وسط رياح كورونا.. موجات الإفلاس تهز عرش الشركات الأمريكية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

رياح كورونا التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تكلف الناتج الأجمالي العالمي خلال الفترة ما بين 2020 إلى 2025 نحو 22 تريليون دولار، دفعت العديد من الشركات حول العالم إلى دائرة الإفلاس، بل أن بعض الشركات قامت بغلق أبوابها نهائيا تحت وطأة عمليات الإغلاق وقيود السفر وتوقف حركة النشاط الاقتصادي ككل.

بالطبع شهدت السوق الأمريكية العام الماضي أكبر عدد من حالات إفلاس الشركات، والأمر ليس مفاجأة، فالاقتصاد الأمريكي تأثر بشكل غير مسبوق جراء الوباء وسجل في 2020 أسوأ انكماش له منذ أكثر من عقد، وأنهى العام بانكماش يزيد عن 4%، ناهيك عن أن الشركات الأمريكية أغلبها – من قبل الجائحة- لديها ديون “ثقيلة”، تقدر بأكثر من 10 تريليونات دولار.

أحدث هذه الشركات، شركة “سيسيز هولدنجز” التي تقدمت أمس الثلاثاء، بطلب للإفلاس أمام محكمة في تكساس، وطالبت بتفعيل الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس، لتواصل عملها في الوقت الذي تسعى فيه لوضع خطة لسداد ديونها.

وأوضحت الشركة الأمريكية التي تدير سلسلة مطاعم شهيرة لـ”البيتزا”، أن مبيعاتها تضررت من تدابير الإغلاق بشكل كبير، حيث كان تناول الطعام في داخل مطاعمها – الشركة لديها 11 مطعما داخل الولايات المتحدة وتمنح امتياز تشغيل لـ307 مطاعم ببلدان أخرى-  يشكل أكثر من 85% من إجمالي المبيعات.

ووفق الطلب المقدم إلى المحكمة، “سيسيز” تمتك أصولاً بنحو 50 مليون دولار، في حين تتجاوز التزاماتها المالية الـ 100 مليون دولار.

الشركات الأمريكية تلجأ إلى الفصل الحادي عشر

الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي، يمنح “المدين” وقتا يتراوح بين 12 إلى 18 شهرا لإعادة هيكلة ديونه بعيدا عن ضغوط الدائنين، بمعنى أنه يمنح الشركة وقتا لتقديم خطة لسداد ديونها وفي حال فشلت في الحصول على موافقة الدائنيين على الخطة سيكون دورهم لتقديم خطتهم لإعادة هيكلة الديون أو تسييل أصول الشركة من أجل السداد.

وتلجأ الشركات إلى طلب تفعيل الفصل الحادي عشر بعد أن تكون استنفدت مزيجا من العلاجات المعتادة في حالات الإعسار المالي كبيع الأصول أو غلق بعض الفروع أو تسريح العمالة أو خفض الميزانيات أو إعادة هيكلة الديون.

خلال النصف الأول من العام الماضي قدمت نحو 3427 شركة أمريكية طلبات لتفعيل الفصل الحادي عشر، في أكبر عدد من طلبات الإفلاس منذ الأزمة المالية عندما تقدمت 3491 شركة للحماية من الدائنين، ووفق تقرير لـ”بلومبرج” تراجع هذا العدد بنهاية العام إلى 244 شركة كانت ما تزال تحت وصاية الفصل الـ11، وجاءت شركات الطاقة والتجزئة والخدمات الاستهلاكية والقطاع العقاري في مقدمة هذه الشركات.

وشهد قطاع التجزئة تحديدا أسوأ موجة إفلاس منذ 2008، فسقطت علامات كبرى تحت وصاية الفصل الحادي عشر مثل “جي سي بيني” وهي سلسلة متاجر كبرى لديها أكثر من 800 فرع في 49 ولاية، و”نيمان ماركوس” التاريخية و” Stein Mart” و”بروكس براذرز”، و” ASCENA” للملابس النسائية.

وفي قطاع الطاقة أعلنت نحو 47 شركة في 2020 إفلاسها مع التزامات مالية تزيد عن 50 مليون دولار، كما طالت الموجة شركات الرعاية الصحية حيث سعت 22 شركة كبرى إلى تفعيل الفصل الـ11.

في مارس من العام الماضي بلغ إجمالي قروض الشركات المتعثرة والسندات نحو 935 مليار دولار، وبحلول ديسمبر انخفض هذا الرقم إلى نحو 149 مليار دولار، مع نجاح عدد كبير من الشركات في الخروج من وصاية الفصل الـ11 وتخفيف متاعبها مع الدائنين سواء بإعادة الهيلكة أو ببيع حصص من الأسهم.

من بين هذه الشركات سلسلة “نيمان ماركوس” التي كانت أول بائع تجزئة يتقدم بطلب إفلاس العام الماضي تحديدا في 7 مايو، لكنها تمكنت من الخروج من الفصل 11 في سبتمبر الماضي، وعادت إلى الربحية مع خطة لإعادة هيكلة ديون بأكثر من 4 مليارات دولار من إجمالي التزامات مالية بنحو 6.8 مليار دولار.

موجة الإفلاس الثانية

مع تحسن المعنويات في منتصف العام الماضي بفعل تخفيف قيود كورونا داخل وخارج الولايات المتحدة، تحسنت أسواق الائتمان وأعمال بعض الشركات، ما أخرج عدد كبير منها من دائرة الإفلاس، لكن الخبراء – بحسب ما ذكرته “بلومبرج” مطلع الأسبوع الجاري- يتوقعون موجة ثانية من طلبات الإفلاس قد تبدأ في الربع الثاني من2021، خاصة مع عودة إجراءت الإغلاق للحد من انتشار كورونا الذي تمكن حتى اللحظة من إصابة أكثر من 25 مليون أمريكي.

تقول “بلومبرج” إن شركات الطاقة والبيع بالتجزئة وشركات السفر والسياحة والترفيه ستظل معرضة للخطر – حتى بعد الحملة الوطنية للتطعيم ضد كورونا- وستشهد هذه القطاعات تحديدا مزيدا من طلبات الإفلاس هذا العام.

منذ بداية يناير الجاري تقدمت نحو 11 شركة أمريكية لديها ديون بأكثر من 50 مليون دولار، بطلبات للإفلاس، مقارنة بـ20 شركة في يناير 2020، من بينها Eagle Hospitality، و Alpha Media وسيسيز.

ويتوقع جورج كليدوناس الشريك من شركة “لاثام آند واتكينز” للمحاماة، أن تشهد السوق الأمريكية هذا العام موجات إفلاس صغيرة نسبيا مقارنة مع أرقام 2020، لافتا إلى أن هذه الموجات ستتركز في قطاعات البيع بالتجزئة والنفط والغاز والاستثمار العقاري.

جوليا تشورسين من وكالة “موديز” ترى أن خروج الشركات الأمريكية من دائرة الإفلاس مرهون بتحسن معنويات السوق، وقدرتها على إعادة تمويل ديونها.

حتى اللحظة تتمتع الأسواق الأمريكية بجرعة من التفاؤل المزدوج بفعل بدء توزيع لقاح كورونا ووصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض يضع التعافي الاقتصادي والتعامل مع تداعيات الجائحة في مقدمة أولوياته، ويبشر بحزمة تحفيز بنحو 1.9 تريليون دولار لدعم الأسر والشركات والولايات المتضررة، ومع ذلك فالأسوأ بالنسبة للشركات الأمريكية لم ينتهِ بعد فهي حتى وإن تمكنت من الإفلات من براثن الإفلاس فسيكون أمامها مهمة أصعب – حتى تعود إلى الربحية- هي التعامل مع المشاكل الناجمة عن إعادة هيكلة ديونها الضخمة، والتغيرات في عادات عملائها نتيجة للجائحة، ما سيتطلب حلولا مبتكرة وقد تكون مؤلمة في بعض الحالات.

Untitled754 1
Untitled784

ربما يعجبك أيضا