مساءلة ترامب.. هل يفتح الدستور الأمريكي الباب لمحاكمة الرئيس السابق؟

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في أول إجراء من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة يرمي لعزل رئيس سابق، تسلّم مجلس الشيوخ الأمريكي رسميا القرار الاتّهامي الذي أصدره مجلس النواب بحقّ الرئيس السابق دونالد ترامب لمحاكمته برلمانياً بتهمة التحريض على اقتحام الكابيتول، ليكون بذلك أول رئيس في التاريخ يتم تفعيل إجراءات العزل ضده مرتين.

مساءلة ترامب

في موكب سار وسط صمت مهيب من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، حمل النواب التسعة “مدّعين عامّين” في المحاكمة المرتقبة للرئيس السابق، والذين قامت بتعيينهم نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، القرار الاتهامي مخترقين نفس الردهات المزينة باللوحات والتماثيل والتي اجتاحها أنصار ترامب في 6 يناير.

بدأ العد التنازلي لمحاكمة ترامب، حيث أعلن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أن محاكمة ترامب ستبدأ في الثامن من فبراير المقبل، مؤكدا أن المحاكمة “ستكون محاكمة كاملة وستكون عادلة”، لكنها ستسير بوتيرة أسرع نسبيا لعدم وجود وقت أكثر من اللازم حسب وصفه.

وعلى الرغم من اعتراض كثير من الجمهوريين على محاكمة ترامب بعد مغادرته منصبه لكون ذلك غير دستوري وسيؤجج الانقاسامات الحزبية، إلا أن هناك جمهوريون آخرون يؤكدون دستورية محاسبته بعد عزله، ومنهم السيناتور البارز ميت رومني، إذ كشف إن محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ دستورية.

وسند روني في حجته على أن ترامب متورط في دعم أعمال الشغب داخل الكابيتول وهي جريمة تستوجب عزله ومحاسبته حتى وإن انتهت ولايته.

وجاء تحرك مجلس الشيوخ بعد أن صوت معظم أعضاء مجلس النواب الأمريكي يوم 13 يناير 2021، من بينهم 10 مشرعين جمهوريين، لصالح إقرار تشريع ينص على مساءلة ترامب، بتهمة التحريض على التمرد، ما يجعل ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه المساءلة مرتين.

التحريض على التمرد

كانت تصرفات الرئيس السابق دونالد ترامب قبل أعمال الشغب التي وقعت في 6 يناير، هي جوهر القضية، حيث طلب من المتظاهرين بالقرب من البيت الأبيض أن يُسمعِوا أصواتهم بشكل “سلمي ووطني” بينما كانوا يستعدون للسير نحو مبنى الكابيتول الأمريكي، كما حثهم على “القتال بشراسة”.

وتحولت المظاهرة إلى أعمال شغب عندما اقتحمت مجموعة من المتظاهرين طريقها إلى مجمع الكونجرس حيث كان المشرعون يصدقون على فوز بايدن في الانتخابات، مما أسفرت عن مقتل أربعة متظاهرين وضابط شرطة في الكابيتول.

وستكون محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ هي الوحيدة، في التاريخ الأمريكي، التي تُجرى بعد أن ترك رئيس منصبه.

وذكر السيناتور الجمهوري، ليندسي جراهام، في تصريحات سابقة، أن الرئيس السابق بدأ يشكل فريق من المحامين للرد على الاتهامات الموجهة من الكونجرس، وحول السؤال عن حالة ترامب المزاجية بعد مساءلته من قبل الكونجرس للمرة الثانية، قال جراهام “حسنًا، أعتقد أنه يرغب في تجاوز الأمر”، وأنه لن يحضر الإجراءات، مؤكدا مرة أخرى على الرغبة في محاكمة سريعة.

آلية المحاكمة

وعن آلية محاكمة ترامب وحرمانه من آي منصب سياسي مستقبلي، سيحتاج مجلس الشيوخ إلى 67 صوتا لإدانة ترامب، آي أنه إذا أيد جميع الديمقراطيين الإدانة فسيحتاجون إلى 17 جمهوريا للانضمام إليهم لكن هناك مؤشرات متصاعدة تشير إلى أن الجمهوريين لن يسمحوا بتمرير هذا القرار.

وحال توجيه الإدانة إلى ترامب قد يمنع من الترشح للرئاسة مرة أخرى، كما سيحرم من الامتيازات التي يحصل عليها بصفته رئيسا سابقا.

وهناك ورقة أخرى رابحة يلعب بها الديمقراطيون، وهي محاولة عددا من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تفعيل المادة الرابعة عشر من الدستور والتي يمنع بمقتضاها آي مسؤول او مشرع من الترشح لآ منصب في حال اشترك في تمرد أو عصيان ضد الولايات المتحدة أو قدم عونا أو مساعدة لأعدائها.

والهدف من ذلك كله منع ترامب من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة وحرمانه من آي منصب فيدرالي في الولايات المتحدة.

ولم يستبعد زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، التصويت لصالح إدانة الرئيس السابق، إلا أنه لا يعتزم الضغط على الجمهوريين بشكل علني، وقال السناتور الجمهوري ماركو روبيو “إنها محاكمة غبية”، محذرا من أن النيران مشتعلة حاليا في البلاد والأمر أشبه بصب الزيت على النار، بحسب “فوكس نيوز”.

ويأمل البعض حتى بعرقلة بدء المحاكمة، معتبرين أن محاكمة رئيس سابق أمر غير دستوري،  ورد زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أن هذه الحجة “سخيفة” لأن هذه “النظرية تعود إلى إعطاء تذكرة تبرئة دستورية لأي رئيس يرتكب جرما يستوجب العزل”.

بايدن يعلق

وبشأن إجراءات مساءلة الرئيس السابق دونالد ترامب، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليقات مستفيضة، قائلا: “أن المحاكمة يجب أن تحدث”، مشيرا إلى أنه سيكون هناك “تأثير أسوأ إذا لم تحدث”.

وقال بايدن، إنه يعتقد أن النتيجة ستكون مختلفة لو كان أمامه ستة أشهر في فترة ولايته، لكنه أشار إلى أنه لا يعتقد أن 17 نائبًا جمهوريًا سيصوتون لإدانة ترامب، وفقا لـ”سي إن إن”.

تحذيرات وتهديدات بالقتل

حذر السيناتور الأمريكي الجمهوري، جون كورنين، من تداعيات محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب في المجلس للمرة الثانية، وكتب في تغريدة على حسابه في “تويتر”، موجهة لزعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ تشاك شومر، “إن مساءلة ترامب قد تُفضي إلى محاكمة رؤساء ديمقراطيين سابقين، إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على المجلس بعد عامين”.

وقال مسؤولين أمريكيين، أن مسؤولي إنفاذ القانون الفيدراليين يحققون، في عدد من التهديدات الموجهة لأعضاء الكونجرس مع اقتراب المساءلة الثانية للرئيس السابق دونالد ترامب، بما في ذلك التهديد بقتل النواب أو مهاجمتهم خارج مبنى الكونجرس الأمريكي، بحسب صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية.

ولفتت الصحيفة إلى إن التهديدات والمخاوف من احتمال عودة المتظاهرين المسلحين لاقتحام مبنى الكونجرس من جديد، دفعت الشرطةوغيرها من أجهزة إنفاذ القانون الفيدرالية إلى الإصرار على تواجد الآلاف من قوات الحرس الوطني في واشنطن، مع تقدم مجلس الشيوخ الأمريكي في خطط مساءلة ترامب.

وأشارت الصحيفة إلى إنه على الرغم من مرور حفل تنصيب بايدن بدون أي مشاكل أو احتجاجات مسلحة في جميع أنحاء البلاد، تشير التهديدات الموجهة للمشرعين قبل محاكمة ترامب إلى استمرارية احتمال الخطر.

وفي فبراير 2020 نجى ترامب من محاولة عزله، عندما تحركت ضده اتهام من قبل مجلس النواب، باستغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس، لكن مجلس الشيوخ برأه، واتهم مجلس النواب وقتها ترامب، بالضغط على الرئيس الأوكراني من أجل تشويه سمعة جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.

وهذه هي المرة الرابعة التي يفعل فيها إجراءات العزل ضد رئيس أمريكي، الأولى كان مع الرئيس الأمريكي أندرو جونسون في عام 1868، والمرة الثانية كانت في 1998 ضد الرئيس بيل كلينتون، والمرة الثالثة كانت ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، في العام الماضي.

لكن لم يسبق أن أدان مجلس الشيوخ أي من الرؤساء السابقين، ولم يتم عزل أي رئيس أمريكي بشكل فعلى من قبل الكونجرس.

ربما يعجبك أيضا