أزمة نظام في تونس.. تُعمق الخلافات والاحتجاجات تتصاعد

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

على وقع الخلاف بين رأسي السلطة في تونس، تصاعدت الأزمة السياسية وزادت وتيرة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير والإصلاح وسط تحذيرات من انحرافها لاعمال عنف وفوضى، لتشتعل شرارة الغضب التونسية الرافضة للواقع السياسي مع محاولات البعض تسييس المصالح عبر التعديلات الوزارية الأخيرة ضاربة بعرض الحائط ما يعانيه تونس من أوضاع اقتصادية وصحية واجتماعية تكاد تنفجر على خلفية تفشي وباء فيروس كورونا.

اختبار صعب للمشيشي

يواجه رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، اليوم الثلاثاء، اختبارًا صعبًا في الحصول على ثقة البرلمان التونسي بشأن التعديل الوزاري الواسع الذي اجراه قبل أسبوعين.

لكن ثمة معطيات تربك وتبعثر أوراق المشيشي، وهي إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد رفضه للتعديل الحكومة للمشيشي، واصفًا إياه بغير الدستوري من الناحية الإجرائية، كما لوّح بعدم قبول الوزراء الذين تحيط بهم شبهات فساد في حال منحهم الثقة في البرلمان.

ويبدو أنه لا شيء محسوم حتى اللحظة، لكن هناك كتل وجهت اتهاماتها صراحة للمشيشي بتعزيز الحكومة بمن وصفتهم بالفاسدين نزولا عند رغبة أطراف سياسية تدعمه.

ومن الرافضين لتعديل المشيشي الحكومي كتل التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس والحزب الدستوري الحر.

وفي المقابل، تدعم كتلتا قلب تونس وائتلاف الكرامة التعديل، أما حركة النهضة فمازال موقفها متضاربًا، مع اعتراض عدد من نوابها على منح الثقة للوزراء الذين تلاحقهم شبهات فساد.

وإذا حصل التعديل المقترح على ثقة البرلمان، وهو أمر متوقع على الأرجح، فسيتعين على الوزراء الجدد أداء اليمين الدستورية أمام الرئيس حتى يتمكنوا من تسلم مهامهم.

لكن سعيد قال إنه لن يقبل تأدية اليمين لأي شخص تعلقت به قضية أو يمكن أن يكون محل شبهات فساد، مضيفا “هذا ليس إجراء شكليا بل إجراء جوهريا”.

من جانبه، قال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، في كلمة أمام البرلمان خلال جلسة للتصويت على منح الثقة للتعديل الوزاري الواسع الذي أجراه، إنه “يجب إصلاح الخلل في الحكومة”، معتبرًا أن “تدارك الأزمة ممكن”.

وهناك يشار إلى أن الخلاف السياسي ليس وحده ما يربك الحكومة، فهناك ضغط أخر متمثل في الاحتجاجات التونسية التي بدأت تتوافد إلى الشارع،تزامنًا مع منح تصويت البرلمان الثقة للتعديل الحكومي، واحتجاجات أخرى منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، والتي تخللتها أعمال شغب واشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.

احتجاجات تونس

وعلى وقع الأزمات وتردي الأوضاع، اشتعلت الاحتجاجات في تونس وتفاقمت بعد وفاة أحد المتظاهرين بالأمس خلال مواجهات عنيفة مع الأجهزة الأمنية في بلدة سبيطلة، ليطلق موجة جديدة من الاحتجاجات المُنددة بتجاوزات الأمن.

كما تظاهر محتجون أمام مقر البرلمان بالعاصمة، اليوم، للمطالبة بسحب الثقة من رئيس مجلس النواب زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي، وهو ما دفع بالقوات الأمنية لتعزيز إجراءاتها الأمنية تحسبًا لأي مشاحنات.

وندد المحتجون بإيقاف قصّر ومدونين في الاحتجاجات التي عرفتها تونس مؤخرًا، مطالبين بالإفراج الفوري عنهم، كما حملوا النظام السياسي مسؤولية ما آلت إليه الأمور ومطالبين بحقوقهم في العمل والكرامة ومرددين عبارات ضد النهضة التي ورطت تونس وفق تعبيرهم في الإفلاس.

من جهته، قال الكاتب الصحافي التونسي كمال بن يونس، إن “التحاق بعض الأحزاب السياسية قد يعطي التظاهرات بعداً آخر”، لافتًا إلى أن “”هناك فرق بين التحركات ذات الصبغة السياسية المطلبية وبين أعمال التخريب والنهب”.

أما الكاتب والباحث في الشؤون السياسية بولبابة سالم قال “لم يتغير شيء في تونس بعد 10 سنوات من الثورة والحكومات عجزت عن تحقيق اصلاحات”، مضيفاً أن “الحراك الحالي قد يولد حركة تصحيحية اذا لم يركب موجته بعض الاطراف السياسية”.

ووفق سالم فإن “الأيام القادمة ستحدد التسمية التي بامكاننا اطلاقها على الحراك”، مضيفاً أن الشباب التونسي لم يعد يثق بالطبقة الحاكمة سواء كان الغنوشي أو غيره.

بينما رئيس تحرير جريدة الشعب يوسف الوسلاتي قال إنه “لا يمكن الحسم بأن التحركات الحالية يمكن ان تؤدي الى ثورة جديدة وتحدث تغييرا في النظام”، مشيرًاً إلى أن “الدعوة إلى اسقاط النظام لا تعني الشأن السياسي فقط إنما الاقتصادي والاجتماعي”.

يأتي هذا في وقت شهدت فيه مدن تونسية متعددة أعمال عنف ونهب على وقع تبادل للاتهامات بين أحزاب سياسية بشأن تأجيجِ الشارعِ لأغراضٍ سياسية.

أزمة نظام تلوح بالأفق

وفقا للأوساط السياسية في تونس، فإن انفجار الاحتجاجات يلفت الانتباه إلى المخاطر التي تهدد تونس سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وفي مقدمتها “أزمة النظام” التي تتطلب إعادة النظر في المشهد السياسي المربك بشأن الصلاحيات واهتزاز الثقة بين الرؤساء الثلاثة فأصبحوا أشبه بالجزر المعزولة، وباتت الرئاسة والحكومة في صراع مكتوم حول الصلاحيات.

من جهته، اعتبر رئيس حركة «تونس إلى الأمام»، عبيد البريكي، أن الديمقراطية التي تعيشها بلاده زائفة، ذلك أنها لم تتوصل إلى إشباع الجياع وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، حسب قوله.

ومن الناحية الاقتصادية والاجتماعية بحسي الأوساط السياسية، فإن الوضع الملتبس الذي ساهم بشكل رئيس في انفجار احتجاجات الغضب، والتي عبر عنه وزير الاقتصاد والمالية علي الكعلي، قوله إن:«الحالة الاقتصادية والمالية صعبة وصعبة جدا».

ومن هذه الرؤية طالب البرلمان التونسي، حكومة المشيشي، بـ«بحث حلول جذریة وعاجلة لآفة الفقر والبطالة التي أدت إلى احتقان الشباب في أغلب ولایات الجمھوریة، وفتح باب الحوار مع المحتجین والإنصات إلى صرختھم المدویة التي ھزت الشوارع والساحات في اللیل وفي النھار، والتي أرادوا من خلالھا التعبیر عن فقدانھم الأمل في المستقبل، وعن انعدام ثقتھم في الطبقة السیاسیة».

من جهة أخرى، حذرت قوى سياسية في تونس من ركوب الإخوان الأحداث والمتاجرة سياسيًا بحركة الاحتجاجات الشبابية الغاضب، لتفجير الأوضاع أمنيًا، ما يمهد للعب في هذا المناخ من جانب حركة النهضة «الإخوانية».

لكن يبدو أن السلطات الثلاث في تونس باتت تكتفي في تعاطيها مع حالة الاحتقان والغضب في الشارع التونسي بإبداء التفهم والوعود دون تقديم أي حلول عملية أو إقرار تحمل ولو جزء بسيط من مسؤولية تنامي الغضب، فالكل يلقي مسؤوليته على الأخر، أما الحلول والإجابات عن كيفية معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأولويات والإجراءات التي من شنأنها أن تمنح «الأمل» للتونسيين، فهي غائبة لدى الجميع.

ربما يعجبك أيضا