العبور إلى مستقبل نظيف.. صفقة أوروبا «الخضراء» في القرن 21

كتب – حسام عيد

تتسابق بلدان العالم فيما بينها من أجل البقاء وسط بيئة صحية نظيفة خضراء، ذات معدلات انبعاثات كربونية متدنية للغاية، ربما تصل للمستوى “صفر”، ما يجعلها حيادية تجاه المناخ، بل وتحافظ عليه.

الاتحاد الأوروبي، اليوم، اقترب كثيرًا من استكشاف حقبة الاقتصادات النظيفة والمستقبل الأخضر المتجدد، رغم تداعيات جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19” وقيودها الصارمة.

الأمر أصبح حيويًا للغاية في ضوء تسارع وتيرة التغيرات المناخية والدمار الذي تسببه للبشرية، ففي المستقبل القريب لا بديل للحكومات عن بذل جهود حثيثة لتوديع حقبة الوقود الأحفوري، وتعميم نهج متجدد من شأنه تعزيز وتحسين جودة الحياة في مجتمعاتها.

الصفقة الخضراء

تحول المناخ وتخريب البيئة يهددان أوروبا والعالم بأسره؛ لهذا السبب عمد الاتحاد الأوروبي إلى وضع استراتيجية نمو جديدة، تسمى الصفقة الأوروبية الخضراء. وهي تشكل إطار الانتقال نحو اقتصاد حديث، يتمتع بفعالية عالية في استخدام الموارد، وبالقدرة على المنافسة.

من المفترض أن يكون الاتحاد الأوروبي حياديًا لجهة المناخ بحلول العام 2050. وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي لن يتسبب في أية انبعاثات للغازات العادمة “الدفيئة” في الغلاف الجوي. وهو هدف وضعته ألمانيا أيضًا نصب عينها حتى ذلك الحين.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف الطموح هناك عدد من الإجراءات الضرورية في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية:

– أكثر من 75% من انبعاثات الغازات العادمة في الاتحاد الأوروبي تنجم عن توليد واستهلاك الطاقة، لذلك، أصبح ضروريًا إلغاء الفحم (الكربون) من مجمل قطاع الطاقة.

– 40% من استهلاك الطاقة هو من حصة المباني، لذلك يجب تجديد المباني لجهة الطاقة، بحيث يمكن تخفيض تكاليف واستهلاك الطاقة.

– 12% فقط من المواد التي تستخدمها بلدان الاتحاد الأوروبي في الصناعة هي عبارة عن مواد يعاد استخدامها، لذلك؛ يجب دعم الصناعة من خلال إبداعات وابتكارات الاقتصاد الأخضر.

– 25% من انبعاثات الغازات العادمة تنشأ عن النقل، لذلك؛ من الضروري اعتماد الأساليب الأكثر صداقة للبيئة في النقل العام والخاص على السواء. ويتطلع الاتحاد الأوروبي إلى الوصول إلى مليون سيارة كهربائية على الأقل، تسير في شوارعه بحلول العام 2025. كما يفترض كبح جماح النقل الجوي أيضًا.

من أجل التمكن من تنفيذ الصفقة الخضراء سيقوم الاتحاد الأوروبي بإنفاق تريليون يورو على الأقل على شكل استثمارات مستدامة من خلال موازنة الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك لابد من استثمارات سنوية إضافية بقيمة 260 مليار يورو على الأقل، حسب المفوضية الأوروبية، وذلك من القطاعات الاقتصادية الخاصة والعامة على السواء. وتغطّي الصّفقة الأوروبيّة الخضراء جميع القطاعات الاقتصاديّة خاصّة منها النّقل والطّاقة والفلاحة والمباني والصّناعات مثل صناعة الفولاذ والأسمنت وتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات والنّسيج والمواد الكيميائيّة.

الطاقة المتجددة تتجاوز الوقود الأحفوري

وفي 25 يناير 2021، أعلن مركز الأبحاث الأوروبي «إينرجي أغورا» إنه وللمرة الأولى في الاتحاد الأوروبي، تم إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة أكثر منه من الوقود الأحفوري.

وقالت نتائج دراسة نُشرت في بروكسل، إنه خلال 2020 سجلت نسبة الكهرباء المنتجة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من مصادر الطاقة المتجددة 38% من مجمل الطاقة الكهربائية المستهلكة، ومصدرها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فيما شكل الوقود الأحفورى مثل الغاز والفحم 37%.

وسجلت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في بلجيكا أكبر قدر من التقدم في العام الماضي، مع نمو بنسبة 28% بعد السويد +36% إسبانيا +40% بينما سجلت الدنمارك أكبر نسبة من الكهرباء من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح 62%.

اقتصاد منخفض الكربون

واتّفق قادة الاتحاد الأوروبي على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في أوروبا بحلول العام 2030 إلى 55% فيما هي محددة الآن بنسبة 40% مقارنة بمستويات العام 1990.

ويندرج هذا الهدف في إطار مشروع أوسع “الصفقة الخضراء” للاتحاد الأوروبي من شأنه أن يجعل من أوروبا أول قارة في العالم تنجح في تحييد أثر الكربون في 2050.

وتتضمن “الصفقة الخضراء” آلية انتقالية لمساعدة الدول الأعضاء على تحويل قطاعاتها الصناعية إلى أنماط مستدامة بيئيًا، بفضل مساهمات رسمية من الدول ومن البنك الأوروبي للاستثمار.

حتى الآن، تم التوصل داخل البرلمان الأوروبي إلى اتفاق مؤقت بشأن البرنامج الأوروبي للبيئة والمناخ والذي يغطي الفترة من 2021 وحتى 2027 بهدف تعزيز عمل الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.

وإجمالي الميزانية المخصصة لهذا البرنامج خلال السنوات 2021-2027 هو 5.4 مليار يور، ويتم تخصيص 3.5 مليار للأنشطة المتعلقة بالبيئة و1.9 مليار لقضايا المناخ حيث سيحظى بنسبة 61% من إجمالي الميزانية.

الهدف من البرنامج هو المساهمة في التحول نحو اقتصاد نظيف يوفر اقتصاد الطاقة واستهلاكاتها المتعددة، ويكون في الوقت نفسه منخفض الكربون بغية حماية جودة البيئة وتحسينها مع المحافظة على التنوع البيولوجي.

ربما يعجبك أيضا