حزب البديل من أجل ألمانيا.. هل باتت نهايته قريبة؟ ‎

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

بات مرجحاً أن يخضع حزب البديل من أجل ألمانيا AFD للمراقبة الأمنية من قبل الاستخبارات الداخلية الألمانية، وبخطوة استباقية أعلن الحزب رفضه لهذا الإجراء المحتمل باعتباره يقوض حقه في تكافؤ الفرص مع بقية الأحزاب السياسية الأخرى، وفقا لتقرير الـ DW الألمانية يوم أمس 26 يناير.

ومن المحتمل جدا مثول ماسن الرئيس السابق للاستخبارات الداخلية، كشاهد خلال القضية، الذي أُجبر على ترك هيئة حماية الدستور في 2018، بعد أن شكك في صحة مقطع فيديو يُظهر متظاهرين من اليمين المتطرف يطاردون مهاجرين.

ولم يقرر بعد مكتب حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية” اتخاذ هذا الإجراء من عدمه، وإذا نجحت الاستخبارات الألمانية بوضع حزب البديل وتخطي العقبات القانونية سيكون ذلك وصمة عار سياسية في ألمانيا، لأنه يخصص عادة للمجموعات الصغيرة المتطرفة جدا والتي تعتبر خطيرة.

من جانب آخر، تدرس حكومة ميركل عن كثب تقريرا يقع في ألف صفحة لأجهزة الاستخبارات للتأكد من أن مثل هذه الخطوة ستكون قانونية.

إذاً يمكن القول بأن قرار الحكومة قد تم اتخاذه، طالما أن المستشارة ميركل، تدرس أو تراجع التقرير المقدم لها، فقط للتأكد من تجنب العوائق القانونية، والمقصود هنا المحكمة الدستورية العليا.

التطورات جاءت سريعة في ألمانيا، لتنصب على رأس هانس ماسن، فشبح اتهامات ميوله اليمينية أو تعاطفه مع اليمين المتطرف خلال مسؤوليته كرئيس للاستخبارات الداخلية، ما زال يطارده، وما يثير الشبهات، أنه التحق بمكتب محاماة لحزب البديل، بعد ترك منصبه عام 2018 .

وضع حزب “البديل من أجل ألمانيا” تحت المراقبة في براندنبورغ

وسبق أن قررت هيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية” في ولاية براندنبورغ الألمانية وضع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي تحت المراقبة في نطاق الولاية، خلال شهر يونيو 2020.

وهذا ما يشجع الحكومة الفيدرالية أو بقية الولايات الألمانية لاتخاذ نفس الخطوة، وبحسب حكومة الولاية فقد تم إبلاغ لجنة الرقابة البرلمانية في برلمان ولاية براندنبورغ بالفعل بالقرار.

تأتي هذه الخطوة عقب إقصاء السياسي البارز في ولاية براندنبورغ، أندرياس كالبيتس، من عضوية الحزب بأغلبية ضئيلة من أصوات هيئة رئاسة الحزب على المستوى الاتحادي، وذلك على خلفية نشاطه “اليميني المتطرف” في تسعينيات القرن الماضي وأنه عمل طوال سنوات على إخفاء علاقاته بالتنظيمات اليمينية المتطرفة.

ظاهرة “الرشى المغطاة” والفساد المالي في ألمانيا

هنا تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة التحاق مسؤولين ألمان كبار بمؤسسات قطاع خاص، مرتبطة بقوى أو أطراف سياسية دولية وإقليمية ومحلية، أصبحت دارجة جدا، لكن هذه الأعمال ممكن وصفها بأنها عمايات “رشى” مغطاة، فسبق أن ألتحق زيغماير غابريل، نائب المستشارة ورئيس الحزب الاشتراكي سابقا بوظيفة في أحد بنوك ألمانيا المرتبطة بدولة متهمة بدعم الإرهاب ، والذي كان يروج لها كثيرا خلال مسؤوليته في السلطة، وغيره من كبار المسؤولين الألمان في الحكومة.

وأعلن مكتب محاماة في مدينة كولونيا الألمانية يمثل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي في دعوى قضائية ضد هيئة حماية الدستور أن الرئيس الأسبق للهيئة هانس غيورغ ماسن أنهى عمله في مكتب المحاماة “هوكر” في مدينة كولونيا الألمانية.

كتلة “الجناح” داخل “حزب البديل”

قال توماس هالدنفانغ رئيس الهيئة الاتحادية لحماية الدستور لصحيفة “تاغسشبيغل” الألمانية في عددها الصادر في 11 أكتوبر 2020 إنّ “الهيئة الاتحادية لحماية الدستور تدرك أن كثيرا من أنصار الجناح اليميني المتطرف يكافحون لأجل تحقيق مزيد من التأثير في الحزب، على الرغم من أن “الجناح” أعلن حلّه ذاتيا”.

وكان “الجناح” اليميني بقيادته، قد أعلن حلّ نفسه في نهاية أبريل الماضي بعد ضغوط من القيادة الاتحادية للحزب/ بينما كان كالبيتس يشغل أيضا منصب الرئيس السابق للحزب.

ولقد وجد اليمين الشعبوي الألماني نفسه في موقف دفاعي عقب الهجومين العنصريين في هاناو، إذ يُتهم بتشجيعهما من خلال خطابه المعادي للاجئين، ويطالب البعض بإخضاعه للمراقبة الأمنية.

 وقال رئيس البوندستاغ “البرلمان” فولفغانغ شويبله في حوار مع صحيفة هاندلسبلات الألمانية نشر في 22 فبراير 2020 : “نعلم منذ وقت طويل أن الخطابات يمكن أن تتبعها أفعال، ولا يمكن لنواب الشعب التنصل من هذه المسؤولية”.

وأضاف شويبله، العضو في حزب المستشارة أنغيلا ميركل المحافظ: “المشكلة أن حزب البديل من أجل ألمانيا لا يعرف حدوداً”، ونعت زعيم الجناح الأكثر تشدداً داخله بيورن هوك بأنه “فاشيّ”.

ردود الأفعال الداخلية

وفي باب ردود الأفعال الداخلية، اعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، شريك المحافظين في السلطة، لارس كلينغبيل، أن حزب البديل من أجل ألمانيا يمثل “ذراعاً سياسية” للعناصر الأكثر تشدداً في الحركة اليمينية القومية ومن يتبنى أطروحاتها، على غرار منفذ هجومي هاناو اللذين أوقعا تسعة  قتلى.

وقدّر الخبير السياسي كارستن كوشمايدر في ظهور تلفزيوني أن “الأمر لا يتعلق بمسؤولية جنائية، لكن من الواضح أن ما يقوله حزب البديل من أجل ألمانيا وبعض قيادييه يساهم في مثل هذه الأفعال”.

استشعار خطر اليمين المتطرف

يبدو أن الحكومة الألمانية بالفعل استشعرت مخاطر اليمين المتطرف في ألمانيا، بعد أن كشفت التحقيقات خروقات كبيرة في مؤسسات الأمن والدفاع، واستهدافه الطبقة السياسية الألمانية مباشرة، مثل تنفيذ، عمليات اغتيالات ضدهم.

كشفت الهيئة الاتحادية لحماية الدستور في ألمانيا لوكالة الأنباء الألمانية تزايد عدد المنتمين للتيار اليميني المتطرف بألمانيا في يوينو 2020، وأن الأشخاص الذين تحسبهم الاستخبارات الداخلية على هذا التيار زاد عددهم في عام 2019 إلى أكثر من 30 ألف شخص.

وتقدر الشرطة الألمانية عدد اليمينيين المتطرفين الذين يطلق عليهم مصدر خطر على الأمن بـ 65 شخصا على مستوى ألمانيا.

وأكد وزير الداخلية الألماني “هورست زيهوفر” بحسب DW فى 5 مارس 2020 أن الخطر الأكبر حاليا في ألمانيا يصدر من التيار اليميني، وأن التطورات الحاصلة من جانب الشبكة الإرهابية اليمينية “إن إس يو” حتى اليوم توضح أن “حالة التهديد من قبل التيار اليميني المتطرف في بلدنا تعد كبيرة للغاية ولا يمكن التهوين منها بأي شيء”، بحسب تعبيره.

إن خطر الهجمات اليمينية في ألمانيا آخذ في الإزدياد، مع زيادة عدد المتطرفين والجماعات الهامشية بنسبة 50% على مدى عام 2019 و 2020، وأصبحت الهياكل اليمينية المتطرفة في الوقت الراهن خطيرة على البنية الديمقراطية في ألمانيا كما كانت في عام 1945، وهذا ربما كان وراء خطة الحكومة الألمانية بوضع حزب البديل من أجل ألمانيا تحت المراقبة، كخطوة عملية بإقصائه من الحياة السياسية، وهذا ما بات مرجحا جدا.

وهذا يعني بأن ما تحتاجه ألمانيا الآن هو مراجعة التشريعات والقوانين الخاصة بالعمل السياسي، للتيارات اليمينية الشعبوية والجماعات المتطرفة بجميع أطيافها، التي باتت تستغل مساحة الحرية وتعمل على الالتفاف على القوانين.

ربما يعجبك أيضا