الكويت أمام تحدٍ كبير.. هل قاربت السيولة على النفاد؟

كتب – حسام عيد

رغم كونها تتمتع بمركز مالي قوي ومتين مدعوم بالكامل من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، الذي يمثل الصندوق السيادي للدولة ويصنف خامسًا بين أكبر 10 صناديق سيادية في العالم، مع قاعدة أصول تبلغ 533 مليار دولار، إلا أن السيولة في خزينة الكويت قاربت على النفاد؛ وهذا ما كشفته وكالة “فيتش” بخفضها النظرة المستقبلية لتصنيف ديون الكويت إلى “سلبية”، وأكدته تحذيرات وزير المالية الكويتي.

وتضررت الكويت، العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”، كثيرًا من انخفاض أسعار الخام وتداعيات جائحة كورونا الوبائية.

وأدت خلافات وأزمات متكررة بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة المنتخب إلى تعديلات حكومية متعاقبة وحل البرلمان مرارًا، مما أعاق إصلاحات اقتصادية تحتاجها البلاد بشدة.

النظرة المستقبلية لديون الكوين “سلبية”

كانت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” أكدت يوم الأربعاء الموافق 3 فبراير 2021، تصنيفها الائتماني السيادي لدولة الكويت لعام 2021، عند المرتبة “AA”، مع تغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية.

وقالت الوكالة في تقرير لها، نقلاً عن البنك المركزي الكويتي، إن تخفيض النظرة المستقبلية يعكس مخاطر السيولة قصيرة الأجل والمرتبطة بالنفاد الوشيك لصندوق الاحتياطي العام في ظل غياب إذن للحكومة بالاقتراض، ويتجذر هذا الخطر في الجمود السياسي والمؤسساتي الذي يفسر أيضاً عدم وجود إصلاحات مؤثرة لمعالجة العجز المالي الكبير في الميزانية العامة للدولة، والضعف المتوقع في أرصدة الموازين المالية والخارجية لدولة الكويت، ومع ذلك ستظل تلك الأرصدة من بين أقوى الميزانيات السيادية التي تصنفها الوكالة.

وأشارت فيتش إلى أن عدم تمرير قانون دين عام جديد قد يؤدي إلى نفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام في الأشهر المقبلة، ما لم تتخذ مزيد من التدابير لمعالجة أوضاعه.

وذكرت أن استنفاد سيولة صندوق الاحتياطي العام من شأنه أن يحد بشكل كبير من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ويمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطراب اقتصادي كبير.

ووفقًا للسيناريو الأساسي للوكالة الذي يفترض أن الحكومة ستجدد موارد صندوق الاحتياطي العام لتجنب النضوب حتى بدون أي تشريع جديد من قبل مجلس الأمة، واستمرار الحكومة في خدمة الدين، وتبلغ نحو 400 مليون دينار وبنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، إلا أنه لا يزال هناك درجة من عدم اليقين.

وأشارت “فيتش” إلى أن السلطات أبدت التزامًا بتجنب أزمة السيولة ولديها المرونة لاتخاذ تدابير استثنائية لتحقيق هذه الغاية.

وأوضحت الوكالة أن كل جهود تقليص العجز المالي والإصلاح المالي وإقرار قانون الدين العام لا تزال تواجه انقسامات سياسية راسخة وجمود في الموازنة، وتشكل المرتبات والدعوم الحكومية أكثر من 70% من الإنفاق العام، ويُشكل المواطنون الكويتيون نحو 80% من العاملين في القطاع العام.

تحذيرات وزير المالية من قرب نفاد السيولة

وفي تعقيبه على تثبيت وكالة “فيتش” التصنيف السيادي للكويت عندAA مع تغيير النظرة المستقبلية من “مستقرة” إلى “سلبية”، قال وزير المالية الكويتي خليفة حماده إن “من أهم أولوياتنا في المرحلة القادمة هو تعزيز السيولة في الخزينة (صندوق الاحتياطي العام)”.

وحذر وزير المالية الكويتي في بيان على صفحة الوزارة في “تويتر” من أن “لإيرادات والمصروفات العامة تعاني اختلالات هيكلية أدت إلى قرب نفاد السيولة في خزينة الدولة (صندوق الاحتياطي العام)”.

حساسية التصنيف

وتقسم العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل فردي أو جماعي على التصنيف الائتماني السيادي، إلى سلبية وإيجابية.

أولًا: العوامل السلبية تتمثل في:

– السمات الهيكلية؛ استمرار استنزاف موارد صندوق الاحتياطي العام في ظل عدم إقرار قانون جدید للدين العام، أو تشريع يسمح بالنفاذ إلى أصول صندوق الأجيال القادمة، أو قيام الحكومة بتدابير استثنائية لضمان استمرارها في الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر خدمة الدين.

– المالية العامة: التأكل المستمر لمتانة الأوضاع المالية والخارجية نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط أو عدم القدرة على معالجة الاستنزاف الهيكلي للمالية العامة.

ثانيًا: العوامل الإيجابية تتمثل في:

المالية العامة: اعتماد الحكومة لاستراتيجية تمويلية واضحة ومستدامة من خلال تمرير القوانين التي تسمح بإصدار الدين بانتظام أو النفاذ إلى أصول صندوق الأجيال القادمة، مصحوبة بأدلة على أن المؤسسات والنظام السياسي في دولة الكويت قادرة على مواجهة التحديات المالية طويلة الأجل من خلال إجراءات لتنفيذ خطة واضحة للحد من العجز في الميزانية العامة للدولة.

تحديات واختلالات مستقبلية

وكان مجلس الوزراء الكويتي أقر في يناير الماضي موازنة بعجز يقارب 40 مليار دولار (12.1 مليار دينار) للسنة المالية التي تبدأ في أبريل وتنتهي بنهاية مارس 2022.

البارز في الموازنة الارتفاع الكبير للمصروفات، لتصل إلى 23 مليار دينار، تشكل الرواتب والدعوم نحو 72% منها، فيما ارتفعت تقديرات الإنفاق الرأسمالي بـ 20% إلى 3.5 مليار دينار، وذلك لدعم الاقتصاد الوطني والحد من آثار جائحة كورونا، وفق بيان وزارة المالية الكويتية.

وفي المقابل، تقدر الموازنة الإيرادات بـ 10.9 مليار دينار، ارتفاعاً من 7.5 مليار دينار في الموازنة السابقة. وتقدّر الإيرادات النفطية بـ 9.1 مليار دينار، ارتفاعاً من 5.6 مليار كانت مقدرة للسنة المالية الحالية.

وبدورها، قالت أستاذ التمويل في جامعة الكويت الدكتورة أماني بورسلي، إن الموازنة لم يكن بها شيء جديد، مشيرة إلى أنه كان يجب أن يرافق الموازنة خطة عمل حكومية لتحقيق المستهدفات الواردة بها، وكيفية تمويل الموازنة.

وأوضحت أن أمام الحكومة تحد وهو اقناع المواطنين والمجلس التشريعي بأن هناك حاجة لإصدار سندات الدين العام.

فيما أشار الخبير الاقتصادي محمد رمضان، في تصريحات لفضائية “العربية”، إلى أن بدائل تمويل عجز ميزانية الكويت تتمثل في تعديل قانون الدين العام، أو سحب سيولة من مؤسسات الدولة التي لديها فوائض، أو اقتراض بعض مؤسسات الدولة التي يسمح نظامها بالاقتراض، لتخفيف العبء على الميزانية.

وختامًا، يكمن التحدي الأكبر أمام المالية الكويتية في تمويل العجز؛ إذ يعاني صندوق الاحتياطي العام من تحديات جوهرية في السيولة نتيجة السحب منه، فيما يحول الرفض النيابي لإقرار قانون الدين العام حتى الآن دون اللجوء إلى الأسواق لتمويل العجز.

ربما يعجبك أيضا