الجائحة تعري الوجه الفقير لـ«أمريكا العظمى».. وبايدن أمام تحدي حقيقي

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

“جائحة كورونا ربما تكون أسوأ من أي أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية”.. هكذا قال تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أخيرا، مؤكدا أن الجائحة تسببت في زيادة معدلات الفقر والبطالة وركود قاسِ في أغلب البلدان ، وعلى الرغم من توقعه تعافي الاقتصاد العالمي بنهاية العام الجاري، إلا أنه يتوقع ارتفاع الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 22 تريليون دولار خلال الفترة من  2020 و2025.

من جانبه، حذر البنك الدولي منذ أيام من أن تداعيات الجائحة الاقتصادية ستدفع نحو 150 مليون شخص للوقوع تحت خط الفقر -من يحصلون على دخل أقل من 19 دولار في اليوم- بنهاية العام الجاري، وتوقع أن يرتفع عدد الفقراء الجدد إلى أكثر من 120 مليون، وعلى الرغم من أن البنك الدولي وكذلك صندوق النقد كلاهما رفع تقديراته للنمو العالمي خلال 2021 إلى أكثر من 4%، إلا أنهما حذرا من أن التعافي الاقتصادي سيكون مرهونا بقدرة صانعي السياسات على احتواء الوباء وتحفيز الاقتصاد ودعم الاستثمار والقطاعات المتضررة.

ربما يتصور البعض أن أكبر اقتصاد في العالم كان محصنا ضد ضربات “كورونا” الاقتصادية، إلا أن هذا الأمر غير صحيح، فعام كامل من إغلاق شامل تارة وجزئي تارة أخرى وتراجع لمعدلات الاستهلاك وقيود على حركة السفر كان كفيلا بأن يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى تسجيل أسوأ أداء له منذ العام 1946، فبحسب بيانات وزارة التجارة الأمريكية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% خلال 2020.

الوجه “الفقير” لأمريكا

خلال الأشهر العشرة الماضية، تجاوز العدد الأسبوعي لطلبات الحصول على إعانات البطالة في أمريكا أعلى مستوى له منذ العام 1960، وحاليا هناك أكثر من 18 مليون مواطن أمريكي يحصلون على إعانات بطالة منذ بداية الجائحة قبل عام من الآن.

نهاية الأسبوع الماضي كشفت دراسة مشتركة أجراها خبراء اقتصاديون في جامعتي شيكاغو ونوتردام، أن معدل الفقر في أمريكا سجل في نهاية 2020 أكبر زيادة له منذ أكثر من 50 عاماً، بفعل تداعيات كورونا، فيما تشير تقارير لمنظمات مكافحة الجوع إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في أمريكا بلغ 50 مليونا.

خلال النصف الأخير من 2020 زاد عدد الفقراء في أمريكا بنحو 8 ملايين، ليرتفع معدل الفقر بنهاية ديسمبر إلى 11.8%، وبحسب دراسة جامعتي شيكاغو ونوتردام كان الأمريكيون السود أكثر عرضة للفقر بمقدار الضعف مقارنة بنظرائهم البيض، في إشارة إلى آثار عدم المساواة الاجتماعية والتميز العرقي المتفاقم في أمريكا.

هذه الأرقام تؤكد أن الجائحة كما زادت معاناة الفقراء حول العالم، أضرت بهم في قلب أكبر اقتصاد بالعالم، على الرغم من خطط التحفيز الضخمة التي أقرها الكونجرس العام الماضي، وتضمنت دفع إعانات بطالة “إضافية” تراوحت بين 600 دولار و1200 دولار أسبوعيا، لكن ماذا تفعل هذه الأرقام لأسر قد حرمها الوباء من مصدر دخلها “المنخفض في الأساس”.  

فقد الاقتصاد الأمريكي تحت وطأة الجائحة ملايين الوظائف طوال العام الماضي، ففي أبريل 2020 على سبيل المثال فقد أكثر من 20 مليون وظيفة، ما دفع البطالة لتسجيل معدلات أسوأ مما كانت عليه في فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وفقدان الوظائف يعني بالتبعية زيادة في معدلات الفقر والأسر الأكثر احتياجا.

الآن مع وصول إدارة بايدن التي ترفع شعار توحيد الصف الأمريكي والقضاء على عدم المساواة الاجتماعية والعرقية، ستمثل الأرقام سالفة الذكر من فقر وبطالة تحديات حقيقية أمام تحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس.

الاختبار الأول لإدارة بايدن

كان الكونجرس قد أقر في ديسمبر الماضي حزمة تحفيز بـ900 دولار، الآن يقترح الرئيس الجديد جو بايدن ضخ حزمة بنحو 1.9 تريليون دولار، ويعتزم الاجتماع اليوم مع عدد من المشرعين الجمهوريين للاتفاق بشأن خطة التحفيز وسط معارضة لبعض بنودها ورغبة الجمهوريين في صرف الرقم الضخم بطريقة أكثر استهدافا للأسر المتضررة من الجائحة والشركات الصغيرة.

من المقرر أن يبت الكونجرس -الذي يهمين عليه الديمقراطيون- هذا الأسبوع في شأن خطة بايدن للتحفيز، والتي تقترح تخصيص نحو 350 مليار دولار للحكومات المحلية لمواجهة تداعيات الجائحة، وتخصيص 20 مليار دولار لتسريع وتيرة التطعيم ضد كورونا، هذا فضلا عن دفع مبلغ 2000 دولار كدعم مباشر لكل أسرة تضررت من الوباء، مع زيادة مساعدات البطالة والجوع وتخصيص مليارات الدولارات لدعم الشركات المتضررة من الجائحة.

كما تقترح خطة بايدن زيادة الحد الأدنى للأجور ليصبح 15 دولارا في الساعة بدلا من نحو 7 دولارات في الوقت الحالي، وهذا البند تحديدا يحظى بمعارضة واسعة من الجمهوريين ومحدودة من بعض الديمقراطيين، إذ يطالب بايدن بأن تكون الزيادة مشمولة في خطة حزمة التحفيز فيما يرى المشرعون ضرورة أن يكون الأمر تدريجيا على الأقل، ويقترح مشروع قانون تقدم به النائب الديمقراطي بوبي سكوت هذا الأسبوع، أن تكون زيادة الحد الأدنى للأجور تدريجية بحيث يرفع الحد الأدنى إلى 9.5 دولارات في الساعة بعد أقرار القانون بثلاثة أشهر ومن ثم يتم رفعه أربع مرات متتالية ليصل إلى 15 دولارا بحلول 2025.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس باراك أوباما سبق وأن فشل خلال ولايتين في رفع الحد الأدنى للأجور بسبب معارضة الجمهوريين، إلا أن الصورة هذه المرة مختلفة الكونجرس يسيطر عليه الديمقراطيون وهناك وزيرة خزانة تدعم المقترح هي جانيت يلين والتي صرحت في وقت سابق بأن رفع الحد الأدنى للأجور سينتشل عشرات الملايين من الأمريكيين من براثن الفقر، مؤكدة أن الأمر كله يتوقف على كيفية تنفيذه، مشيرة إلى زيادة تدريجية وصولاً إلى 15 دولارًا بحلول 2025، ستترك “وقتًا كافيًا لتكيف الشركات مع الوضع الجديد”.

بايدن في حاجة اليوم إلى صفقة ناجحة مع الجمهوريين لضمان تمرير حزمة التحفيز بأسرع وقت ممكن، للحفاظ على مكتسبات بلاده في مكافحة الفقر على مدى عقود مضت، فتوقف إعانات البطالة من شأنه سقوط ملايين الأمريكيين في براثن الفقر وتفاقم عدم المساواة، فبينما يزداد الفقراء فقرا ويدخل إلى دائرتهم كل يوم آلاف الأسر الجديدة بفعل الوباء الذي قتل حتى اللحظة أكثر من 430 ألف أمريكي، يضاعف الأثرياء ثرواتهم، فمنذ مارس الماضي قفزت ثروة المليارديرات الأمريكيين “660 شخصا” بنحو 40% – بحسب تقديرات المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة- بمجموع ثروات بلغ 4.1 تريليون دولار، ما يزيد بمقدار الثلثين عن إجمالي ثروة نصف السكان الأقل دخلا في أمريكا.

1200x 1

ربما يعجبك أيضا