انقلاب ميانمار.. صفعة بوجه ديمقراطية بايدن والصين تترقب

دعاء عبدالنبي

كتبت –  دعاء عبدالنبي

ضربة في مقتل، هكذا وجه الانقلاب العسكري في ميانمار أو كما يطلق عليها بورما، صفعة بوجه الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، التي تعمل حاليًا على رأب الصدع بين الأمريكيين، في حين بات عليها الآن إعطاء أولوية كبرى للمنطقة التي تقلصت فيها نفوذها لصالح الصين بسبب سياسات ترامب، لتصبح السياسة الأمريكية الجديدة حائرة بين عصا العقوبات وجزرة المفاوضات.

ومن اللافت للذكر أن صعود الديمقراطية في بورما لطالما شكل إنجازًا في عهد إدارة أوباما ونائبه حينذاك بايدن، لكن انقلاب اليوم بات يمثل اختبارًا مبكرًا لتصميم إدارة بايدن للدفاع عن الديمقراطية في العالم، وفرصة سائغة أمام الصين لتعزيز نفوذها.

انقلاب عسكري

في خطوة مفاجئة، انقلب الجيش في ميانمار على السلطة الحاكمة، انقلاب تُعزى أسبابه للانتخابات الأخيرة التي استبعدت الطبقة العسكرية من الحكم، الأمر الذي فاقم من التوترات داخل الساحة السياسية في البلاد، بعد اتهام الجيش للجنة الانتخابية بعدم معالجة حالات التزوير الي شابت الانتخابات وأدت لفوز حزب “أون سان سو تشي الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” بغالبية ساحقة.

وفي خطوة جرئية، وضربة كانت قاضية لأيقونة الديموقراطية السابقة في بورما “سو تشي”، نفذ الجيش البورمي، فجر أمس الإثنين، انقلابًا عسكريًا، معلنًا حالة الطوارئ في البلاد مع تعيين جنرالات في المناصب الرئيسية، وأصبحت السلطات “التشريعية والإدارية والقضائية” بيد مينع أونغ هلاينغ، فيما أصبح الجنرال ميينت سوي رئيسًا مؤقتًا للبلاد.

بعد ذلك، سرعان ما اشتعل المشهد، بعد أن سيطر الجيش على مبنى بلديّة رانغون -العاصمة الاقتصادية للبلاد- وقطع عسكريون طريق الوصول إلى المطار الدولي، إضافة إلى أن تعطيل إمكانيّة الاتّصال بشبكة الإنترنت، وفق ما أكدت منظمة غير حكومية متخصصة، كما أغلقت كافة المصارف في البلاد حتى إشعار آخر.

في المقابل كانت الزعيمة المدنية أونع سان سو تشي وحاملة نوبل للسلام التي اعتقلت مع مسؤولين آخرين بالأمس،  تخسر الدعم الغربي بشكل متسارع مع صمتها حيال وحشية الجيش البورمي ضدّ أقليّة الروهنجيا، وهو صمت فسّره البعض بأنه محاولة لعدم معاداة الجيش.

اشتعال المشهد السياسي في ميانمار لم يكن وليد اللحظة، فقد سبقه اتهامات خطيرة وجهت للجيش البورمي بشأن تورطهم في انتهاكات خطيرة ضد أقلية الروهنجيا المسلمة بنية الإبادة الجماعية، كل ذلك يهدد الديمقراطية التي حققتها إدارة أوباما قبل عقد من الزمان وباتت تشكل تحديًا كبيرًا أمام إدارة بايدن.

ثقل أمريكي أقل وبايدن يُحذر

لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بنفس النفوذ، بعد تراجعها كقوة عظمى في عهد ترامب وسعيه لسحب معظم القوات الأمريكية من المنطقة، لكن أمام هذا الوضع الراهن في ميانمار على إدارة بايدن الخيار بين فرض عصا العقوبات أم جزرة المفاوضات لتهدئة الوضع وتعزيز مبدأ الديمقراطية التي وعد بها بايدن خلال حملته الانتخابية.

وفي ذات السياق، حذّر الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان قوي، بورما من إعادة فرض العقوبات عليها، معرباً عن دعمه الثابت لمبدأ الديمقراطية الذي يتوافق مع وعوده خلال حملته الانتخابية بطوي صفحة سلفه دونالد ترامب الذي اعتاد الإشادة بالحكّام المستبدّين.

وقال بايدن في بيانه إنّ “الولايات المتحدة ستدافع عن الديمقراطية في أي مكان تتعرّض فيه لاعتداء”، مطالباً الجيش البورمي “التخلي بشكل فوري عن السلطة التي استولى عليها”.

من جهتها، قالت سوزان ديماجيو من معهد كارنيغي للسلام الدولي إنّ على إدارة بايدن اختبار الدبلوماسية والامتناع عن فرض عقوبات بشكل فوري، وهي أداة استخدمها ترامب بشكل يومي خلال ولايته.

وبحسب مجلة “بوليتيكو” فإن الكيفية التى سيرد بها بايدن ومساعدوه، سواء بشكل سريع وبالتنسيق مع الحلفاء أو باستعراض القوة الأمريكية، ستؤثر على الكيفية التى ينظر بها إلى الإدارة الأمريكية على الساحة العالمية فى الأشهر القادمة، لاسيما مواجهتها التحدى الأوسع المتمثل فى صعود الحركة الاستبدادية في دول كثيرة حول العالم.

وأشارت المجلة إلى أن ما يحدث في ميانمار يقدم فرصة نادرة لنهج متفق عليه من كلا الحزبين فى واشنطن، نظرا لمصالح النواب الديمقراطيين والجمهوريين فى الكونجرس، الذين أعرب العديد منهم عن رغبة لفرض عقوبات صارمة وإجراءات أخرى ضد القيادة العسكرية في ميانمار.

ووفقا لمسؤولين أمريكيين، فهناك حالة من الإحباط بشأن التطورات لاسيما بسبب توقيتها وتخبط بشأن كيفية التنسيق والرد داخليا ودوليًا، وما إذا كانوا سيصفون ما يحدث بأنه انقلاب.

وكان بايدن قد قال فى بيانه إن الولايات المتحدة ستلاحظ من يقفون بجوار شعب بورما فى هذه الساعة العصيبة. وردًا على سؤال خلال مؤتمر صحفى عما إذا كانت هذه رسالة إلى الصين، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكى إنها رسالة إلى جميع البلدان فى المنطقة والدول التي سيطلب منها الرد أو التفكير فى كيفية الرد المناسب ردًا على الأحداث التى وقعت خلال اليومين الماضيين.

وبحسب الخبراء فإن الدولتين الرئيسيتين اللتين يمكن لواشنطن التنسيق معهما هما اليابان والهند لتمتّعهما بعلاقة دافئة مع بورما، وقد قامت نيودلهي قبل أيام بشحن 1.5 مليون جرعة من لقاح مضادّ لكوفيد-19 إلى نايبيداو.

لكن مع تأهّب الغرب للتشدّد مع بورما، لن يكون أمام المجلس العسكري الجديد هناك من خيار سوى الاعتماد على الصين، ومع وعود بايدن بالتركيز مجدداً على حلفاء الولايات المتحدة، حيث العديد منهم في جنوب شرق آسيا يتوقون لرؤية واشنطن تتصدّى للصين، يرى المحللين ان ما حدث اليوم يجعل الأمر أكثر صعوبة.

ماذا ستفعل الصين؟

من جهتها، دعت الصين المجتمع الدولي إلى عدم “تعقيد الوضع أكثر مما هو عليه” في بورما، قبل انعقاد الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي حيث من المرجح مناقشة فرض عقوبات على هذا البلد، غداة الانقلاب العسكري.

وتعارض بكين التي تتمتع بمصالح استراتيجية واقتصادية كبيرة لدى جارتها الجنوبية “التدخل” عادة في الشؤون الداخلية للدول والعقوبات الدولية، كما تجنبت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الحاكم استخدام كلمة “انقلاب” لوصف ما حدث في ميانمار، بل وصفت استيلاء الجيش على السلطة بأنه “تعديل لبنية السلطة غير المتوازنة”.

كما ألقت الصحف الصينية التابعة للحزب الحاكم ، مسؤولية ما قام به الجيش البورمي على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، برفضه الاعتراف بهزيمته وتشجيعه على ما يبدو أعمال الشغب في الكابيتول، فأصبح ترامب قدوة يحتذى بها الجيش البورمي.

ومن المقرر أن يتبع بايدن سياسة العصا في حال رفضت القيادة العسكرية في بورما التخلي عن السلطة، وهو ما قد يدفع الباب أمام جنرالات بورما للتعاون مع الصين للوقوف بوجه العقوبات الدولية التي قد تعارضها بكين مرة أخرى، عندما أعاقت أي إجراء مؤثر في مجلس الأمن ضد ميانمار بعد الحملة العسكرية في 2017 ضد أقلية الروهنجيا.

ربما يعجبك أيضا