حمصة الفوقا..حكاية قرية فلسطينية دمرت في 10 دقائق‎

محمود

رؤية- محمد عبدالكريم

الأغوار – عشر دقائق فقط هي كل ما أعطته سلطات الاحتلال الإسرائيلية للفلسطينيين القاطنين في قرية حمصة الواقعة شمال غور الأردن، من أجل إخراج أغراضهم من الخيام، وبعد العشر دقائق الأولى كانت عشر دقائق أخرى كفيلة بان تجهز الآليات والدبابات الضخمة على مساكن من لا حول لهم ولا قوة إلا الدعاء.

ووسط هدير الآليات الثقيلة، والجنود المثقلين بأسلحتهم وعتادهم، ترتجف أم (فاطمة عواودة) ممسكة برضيعتها، من البرد حينا ومن الخوف في معظم الأحيان فكتائب الجند التي اجتاحت المكان طغت على سكان القرية الـ130 فردا والذين جلهم من الأطفال والنساء، وأرباب اسرهم العاملين في تربية المواشي بمنطقة سهول وجبال والتي رغم امتدادها لمئات الكيلومترات، إلا أنهم يمنعون من التجول ورعي أغنامهم فيها، بعد أن أعلن الاحتلال المنطقة، منطقة عسكرية.

فاطمة المذعورة التي تحيط أطفالها، هبت لتزيح أغراض المنزل رغم تواضعها وشحها، فكل ما تملكه أسرتها من أنبوبة الغاز، وسرير الطفل، والملابس والبطانيات، والفرشات، والمخدات، وحتى الألعاب البلاستيكية التي أرسلت في إحدى إرساليات كمساعدات هي كل ما يملكون.

الطفلة الرضيعة تركت في سيارة معطوبة ومن دون دواليب حتى، جيء بها لتقي الأطفال من البرد في فصل الشتاء، شاركهم فيها أربعة حملان صغيرة هي ثروة للعائلة الفقيرة، خشي عليها أيضا أن تفنى في هذا اليوم، مشهد الأمان هذا رغم هشاشته لم يرق لجنود الاحتلال الذين اخرجوا الرضيعة ورفقائها من الحملان، وصادروا السيارة، وسط صيحات الرجال.

وفي الزاوية ووسط صراخ الجنود المراد به الترهيب، وعويل الأطفال والنساء، يحاول مسن افترش  الأرض بعد أن أثقلته السنين والعجز عن دفع الخطر، مواساة أطفال من بينهم طفلة بالت في ملابسها من هول الخوف والصدمة.

الخسائر باهظة بالنسبة لفلسطيني حمصة الفوقا، رغم أنها قد تكون اقل من تذكر للبعض الآخر، فقد هدمت

18 خيمة وكوخاً سكنياً، والـ 29 خيمة وملجأ للضأن (حوالي ألف رأس) وكذلك 10 حظائر أخرى للأغنام، و3 مخازن و9 خيام استخدمت كمطابخ، و10 مبان متنقلة للمنافع العامة، ولوحين شمسيين، و23 صهريج ماء، وأحواضاً ومعالف للأغنام، تم سكب المياه الباهظة الثمن، وتم إتلاف أكياس علف للأغنام. صودر من عائلة العواودة تراكتوران وسيارة سوبارو.

القطعان المذعورة استطاع بعض أرباب الأسر الهروب بها إلى التلال الواقعة خلفهم، لكن المشكلة هي كيف سيقي هؤلاء الحملان الصغيرة من البرد والضواري، وأين سيضعونها بعد أن هدم كل شيء، ومنذ 2018 اضطر سكان حمصة لإخلاء بلدتهم الصغيرة على الأقل 20 مرة بسبب تدريبات الجيش في المنطقة.

انتهت عاصف الهدم وغاب هدير الآليات ولم يبق إلا شاهد الحطام وأكوام الأنقاض الصامتة، وسط عويل النساء والأطفال، ومحاولات الرجال جمع ما نثر من أعلاف الحيوانات وطعام البشر وأغراضهم، يتدفق الصحفيين إلى المكان بعد أن خرج الجنود الذين منعوا حضورهم إلى المكان خلال الهدم.

وفي اليوم التالي يأتي مسؤولين حكوميين من السلطة الفلسطينية بثيابهم المنمقة والثمينة وحراساتهم، برفقة بعثة كبيرة من الاتحاد الأوروبي وممثليات الدول المختلفة، التقطت الصور وأطلقت المواقف والتصريحات المستهجنة للجريمة، يعقبها اتصال من الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف، ويقول بغضب أقولها لك يا وليد وأنا أعلم أنني على الهواء “يلعن أبوهم، يحلو عنا”.

هدم القرية حظي بتعاطف وإدانة من قبل الدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حيث شهدت زيارة لرؤساء بعثات وممثلين للوقوف على الدمار الذي خلفته الجرافات الإسرائيلية، مطالبين إسرائيل بوقف عمليات الهدم وتعويض المتضررين.

غاب الجميع عن المشهد مجددا وبقي من هدمت مساكنهم ويقول محمد أبو كباش، وهو أحد المواطنين الذين هدم لهم الاحتلال خيامه: “لقد دمروا كل شيء، لم نسترح بعد من عمليات الهدم السابقة، فقبل يومين هدم الاحتلال أيضا قرابة الأربعين منشأة بين خيام سكنية للسكان وحظائر، وأمهلهم يومين للرحيل عن المنطقة، واليوم أجهز الاحتلال على كامل الخيام.

ويضيف: “ما الجديد هنا؟ ألا يعرفون من هي إسرائيل؟ ألا يعرفون أنها تريد طردنا وجلب المزيد من المستوطنين بدلاً منا؟”.

ربما يعجبك أيضا