محادثات الدستور السوري.. النظام يواصل العرقلة والرهان على بايدن

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

فشل جديد وآمال مخيبة للأمم المتحدة في محادثات الدستور السوري المفترض الاتفاق عليها قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، فشل يعيق حل الأزمة السورية المستمرة منذ سنوات، سببه تعنت النظام السوري وتعمده إفشال أي محادثات قد ينتج عنها انتقال سلمي للسلطة لضمان بقاء الأسد المستمر في منصبه منذ 2000، ولحل الأزمة المتعثرة دعا المبعوث الأممي في سوريا لتكاتف الدول وتعاون دولي ولعله كان يلمح لدور أمريكي جديد في عهد بايدن يمكن من خلاله مجابهة النفوذ الروسي الداعم الأقوى والرئيسي لبقاء النظام السوري.

آمال مُخيبة

بعد جولة من المحادثات التي أجريت هذا الأسبوع حول الدستور السوري، أعرب المبعوث الأممي للأمم المتحدة غير بيدرسون عن خيبة أمله بعد فشل الأطراف المشاركة في الاتفاق على منهجية العمل.

وصرح غير بيدرسون للصحفيين بعد الدورة الخامسة للأعضاء الـ45 للمجموعة المصغرة عن اللجنة الدستورية طوال هذا الأسبوع في جنيف “لا يمكن لنا أن نستمر هكذا.. كان أسبوعاً مخيبا للآمال”.

وأوضح بيدرسون أن المعارضة اقترحت بداية منهجيات للعمل، لكن ممثلي دمشق رفضوا تلك المقترحات قبل أن يرفضوا أيضاً مقترحاً وضعه المبعوث الأممي.

وفي مقترحها الذي طرحته هذا الأسبوع في جنيف، طالبت المعارضة بأن يُقدّم كلّ طرف مبادئ دستوريّة من أجل إيجاد قواسم مشتركة، حسب ما قال كبير مفاوضي الوفد الممثّل للمعارضة هادي البحرة خلال مؤتمر صحفي، لكنّ كبير مفاوضي الوفد الحكومي أحمد كزبري قال إنه لا يمكن صياغة أي مبدأ ما لم تتم مناقشته أولاً. وتابع أن وفده اعتاد على الانتقادات الموجّهة إليه بعرقلة عمل اللجنة.

 وتتألف المجموعة المصغرة من اللجنة الدستورية من 45 عضواً يمثلون بالتساوي الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني.

واللجنة الدستورية مكلفة بمراجعة دستور العام 2012 وقد تشكلت في سبتمبر 2019، وعقدت أولى اجتماعاتها بعد شهر من ذلك في جنيف بحضور 150 شخصاً. وكلفت اللجنة المصغرة بعد ذلك بالعمل على التفاصيل، إلا أن خلافات عميقة بين الأطراف الرئيسة فضلا عن تفشي جائحة كوفيد-19 أبطأت وتيرة الاجتماعات.

وتأتي مراجعة الدستور ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي أقر في ديسمبر 2015 وينص كذلك على إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.

الأسد وعرقلة المحادثات

ويبدو من معارضة وفد دمشق لأي مقترحات أن النظام السوري يتعمد تأخير الدستور لحين إجراء الانتخابات الرئاسية هذا العام لضمان بقاء الأسد في منصبه وهو ما جاء في اتهامات واشنطن والدول الغربية.

وفي هذا السياق، اتهمت الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية رئيس النظام السوري بشار الأسد بتعمد تأخير صياغة دستور جديد لإضاعة الوقت لحين إجراء الانتخابات الرئاسية هذا العام، وتجنب التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة على النحو الذي دعا إليه مجلس الأمن الدولي.

ومن المقرر وفقاً لقانون الانتخابات السوري، إجراء الانتخابات الرئاسية في الفترة بين السادس عشر من أبريل والسادس عشر من مايو، أي قبل 90 يوماً على الأقل من انتهاء ولاية الأسد التي تبلغ سبع سنوات، علمًا بأن بشار الأسد في السلطة منذ عام 2000.

من جهته، اتهم عضو اللجنة الدستورية السورية طارق الكردي النظام السوري برفض مقترحات المعارضة بشأن مواد الدستور والإصرار على البقاء في مربع المناكفات.

وأوضح أن “المعارضة السورية لم تقدم في اجتماعات جنيف مسودة دستور كاملة وإنما 10 مواد دستورية منضبطة الصياغة، لكن النظام رفض مناقشتها من الأساس رغم أن جدول أعمال الجولة الخامسة يتركز على إقرار مبادئ الدستور الأساسية”.

وتابع “النظام السوري لا يزال يماطل في إنجاز مهمة إعداد وصياغة إصلاح دستوري لسوريا. ننتظر أن تضطلع الأمم المتحدة والدول الداعمة أبرزها روسيا، بمسؤوليتها حيال الضغط على النظام السوري للانخراط في العملية الدستورية بهدف تخفيف معاناة الشعب السوري”.

ويأتي تعنت النظام السوري بعد استعادته السيطرة على معظم الأراضي بدعم روسي، بينما تجد المعارضة السورية نفسها بعد سنوات من صراع دموي، أضعف بكثير مما كانت عليه قبل أن ينحسر نفوذها وتتشتت وسط انقسامات وخلافات بين مكوناتها وعلى ضوء الاقتتال بين الجماعات الإسلامية المتشددة التي مارست لوقت طويل ضغوطا شديدة على دمشق، الأمر الذي يتطلب دخول لاعب قادر على مجابهة روسيا ومن ثم إخضاع النظام.

هل تتغير المعادلة في عهد بايدن؟

بحسب المبعوث الأممي في سوريا غير بيدرسون، فإن الحل لن يتأتى بفرض إرادة لاعبٍ أو مجموعةٍ بمفردها، مؤكدًا على ضرورة التعاون الدولي وأن تجتمع البلدان ذات وجهات النظر المختلفة، لاتخاذ خطواتٍ ملموسة لدفع العملية السياسية.

وبحسب المحللين فهناك تعويل على إدارة بايدن الجديدة والمرجح أن تضع ثقلها من أجل تحريك القضية السورية التي وصلت إلى طريق مسدود، بسبب التدخلات الأجنبية، وتحويل سوريا إلى مناطق نفوذ دولية، ورهان روسيا وإيران على حل عسكري يمكّن بشار الأسد من استعادة السيطرة على الجغرافيا السورية.

لكن في المقابل، فإن أي تحرك دولي في سوريا يجب أن تقابله موسكو بمرونة واستعدادًا لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وهو أمر لن تقدم عليه روسيا من تلقاء نفسها.

وبالنظر للسياسة الأمريكية وكيفية تعاطيها للأزمة السورية في عهد بايدن، فيمكن القول أنه وفقًا للمصالح الأمريكية لا تمثل سوريا أي أهمية استراتيجية أو تهديدًا لوجود واشنطن، ومن ثم فمن المرجح على نحو كبير أن سياسة بايدن تجاه سوريا ستكون استمراراً لسياسة أوباما، أي الحفاظ على وجود عسكري محدود للغاية في شمال سوريا للضغط على تركيا بشأن أكراد سوريا ومحاربة تنظيم داعش، بالتوازي مع استمرار عقوبات قانون قيصر التي لم تحقق فعالية حقيقية حتى الآن، لكن البعض يراهن على سعي بايدن لاستعادة الدور الأمريكي في سوريا تزامنًا مع تسريبات أمريكية سابقة أظهرت قبل الانتخابات الأمريكية إمكانية تبني “بايدن” لخطة حرب جديدة في سوريا، ضد النفوذ الروسي وللحد من التدخلات التركية وضرب القوة الإيرانية على الأراضي السورية.

ربما يعجبك أيضا