انقلاب ميانمار.. «قاضية» العسكر تُباغت دهاء الزعيمة العجوز

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

ضربة استباقية موجعة، وأدلة مُرتبة أطاحت بأحلام زعيمة ميانمار الوردية، فما لبثت أن تغمض عينيها يوم أمس، حتى استيقظت فجرًا على كابوس لشبح الانقلاب العسكري الذي قلب الطاولة عليها، وذلك بعد أن أعلن الجيش الاستيلاء على السلطة وأمر باعتقالها وأعضاء في حكومتها.

دهاء العجوز، أون سان سو تشي-التي كانت تستعد خلال ساعات لإعلان انتصار جديد لها- لم يسعفها أمام بيان الجيش المقتضب الذي ألزم تسليم السلطة إلى قائده الجنرال مين أونغ هلاينغ، لتقف مكتوفة الأيدي تحت رهن الاعتقال والتحقيق بشأن تزوير انتخابات قد أثارت جدلًا واسعًا في البلاد.

ظاهريًا، نجد أن الانقلاب الذي أطاح بدهاء الزعيمة العجوز، جاء بين عشية وضحاها، لكن وفق التحليل التاريخي للأحداث، فهنالك عوامل كثيرة كانت قد لعبت أدوارًا مختلفةً لرؤية هذا المشهد الحالي، لعل أهمها التعرف على مشوار سو تشي ذاتها، ومن ثم الجنرال القوي هلاينغ الذي باغت ميانمار والعالم فجر اليوم.

المثيرة للجدل.. من هي «سو تشي»؟

1

تاريخ طويل ومثير للجدل لـ”أون سان سو تشي” في ميانمار، بداية من مواقفها المناهضة لنظام المؤسسة العسكرية واتهامه بالمشاركة في مجازر ضد أقلية الروهينجا المسلمة، مرورًا بفوزها بجائزة نوبل للسلام، ووضعها تحت رهن الإقامة الجبرية لعدة أعوام رغم وصولها سدة الحكم بعد معاناة طويلة، ونهاية بالانقلاب العسكري على حكومتها في ضربة كادت أن تقضي عليها.

وعن سيرتها الذاتية، فهي ابنه الجنرال أون سان الذي أسس الجيش الحديث لميانمار، وقاد التفاوض لإنهاء الاحتلال البريطاني عام 1947، وأصبح أول رئيس وزراء، ومن ثم قتل في عملية اغتيال بتاريخ 19 يوليو من العام ذاته، قبل أشهر من منح بريطانيا ميانمار استقلالها رسميًا على يد منافسيه على الحكم.

وولدت سو تشي في منطقة رانغون بيمانمار، وتحديدًا في 19 يونيو 1945، وكانت تبلغ من العمر عامين عندما اغتيل والدها، ومن ثم التحقت بالمدارس في بورما حتى عام 1960، عندما تم تعيين والدتها سفيرة في الهند.

وبعد سنوات الدراسة في الهند، التحقت بجامعة أكسفورد، حيث التقت بزوجها الباحث البريطاني، مايكل آريس، ومن ثم شغلت العديد من المناصب الحكومية منذ عام 2016، بما في ذلك منصب مستشارة الدولة، مما جعلها الزعيمة الفعلية لميانمار.

وفي عام 1988، عجلت المذبحة الجماعية للمتظاهرين ضد الحكم الوحشي للرجل العسكري القوي، يو ني وين، دخولها إلى المعترك السياسي، والنضال السلمي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أسست سو تشي الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، التي أصبحت أكبر أحزاب المعارضة للحكم العسكري سريعًا، لكنها سرعان ما وضعت تحت الإقامة الجبرية، بعد فوز حزبها في انتخابات 1990 التي رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائجها، وتعد هي السابقة الأولى لها مع جيش البلاد.

فيما بعد، ورغم وضعها تحت الإقامة الجبرية، حازت سو تشي على جائزة نوبل للسلام في عام 1991، كما حصلت على جوائز عديدة من منظمات حقوقية عالمية مثل العفو الدولية في 2009، وجائزة “غوانغجو” التي تمنحها واحدة من أكبر منظمات حقوق الإنسان في كوريا الجنوبية.

كل هذه الجوائز لم تتمكن سو تشي من الذهاب لتسلمها، بسبب حكم الإقامة الجبرية، والتي قد مضت سنواته في منزلها بالقرب من بحيرة في وسط “رانغون”.

وخلال إقامتها الجبرية، سُمح لعدد قليل جدًا من الأشخاص بزيارتها، وأحيانًا ابنيها اللذين عاشا في بريطانيا مع والدهما، ولكن السلطات أفسحت لها المجال لوداع زوجها الذي توفي بـ”السرطان” في بريطانيا، لكنها لم تذهب خشية ألا يسمح لها بالعودة إلى ميانمار، في الوقت الذي أعلنت هيئة تابعة للأمم المتحدة أن احتجازها غير قانوني بموجب قانون ميانمار.

وبعد رحلة طويلة -نحو 15 عامًا- من الإقامة الجبرية، أفرجت عنها السلطات في 2010، لكن الحكومة شبه المدنية قادت بورما منذ حل المجلس العسكري في 2011 إلى مجموعة من الإصلاحات، التي أفضت إلى إجراء أول انتخابات مفتوحة في ميانمار بعد نصف قرن من الديكتاتورية.

وفي سن الـ70 كانت سو تشي، قد وصلت إلى سدة الحكم، بعد رحلة مثيرة، وذلك عقب فوز ساحق في انتخابات عام 2015، مما جعل منها أيقونة دولية ترمز للديمقراطية.

ولكن عادة ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ لم تنعم سو تشي بالهدوء طويلًا، لتهتز مكانتها العالمية، بعد فرار مئات الآلاف من الروهينجا من عمليات عسكرية بإقليم راخين في غرب البلاد عام 2017، الأمر الذي أدى إلى رفع دعوى قضائية دولية من قبل ناشطين حقوقيين، ضد مسؤولين كبار في ميانمار، يتهمونهم فيها بارتكاب جرائم ضد أقلية الروهينجا المسلمة.

في أعقاب ذلك، ورغم أن سو تشي تعرضت لانتقادات دولية واسعة، بالأخص وأنها حائزة على جائزة نوبل، إلا أن شعبيتها لم تتضاءل محليًا، وهذا انعكس على نتائج الانتخابات التي صبت لصالح حزبها الحاكم في الثامن من نوفمبر الماضي 2020.

وقد وصلت رحلة السيدة العجوز السياسية، إلى مرحلة جديدة من التعقيد، اليوم الإثنين، فبعد أيام من توتر متزايد بين الحكومة المدنية والجيش، أعلنت المؤسسة العسكرية في البلاد الانقلاب على سو تشي، في أعقاب انتخابات وصفت الجيش بالـ”مزورة”.

أدلة.. فـ«انقلاب»

12

المشهد الانتخابي العام الأخير في ميانمار -الثاني بعد استبعاد الطبقة العسكرية عن الحكم- شهد توترًا داخل الساحة السياسية في البلاد بشكل غير مسبوق، إذ اتهم الجيش اللجنة الانتخابية بعدم معالجة “المخالفات الهائلة” التي حدثت، خلال الانتخابات التشريعيّة التي جرت في نوفمبر الماضي، وفاز بها حزب أون سان سو تشي الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية بغالبية ساحقة.

ويتحدث الجيش عن وجود عشرة ملايين حالة تزوير في الانتخابات وإنه يريد التحقيق في الأمر، مطالبًا مفوضية الانتخابات بكشف لوائح التصويت للتحقق منها.

وازدادت التوترات، الأسبوع الماضي، عندما قال قائد الجيش الجنرال مين أونغ هلاينغ، الذي يُعد الشخصيّة الأكثر نفوذًا في بورما، إن الدستور يمكن “إبطاله” في ظل ظروف معينة.

وفي خطوة جرئية، وضربة كانت قاضية لأيقونة الديموقراطية السابقة في بورما “سو تشي”، نفذ الجيش البورمي النافذ فجر اليوم، انقلابًا عسكريًا، معلنًا حالة الطوارئ في البلاد مع تعيين جنرالات في المناصب الرئيسية.

وبحسب بيان صادر عن الجيش، أصبحت السلطات “التشريعية والإدارية والقضائية” بيد مينع أونغ هلاينغ، فيما أصبح الجنرال ميينت سوي رئيسًا مؤقتًا للبلاد.

بعد ذلك، سرعان ما اشتعل المشهد، بعد أن سيطر الجيش على مبنى بلديّة رانغون -العاصمة الاقتصادية للبلاد- وقطع عسكريون طريق الوصول إلى المطار الدولي، إضافة إلى أن تعطيل إمكانيّة الاتّصال بشبكة الإنترنت، وفق ما أكدت منظمة غير حكومية متخصصة، كما أغلقت كافة المصارف في البلاد حتى إشعار آخر.

من قبضة «سو تشي» إلى فكي الجنرال الأقوى!

“الدستور يمكن إبطاله في ظل ظروف معينة”، تلك الجملة التي ترددت على أذان المجتمع الدولي خلال الأيام القليلة الماضية فيما يخص الوضع في بورما، كانت كفيلة بوضع قائد الجيش “هلاينغ”، تحت المجهر.

إذ أثارت تلك التصريحات قلق سفارات أكثر من عشر دول، إضافة إلى الأمم المتحدة، في حين دعت أحزاب سياسية بورمية صغيرة إلى تسوية بين سو تشي والجيش.

ولكن، قد سبق السيف العذل، وأصبح الانقلاب العسكري في ميانمار واقع ملموس، رغم كل التحذيرات في ردود الأفعال الدولية، الأمر الذي طرح تساؤلات عدة حول ما إذا كانت بورما قد فلتت من قبضة “سو تشي” ووقعت بين فكي الشخصية الأكثر نفوذًا هناك؟

من هو «هلاينغ»؟

2

فور الإعلان عن الانقلاب العسكري، سرعان ما وصفت كبرى عناوين الأخبار، قائد الجيش مين أونغ هلاينغ، بالجنرال الأقوى الذي لم يباغت زعيمة ميانمار العجوز وحدها، بل العام أجمع بتلك القرارات السريعة والموجعة للغاية.

والجنرال الأقوى قائد القوات المسلحة، ولد في 3 يوليو عام 1956 في تافوي جنوب شرقي ميانمار، التحق بالمدرسة هناك، وبعدها درس القانون في جامعة يانغون من 1972 إلى 1974، ثم التحق بالأكاديمية العسكرية في العام 1974.

تولى منصب رئيس الأركان المشتركة لوزارة الدفاع في ميانمار، ورُقي إلى رتبة لواء من فئة أربع نجوم في أوائل عام 2011.

وفي عام 2011 أيضًا، قام بحل المجلس العسكري والسماح بإجراء انتخابات، فازت بها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية “بقيادة زعيمة ميانمار”، وعلى الرغم من ذلك احتفظ “هلاينغ” بنفوذه، حيث يسيطر الجيش على 25% من المقاعد البرلمانية، فضلًا عن وزارات الدفاع والداخلية وشؤون الحدود.

بعدها، تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة في 30 مارس 2011، وهو أيضًا عضو في مجلس الدفاع والأمن الوطني (NDSC) برئاسة رئيس ميانمار.

وفي عام 2011، تسلم هلاينغ قيادة القوات المسلحة، ومن ثم مدّد ولايته لخمس سنوات إضافية في فبراير 2016.

دافع هلاينغ بشدة عن العمليات التي يخوضها جيشه ضد مسلمي الروهينجا، معتبرًا أن الروهينجا ليسوا سكانًا أصليين.

وفي عام 2019، وجُهت له اتهامات عدة باضطهاد الروهينجا، وتنفيذ انتهاكات جمة بحقهم، ما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليه.

وفي 5 نوفمبر 2020، أعلنت القوات المسلحة، عن ترقية مين أونغ هلاينغ إلى رتبة جنرال كبير وهي تعادل نائب رئيس ميانمار.

وفي الأول من فبراير 2021، تسلّم رئاسة البلاد إثر انقلاب عسكري وإعلان حالة طوارئ.

في نهاية الأمر، فإن اشتعال الساحة السياسية في ميانمار حاليًا، لم يكن وليد اللحظة باعتقال زعيمة البلاد، بل الاتهامات الخطيرة التي وجهت لـ”هلاينغ” إلى جانب قادة آخرين في جيش بورما بشأن تورطهم في انتهاكات خطيرة ضد أقلية الروهينجا المسلمة بنية “الإبادة الجماعية”، قد وضعت بلا شك البلاد على صفيح ساخن.

ربما يعجبك أيضا