قوة «ريديت».. حينما يربك «الهواة» الأسواق العالمية

كتب – حسام عيد

لا صوت يعلو في أوساط المال والأعمال العالمية في الأيام الحالية فوق صوت معركة منصة “ريديت” للتواصل الاجتماعي والتحركات القياسية في أسواق الأسهم والمعادن، والتي تُعد أشبه بلعبة مضاربات يديرها هواة يعرفون باسم “صغار المستثمرين” من أجل إلحاق خسائر ضخمة بصناديق التحوط وإثبات أن مجتمعات الإنترت والسوشيال ميديا قادرة على تغيير قواعد ومعايير التداول بالأسواق العالمية، وتمكين أسهم شركات خاسرة من التحليق بالمكاسب عاليًا والعكس.

التداولات المحمومة التي تغذيها تجمعات صغار المستثمرين على منصة “ريديت” للتواصل الاجتماعي تسببت في طفرة وانتعاشة غير مسبوقة في سهم شركة “جيم ستوب” الأمريكية لألعاب الفيديو والإلكترونيات، بعد أن راهنت العديد من صناديق التحوط في بورصة وول ستريت على تراجعه، اعتقادًا منهم بأن وضع الشركة متردي للغاية، وعلى هذا الأساس قامت تلك الصناديق باقتراض كميات ضخمة من سهم “جيم ستوب” وبيعها على المكشوف على أمل أن ينخفض سعره بعد أن ينفض الجميع من حوله. ما حدث فعليًا، هو أن السهم قفز بنسبة 400% خلال الأسبوع الأخير من يناير الماضي، وبأكثر من 1700% منذ بداية الشهر ذاته، وذلك بفعل عمليات الشراء المحموم من قبل أعضاء “ريديت” أو ما يعرفون بصغار المتداولين. كما دفع تجمع “ريديت” أسهم “إي إم سي” وبلاك بيري للارتفاع مع مواصلة المستثمرين الصغار الضغط على البائعين على المكشوف “السياسة التي اتبعتها صناديق التحوط”.

الأمر ذاته حدث في أسواق المعادن، فمنصة “ريديت” كانت سببًا رئيسيًا في ارتفاع أسعار الفضة إلى أعلى مستوياتها في ثمانية أعوام، وشجعت المستثمرين الصينيين على المسارعة نحو الاستثمار في المعدن النفيس.

في التقرير التالي سنحاول تسليط الضوء على مجتمع “ريديت” وكيف أربك الأسواق العالمية وألحق بكبار المستثمرين خسائر فادحة؟!.

ما هي منصة “ريديت”؟ وما علاقتها بارتفاعات الأسهم والفضة؟

منصة ريديت Reddit هي شبكة اجتماعية تشبه Twitter و Facebook، حيث يمكن من خلالها الانضمام إلى منتديات حول موضوعات تهم المستخدم من كرة القدم إلى التاريخ والسياسة والاقتصاد.

وتمثل الارتفاعات والقفزات السعرية المتلاحقة؛ قوة مجموعة “أسرت وول ستريت” و”ماين ستريت” في الآونة الأخيرة، وهي “WallStreetBets” أو “رهانات وول ستريت”، إذ رفع منتدى “ريديت” سعر أسهم “جيم ستوب” و”AMC” وغيرها من الأسهم، التي تم بيعها بشكل كبير في الأسبوع الأخير من يناير 2021، ما أدى إلى اضطراب الأسواق وسحق بعض صناديق التحوط التي راهنت ضد تلك الأسهم.

ولسوء حظ صناديق التحوط التي قامت باقتراض كميات ضخمة من سهم “جيم ستوب” وبيعها على المكشوف على أمل أن ينخفض سعره بعد أن ينفض الجميع من حوله، كان هناك من يقف لهم بالمرصاد. على موقع “ريديت” الشهير يوجد هناك تجمع أو ” subreddit” يطلق عليه “وول ستريت بيتس” (WallStreetBets) . هذا التجمع الذي يضم أكثر من 5.5 مليون عضو معظمهم من المتداولين الأفراد قرر تنظيم صفوفه والقيام بشكل جماعي بوضع تلك الصناديق في ورطة.

بدأ الأمر يتحول إلى حرب صريحة بعد أن كشف صندوق “ميلفن كابيتال” عن مراهنته على انخفاض سعر سهم “جيم ستوب”. في هذه اللحظة قرر متداولي “وول ستريت بيتس” الانقضاض على السهم وشراء كل الكميات المتاحة منه مما ساهم في ارتفاع سعره بأكثر من 1700% على مدار يناير الجاري فقط، لتقفز القيمة السوقية للشركة من ملياري دولار فقط في بداية العام إلى 24 مليار دولار في 29 يناير 2021.

هذا تفسير شديد التبسيط لشيء يسمى “shorting” أو “short selling” أي “البيع على المكشوف”. لكن إذا خسرت رهانك وارتفع السعر فعليًا، فستخسر أموالك.

ووضع الأشخاص في مجموعة “WallStreetBets” أنظارهم على الفضة وصندوق iShares Silver Trust ETF في الأيام الأخيرة من يناير الماضي، بينما اقترح البعض أنها قد تكون وسيلة لإلحاق الضرر بالبنوك الكبرى التي يعتقدون أنها تخفض الأسعار بشكل مصطنع.

وكتب أحد مستخدمي “WallStreetBets”، أن iShares Silver Trust ETF سوف يدمر أكبر البنوك، وليس فقط بعض صناديق التحوط الصغيرة”، في حين زعم آخر أن “جي بي مورجان تشيس” كان “يقمع المعادن لفترة طويلة”.

كما أشار العديد من المستخدمين إلى أن “جي بي مورجان” دفع غرامة قياسية قدرها 920 مليون دولار العام الماضي لتسوية قضية اتهمته أنه تورط في التلاعب بتداول العقود الآجلة المرتبطة بالمعادن الثمينة وكذلك سندات الخزانة.

فخ وخسائر بالمليارات لصناديق التحوط

المراكز المكشوفة يجب أن تغطى في النهاية وبأي ثمن، وهو ما فعله صندوق التحوط “ميلفن كابيتال” الذي اضطر لاقتراض 2.75 مليار دولار من صندوق “بوينت 72 أسيت مانجمينت” لكي يغطي كافة مراكزه المكشوفة في سهم “جيم ستوب”. حتى الآن، لم يفصح الصندوق عن حجم خسائره ولكن بعض التقديرات تشير إلى أنها تتجاوز ثلاثة مليارات دولار؛ وفق ما أفادت وكالة “بلومبيرج”.

قائمة الضحايا ضمت أيضًا صندوق “دي 1كابيتال بارتنرز” الذي يدير أصول بقيمة 20 مليار دولار والذي خسر 20% بسبب اشتراكه في بيع سهم “جيم ستوب” على المكشوف. بشكل إجمالي تشير التقديرات إلى أن الصناديق خسرت ما يزيد على 5 مليارات دولار حتى الآن والرقم لا يزال مرشحاً للزيادة في الأيام القادمة في ظل أنه لا يزال يوجد عدد كبير من المراكز المكشوفة التي لم تتم تغطيتها بعد.

انتقام لصالح فقراء الألفية

بالنسبة للكثير من الأشخاص المعنيين، كان الأمر مجرد ترفيه ومزحة وتمضية للوقت أو تجربة لمعرفة قوة مجتمعات الإنترنت، بينما وصف معلقو وول ستريت ما يحصل بأنه “ظاهرة” و”جنوني” وأنهم “لم يروا شيئاً مشابهاً من قبل”.

بالنسبة للكثيرين، كان الهدف هو جعل سماسرة البورصة وصناديق التحوط (التي تراهن على انخفاض قيمة أسهم الشركات) يخسرون أموالهم. ويتولى المواضيع الشائعة على “ريديت” أشخاص يقولون إن ذلك كان للانتقام من شركات الأموال الكبيرة التي يُنظر إليها على أنها تسببت في الانهيار المالي في عام 2008.

ونقلت “بي بي سي” عن المحلل، نيل ويلسون، قوله: “يبدو أنهم عازمون على مواجهة وول ستريت، ويبدو أنهم يكرهون صناديق التحوط”، مضيفاً: “إنها معركة بين الأجيال، وإعادة التوزيع وكل شيء يتعلق بسرقة الأغنياء لصالح فقراء الألفية”.

وختامًا، تمكن صغار المتداولين من دفع أكبر الصناديق في “وول ستريت” والتي تدير أصولًا بمليارات الدولارات إلى الانزلاق بمنحدر الأزمات القاتمة، بل ودفع بعضها الآن لتواجه شبح الإفلاس. ربما تصبح تلك الظاهرة غير المعتادة بالأسواق العالمية مادة دسمة ستركز عليها كليات الأعمال في السنوات المقبلة، ومادة فيلمية مثيرة ومشوقة في “هوليوود”.

ربما يعجبك أيضا