بينما يتحضر الاحتلال للأسوأ.. الاتفاق النووي يراوح مكانه بين الغرب وطهران

حسام السبكي

حسام السبكي

تحد آخر، تواجهه الإدارة الأمريكية الجديدة، والذي يسعى رئيسها جو بايدن، لتغيير جلدها جذريًا، عن ممارسات الإدارة السابقة، بينما يواجه في الوقت ذاته، تردد وانتقادات داخلية، فضلًا عن اعتراض دولي، وعلى الأخص من جانب الاحتلال الإسرائيلي، الذي أبرزه تخوفه، من العودة إلى اتفاق، لم تحترمه إيران من البداية، حتى يسارع الغرب، وفي مقدمته واشنطن، للعودة إليه، إيفاءً بوعودٍ انتخابية، أو رغبة في تحسين “الصورة العدائية”، للولايات المتحدة عالميًا، إبان حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب.

بايدن.. وتحدي الاتفاق النووي

الاتفاق النووي تحد جديد لإدارة بايدن

من جديد، يعود إلى الواجهة، ملف الاتفاق النووي الإيراني، المبرم في يونيو 2015، قبل أن تقرر إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب الانسحاب منه في مايو 2018، في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الجديدة، ومع أيامها الأولى داخل البيت الأبيض، إلى “تلميع” وجه أمريكا، وانفتاحها “إيجابيًا” على العالم.

ففي اليوم التالي لدخول بايدن البيت الأبيض، قالت متحدثة باسمه إنه سيتحدث مع عدد من قادة العالم وحلفاء الولايات المتحدة بشأن الملف النووي الإيراني.

وبالفعل، أجرى بايدن اتصالا مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأحد الماضي – حيث تعد فرنسا إحدى الدول الموقعة على الاتفاق النووي بمشاركة وزير خارجيتها السابق لوران فابيوس، واتفق الرجلان على التعاون في ملف إيران.

وعلى ما يبدو، فإدارة بايدن جادة، على الأقل في فتح حوار دولي، بشأن الاتفاق النووي، إلى الحد الذي أولاه أولى اهتماماته، حيث تحدث مسؤول حكومي في العاصمة الأمريكية واشنطن، أول أمس الإثنين، إن إدارة الرئيس جو بايدن ستطلق مبادرة عبر وسطاء أوروبيين لفتح حوار مباشر مع طهران، وفقًا لـ”سكاي نيوز عربية”.

ولفت إلى أن هذه الخطوات ستترافق مع اتصالات بحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وتحديدا مع دول خليجية وإسرائيل.

وقال أنتوني بلينكن، الذي صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، قبل ساعات، على تعيينه وزيرًا جديدًا للخارجية الأمريكية، إن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتضمن الصواريخ الباليستية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار.

وقال خلال جلسة استماع في الكونجرس الأميركي من أجل تثبيت تعيينه في المنصب إنه لا يجب السماح لإيران بالحصول على السلاح النووي، متعهدا بالعودة إلى الاتفاق في حال التزمت بإيران بالبنود الجديدة.

واعتبر قائد القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي الجنرال كينيث ماكينزي، أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران دخلت “مرحلة الفرصة”، بعد أن أصبح جو بايدن رئيسا، وذلك إثر أشهر من التوتر.

في المقابل، رأت مجلة ناشونال إنترست (The National Interest) الأمريكية إن ضعف احتمال فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال انتخابات يونيو/حزيران المقبل سيفتح الباب أمام إمكانية فوز مرشح “متشدد” مقرب من الحرس الثوري، وهو ما سيعقد خطط الرئيس جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع طهران.

وأكدت المجلة -في تقرير للمسؤول السابق في البنتاجون دوف زاخييم- أن عودة واشنطن للاتفاق الذي انسحبت منه، ستكون مسألة “مختلفة تماما”.

فمن المرجح أنه مع وصول قيادة متشددة للسلطة بإيران التي أثبتت فعليا قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% -مما يتيح لها نظريا قدرة تصنيع سلاح نووي في غضون ستة أشهر- ألا يكون لدى طهران حافز كبير للتقيد بالاتفاق لمجرد أن واشنطن غيرت موقفها.

كما أن القيادة الإيرانية أثبتت مع مرور السنوات أنها عصية على الاستسلام، حتى في ظل ضغط عقوبات مشددة أثرت سلبا على مقومات البلاد الاقتصادية.

يضاف إلى ذلك أن الحرس الثوري يعطي الأولوية لما يعتبره “مسألة أمن قومي” على الاعتبارات الأخرى ذات الصبغة الاقتصادية، ويسيطر بقوة على دواليب الاقتصاد مما يجعل تأثر ومعاناة أعضائه من آثار العقوبات نسبية ومحدودة مقارنة بباقي الإيرانيين.

لهذه الأسباب تؤكد المجلة الأمريكية، أنه من المرجح أن يتمسك النظام الإيراني ببنود تكون “مناسبة” له على الأقل كتلك التي تفاوض بشأنها عام 2015، وهي عدم الإشارة للقضايا الإقليمية ولبرنامجه للصواريخ الباليستية، وألا تكون شروط انقضاء الاتفاقية أكثر تكلفة من تلك الموجودة بالاتفاقية الأصلية.

تبجح إيراني

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف

على الجانب الآخر، تبدي إيران، حالة أشبه بـ”التبجح” الدبلوماسي، والذي يرقى إلى “الغطرسة” إن جاز التعبير، بشأن العودة “المشروطة” للاتفاق النووي، الذي يؤمن لها تخفيف غير مسبوق من جحيم العقوبات الدولية.

في هذا السياق، قال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني: لماذا على إيران إظهار حسن النية أولا بينما الولايات المتحدة الأمريكية هي من خرقت الاتفاق النووي بلا سبب، وفقا لمصادر إعلامية.

وواصلت إيران، إطلاق الرسائل المتباينة، حيث صرح وزير خارجيتها أيضًا، في وقتٍ سابق، بأن ملف الصواريخ ونشاط إيران في المنطقة لم ولن تكون جزءا من أي اتفاق نووي.

وفي وقت لاحق، قال مسؤول دبلوماسي إيراني كبير إن بلاده غير متهمة حاليا بإجراء محادثات مع الولايات المتحدة.

لكن نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، قال: إن بلاده في “الأيام الأخيرة من العقوبات.. أرى أيامًا سعيدة في الأسابيع والأشهر المقبلة للبلاد”.

وتظهر هذه التصريحات تصلبا في جانب ومرونة كبيرة من جانب آخر إزاء الولايات المتحدة.

وبعيدًا عن التصريحات المتباينة، فقد هددت إيران تهدد بمنع وكالة الطاقة الذرية من التفتيش المفاجئ لمواقعها النووية.

وفي محاولة لاستخدام سياسة «حافة الهاوية»، قال علي ربيعي؛ المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، إن أولى الخطوات لتقييد عمليات التفتيش المرتبطة بالبروتوكول الإضافي ستبدأ في الأسبوع الأول من شهر «إسفند» في التقويم الفارسي الذي يبدأ يوم 19 فبراير (شباط).

وأضاف ربيعي في مؤتمر صحفي نقله التلفزيون: «قانوننا واضح جداً في ما يتعلق بهذا الأمر… لكنه لا يعني أن إيران ستوقف أعمال تفتيش أخرى تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

نصيحة فرنسية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني حسن روحاني

في سياق الجهود الدولية، من أجل إحداث تقدم إيجابي، على صعيد الاتفاق النووي بين الغرب والإيرانيين، قالت الرئاسة الفرنسية، الثلاثاء، إن على إيران التوقف عن “أي استفزاز والعودة إلى احترام التزاماتها”، في إطار الاتفاق النووي المبرم في 2015، “إن أرادت عودة الولايات المتحدة إليه“.

وأوضح مستشار في قصر الإليزيه، أنه في حال كانت إيران “جدية بشأن المفاوضات، وإن أرادت التزام جميع الأطراف المعنية بالاتفاق، فيجب أن تمتنع أولا عن أي استفزازات أخرى”.

كما شدد على أنه ينبغي على طهران أن “تحترم ما توقفت عن احترامه، أي التزاماتها”، وفق ما ذكرت «وكالة الأنباء الفرنسية».

مخاوف إسرائيلية.. والإعداد للأسوأ

أفيف كوخافي رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي 1

وفي إطار الأحاديث المتداولة، حول عودة محتلمة للاتفاق النووي، أبدت قيادات الاحتلال الإسرائيلي، استيائها وتخوفها في الوقت ذاته، من إجراء بهذا الحجم، مستندة على “النوايا السيئة” لطهران، والتي تنطوي على “خطر وجودي” على كيان الاحتلال في المنطقة.

وقال قال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيف كوخافي، إن جيش بلاده يجدد خطط العمليات المرسومة لمواجهة إيران وإن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015 ستكون “خطوة خاطئة”.

وبدا أن تلك التصريحات هي رسالة للرئيس الأمريكي جو بايدن مفادها أن يتوخى الحذر في أي تواصل دبلوماسي مع إيران، وصدور مثل تلك التصريحات عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بشأن صنع سياسة أميركية أمر نادر ومن المرجح أنها تمت بعد موافقة من الحكومة الإسرائيلية.

وأشار اللفتنانت جنرال كوخافي في خطاب أمام معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب “العودة للاتفاق النووي الموقع في 2015 حتى وإن كان اتفاقا مماثلا بعد العديد من التحسينات أمر سيء وخاطئ من وجهة نظر عملياتية واستراتيجية”.

وأوضح كوخافي إن تلك الخطوات التي اتخذتها إيران تظهر أن بمقدورها في النهاية اتخاذ قرار بالمضي قدما وبسرعة صوب تصنيع أسلحة نووية. وتنفي طهران السعي لامتلاك أسلحة نووية.

وتابع كوخافي قائلا “في ضوء هذا التحليل الأساسي، وجهت قوات الدفاع الإسرائيلية لإعداد مجموعة من الخطط العملياتية إضافة لما لدينا بالفعل“.

وأضاف “اتخاذ قرار بشأن التنفيذ سيعود بالطبع للقيادة السياسية لكن تلك الخطط يجب أن تكون على الطاولة”.

ربما يعجبك أيضا