانية فإن التقارب بين عون والحريري أصبح مستحيلًا، خصوصًا بعد سقوط التسوية الرئاسية، فالحريري لن يقدم انتصارًا مجانيًا لجبران باسيل، ولا الرئيس عون سيرضى بحكومة لا يملك فيها القرار الوازن، ولا حتى حزب الله سيسمح بتشكيلة حكومية لا تضمن حماية سلاحه.

ضربة قاضية لوساطة بكركي

وفي محاولة لرأب الصدع، دعا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى عقد مصالحة تعيد الثقة بينهما.

وقال الراعي: “لبنان هذه الجوهرة الثمينة بات في حالة تقويض لم نكن ننتظرها في مناسبة الاحتفال بمئويته الأولى: تأليف الحكومة معطّل، القضاء فريسة التدخل السياسي والمذهبي، الاقتصاد مشلول في كل قطاعاته، نصف مدينة بيروت مهدّم، سكانه منكوبون، أهالي الضحايا مهمَلون، نصف الشعب اللبناني في حالة فقر”.

واعتبر أن الباب المؤدي إلى طريق الحل لكل هذه الأمور هو تشكيل حكومة إنقاذ مؤلفة من نخب لبنانية.

 في المقابل، أكدت مصادر سياسية لبنانية مستقلة أن أكد أن حزب الله، لن يسمح بنجاح وساطة بكركي، ولن يرضى بأن يكون البطريرك الماروني بشارة الراعي عراب الصلح بين عون والحريري، حيث يرجع ذلك بسبب الخلاف الاستراتيجي الكبير والعميق بين حزب الله ومن خلفه إيران، وبيّن بكركي حول مطالبة البطريرك الراعي بحياد لبنان.

و بعد ساعات من وساطة البطريرك الماروني، وفوجئ المراقبون باندلاع المواجهة بين الفريقين، لتسدد ضربة قاضية لمساعي الراعي في وقت يواجه فيه لبنان أزمة اقتصادية وصحية وهو بأمّس الحاجة إلى حكومة إنقاذ تبدأ الإصلاح.

ومع تسريب أوساط تيار “المستقبل” معلومات عن تمسّك الرئيس عون بالثلث المعطل في الحكومة ما يؤدي إلى تعطيلها، قال عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن، أمس، أن “هناك تعجيزاً يتعرض له الرئيس المكلف بهدف الضغط عليه للاعتذار”، معتبراً أن “جل ما يطمح إليه رئيس الجمهورية هو ضمان وجود وريثه السياسي في حال تأخير الانتخابات النيابية والرئاسية للتحكم بزمام الأمور”.

تشكيل الحكومة.. إلى أين؟

ويتضح مما سبق، من عمق الخلاف وتمسك كل طرف بمواقفه أن رئيس الجمهورية لن يتخلى عن دوره الفعلي، الدستوري، كشريك للرئيس المكلف في تأليف الحكومة، وإن اقتضى الأمر أن تظل لبنان خلال العامين المتبقيين في ولايته في  ظل حكومة تصريف أعمال، وهو ما يعني أن موقف الرئيس من توقيعه مرسوم تأليف الحكومة لا يتوقف على موافقته على أسماء الوزراء المسيحيين وحقائبهم، أو على حصته هو، بل الاتفاق على أسماء الوزراء جميعاً، فرداً فرداً، ما دام توقيعه يمنح التشكيلة طبيعتها الدستورية، ويتيح لها الخروج للنور.

ووفقًا لما نقلته أوساط سياسية لصحيفة “الراي الكويتية” هناك ثلاثي متشابك يحكم الأزمة الحكومية في هذه المرحلة، أوّل ضلع فيه أن حزب الله وحتى لو أراد فعلاً القيام بمبادرة جدية للإفراج عن الحكومة في “الوقت الضائع” ريثما يرتّب جو بايدن أوراقه في المنطقة، فهو يصطدم بتصلُّب فريق عون وحساباته التي لن يقفز فوقها، والضلع الثاني أنه إذا كان الحزب لا يريد حكومة في هذا التوقيت ربْطاً بحاجة طهران لتقديم أواق اعتماد للإدارة الأمريكية الجديدة فإنه يستفيد من شروط عون.

أما الضلع الثالث فإن أي تشكيل للحكومة بموازين القوى الداخلية والغالبية التي يملكها الائتلاف الحاكم (فريق عون – حزب الله) سيعني ترْك البلاد تتدحرج في الطريق إلى جهنم ما لم يتم كسر التوازن السلبي الخارجي الذي يظلّل الواقع اللبناني.

ويرى المراقبون أن الأولوية يجب أن تعطى للإسراع بتشكيل حكومة من مستقلين واختصاصيين، وهو ما يعني تكثيف الضغوط باتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون لإزالة العراقيل التي يضعها والتي ما زالت تؤخر ولادتها حتى الآن.

ربما يعجبك أيضا