بين الصبر والإخضاع.. كيف ستتعامل إدارة بايدن مع التنين الصيني؟

كتبت – علياء عصام الدين

في ضوء التصاعد الاقتصادي والعسكري المضطرد للتنين الصيني، يبدو أن الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي جو بايدن لن يشغلها أكثر من الطريقة التي سيتم بها التعامل مع الدولة “الأعجوبة”.

تلك الدولة التي تعافت وبسرعة من عمق ركود اقتصادي عالمي بسبب أزمة كورونا على الرغم من كونها منبعا للوباء.

ويدور في أروقة الإدارة الجديدة حسب مايكل شومان مؤلف كتاب “قوة عظمى متقطعة: التاريخ الصيني للعالم” و “المعجزة: القصة الملحمية لبحث آسيا عن الثروة”  جدال حاد حول الإجراءات المرتقبة من واشنطن بشأن علاقتها  مع الصين بين العودة إلى سابق عهدها بغية التخفيف من التوترات من جانب أو انتهاج المزيد من الدبلوماسية، في الوقت الذي يخشى فيه كثيرون من تخلي أمريكا عن سياساتها المتشددة السنوات الماضية وتأثير ذلك على صعود الاقتصاد الصيني بسرعة الصاروخ.

وحسب مراقبين اقتصاديين ستكون الخطوات المقبلة لإدارة بايدن حاسمة بشكل كبير، لا سيما أن واشنطن لا تزال تكافح الوباء بهدف إنعاش اقتصادها في الوقت الذي تزداد فيه بكين قوة بعد زيادة ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.9% في الربع الثالث من العام الحالي الأمر الذي يثير قلق أمريكا في عالم يكافح من أجل الخروج من مستنقع  كورونا. 

في المقابل تقف الصين على أرض صلبة إذ أصبحت أكثر حزمًا من ذي قبل ولم يرف لها جفن بالرغم من الضغوطات الأمريكية عليها، وقد ظهر ذلك حسب ” بلومبيرج” من خلال تعزيز  نفوذها العالمية وسحقها للحركة المؤيدة  للديمقراطية في هونج كونج وصراعها مع الهند على طول الحدود المتنازع عليها.

الإخضاع  ولي الذراع

في عهد دونالد ترامب تصاعدت حدة التوترات بشكل كبير مع بكين حيث انتهجت إدارة ترامب سياسة الإخضاع،  واتخذت موقفًا متشددًا تجاه الصين، بلغ ذروته مع إعلان البلدين فرض رسوم جمركية متبادلة.

ويرى مراقبون أنه لا يمكن البدء بفكرة أنَّ الولايات المتحدة تستطيع “وقف” الصين، ولكن بمقدور واشنطن أن تبٌطئ الأمور، فقد أثبتت التجربة أن السياسة الصارمة تجاه الصين  فاشلة فهي لم تحقق نتائجها المأمولة.

وينظر الصينيون إلى النظام العالمي الغربي على أنَّه مفروض على شرق آسيا، لذلك من المرجَّح أن يؤكِّدوا قواعدهم الخاصة أكثر من اتباع القواعد الأمريكية.

ويعتقد الصينيون، بناءً على تاريخهم، أنَّ لهم الحق في أن يكونوا قوة عظمى، وأنَّ النهج الذي يهدف إلى “إخضاعهم”، سوف يولِّد صراعاً لا ينتهي دون جدوى، فكل الجهود التي بذلت لإجبار الصين على “التزام القواعد” – أو بالأحرى القواعد الأمريكية –  لم تجن ثمارها، بل أضرت بالمصالح الاقتصادية لكلا البلدين، الأمر الذي يجعل منها سياسات فارغة  “ميؤوس” منها وجب بطبيعة الحال استبدالها بأخرى أكثر حكمة وشمولية.

مزيد من الصبر

جاءت أولى السياسات المعلن عنها في إدارة بايدن تجاه بكين من خلال تصريح وزارة الخارجية الأمريكية، اليوم، إذ ينبغي على واشنطن محاسبة الصين على ممارساتها غير الشرعية وغير العادلة لاسيما  في ما أسمته أمريكا بـ”الأنشطة الخبيثة” .

ويثير استغلال شركات صينية  للبيانات والتكنولوجيات الأمريكية حفيظة  واشنطن فضلًا عن ما يتبع ذلك من تعزيز للقدرات العسكرية الصينية من جانب وملف حقوق الإنسان من جانب آخر.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية تنوي تغيير استراتجيتها في التعامل مع الصين في الفترة المقبلة فقد أكدت جين بساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض أمس، أن إدارة بايدن تعتزم التعامل مع بكين “بمنهج الصبر” في تلميح لاستراتيجية شاملة ومنهج أكثر تنظيمًا يتعامل مع العديد من القضايا بدلًا من النهج الجزئي الذي انتهجته واشنطن خلال السنوات الأخيرة حسب متحدث باسم الخارجية الأمريكية.  

ويرجح  الخبراء أن تكون إدارة جو بايدن أكثر عقلانية حيال الحرب التجارية مع الصين، مقارنة بترامب، لكنها ستظل مجبرة على الاستمرار في إعاقة طموح الصين بالحصول على لقب “أكبر اقتصاد بالعالم.”

إنّ الطريق الأفضل حسب ما يراه محللون هو إتاحة مساحة  دبلوماسية أكبر للصين في المناطق التي لا تضرّ فيها بالمصالح الأمريكية بشكل أساسي،  ولقد وقَّعت واشنطن في نمط من التنافس مع بكين في كل شيء، مما يجعل الصينيين يشعرون بمزيد من الكبت دون مبرر.

وإذا توقَّفت أمريكا عن معارضة مبادرات الصين في كل شاردة  وواردة، وأصبحت أكثر دعما لها في بعض الأحيان، فسوف يشعر الصينيون أنَّهم يحظون بالاحترام الذي يستحقونه.

رؤية مشوهة

يرى مايكل شومان أن السياسة الأمريكية تجاه الصين شابها الخطأ والتشويه حيث فصلت رؤية  الغرب للصين عن الحقيقة التي عليها فجاءت سياساتها لا تتطابق مع واقع التاريخ الصيني وبالتالي ساهم هذا التقييم الخاطئ  في خلق  خصم خطير للولايات المتحدة.

فقد أخطأ الغرب في فهم الصعود الصيني كقوة في إطار تجربته التاريخية هو وليس تجربة الصين نفسها الأمر الذي يخلق مزيدًا من السياسات الخاطئة للتعامل معها سياسات لا تتطابق مع التاريخ العميق الذي شكل الصين التي نعرفها اليوم.

ويضيف شومان في معرض تحليله أن السبيل لاتخاذ سياسات حقيقية ناجعة يتأتى في رؤية الصين كما يراها الصينيون أنفسهم لا كما يراها الغربيون، بالتالي تصبح بلدًا تتطلب مجموعة مختلفة من السياسات للتعامل معها، وبدون هذه الرؤية الجديدة سيظل صانعوا السياسات في أمريكا يكافحون للتسابق مع الصين وتحديها المتزايد للحفاظ على السيطرة الأمريكية على العالم.

ويضرب شومان الباحث في الشؤون الآسيوية مثال بمصطلح “السوق الناشئة” حيث يرى أنه مصطلح غير دقيق بالمرة،  فالفقر الصيني هو مجرد انحراف عارض حديث لبلد كان واحدًا من أكبر اقتصادات العالم على مدار الفي عام مضت بالتالي يكون الحديث عن ازدهار الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم هو عودة لوضعها الطبيعي وليس مثارًا للذهول أو الاستغراب.

فالحديث عن “النهضة الصينية” كما لو كانت أمرًا فريدًا من نوعه حديث خاطئ  والطريقة الأكثر نضجًا في تقييم صعود البلاد تأتي بالنظر إليها على أساس عودة “لاستعادة” المكانة الطبيعية والذي من شأنه أن يفرض تحوُّلاً في كيفية منافسة الغرب لها، ففي الوقت الذي يناقش فيه المتخصصون كيفية جعل بكين قادرة على الانخراط  في النظام الاقتصادي العالمي وجعلها أكثر ملائمة  لذلك يتجاهلون أن الصين ذاتها لن تكتفي بكونها مجرد ترس في الآلة الغربية  لا سيما أنها لا تزال متمترسة في نظامها العالمي الخاص بها الذي تحكمه ممارسات خاصة تعود جذورها إلى أكثر من 2000 عام.

بين نارين

مما لا شك فيه أن إدارة بايدن الجديدة ستجد نفسها بين نارين في قضية التعامل مع الصين سواء على المستوى السياسي والعسكري أو على مستوى التنافس الاقتصادي، فالثقل الاقتصادي العالمي لبكين قد يفرض على بايدن اتخاذ موقف صارم تجاهها.

ومن شأن الممارسات السياسية الصينية أن تعكس دفة المسار الأمريكي المرتقب،  فعلى الرغم من أهداف بايدن وإدارته الجديدة التي قد تبدو أكثر حكمة ورغبة في تحسين العلاقات مع بكين والصبر عليها، فعلى الأرجح لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه القمع الصيني فيما يتعلق بهونج كونج، كما أن التطور العسكري المتضطرد للصين واستمرار التهديد الصيني لصدارة واشنطن  يثير حفيظة الأخيرة، ومن شأن ذلك أن يٌفسد كل الخطط الأمريكية  لانتهاج سياسات “ناعمة” مع بكين.

ويبقى السؤال هل يسعف الوقت بايدن لإيقاف صعود التنين الصيني؟

وتظل السياسة الأمريكية المقبلة لإدارة بايدن رهينة الأحداث، لكنها أبدًا لن تخرج عن حيز العقلانية السياسية والوسطية التي أطاح بها ترامب في الماضي.

ربما يعجبك أيضا