الملف الليبي بين إدارة بايدن والجوار الأوروبي

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

فيما يبدو خطوة مبكرة من إدارة الرئيس جو بايدن عقب إرسال إشارات حول توجهاتها إزاء الأزمة الليبية واللاعبين الإقليميين والدوليين المؤثرين فيها.

وترى الإدارة الجديدة أن وجود ليبيا أكثر استقراراً من شأنه أن يسهل إشراك دول شرق البحر المتوسط ​​بشأن القضايا الأكبر لاستكشاف الغاز واستغلاله، من خلال التعاون مع إسرائيل ومصر وقبرص واليونان في مواجهة تركيا، التي اتخذت موقفاً حازماً للغاية بشأن ادعاءاتها البحرية، وأدرجت ليبيا في دائرة نفوذها.

ليبيا في زمن ترامب

لم تكن الدبلوماسية الأمريكية تجاه الملف الليبي في بداية ولاية ترامب، مرضيةً للرأي العام المحلي، ولا لحلفاء واشنطن في أوروبا، الذين تضرروا من تداعيات الأزمة الليبية على أكثر من صعيد.

لكن التحرك الأمريكي، منذ منتصف العام الماضي، للضغط على الأطراف المحلية وحلفائها الداعمين لها من الخارج، لقي ترحيباً داخل ليبيا وخارجها، لإسهامه في دفع المسار التفاوضي في البلاد، الذي حقق تقدمات كبيرة في الآونة الأخيرة.

الأزمة الليبية

ففي ديسمبر الماضي قدرت الأمم المتحدة بأن هنالك نحو 20 ألفاً من المرتزقة والعسكريين الأجانب المنتشرين في ليبيا دعماً لمعسكري النزاع. وأحصت الأمم المتحدة 10 قواعد عسكرية تأوي جزئياً أو بشكل كامل قوات أجنبية في البلاد.

وما تزال روسيا تنفي أي مسؤولية لها عن وجود آلاف من عناصر مرتزقة فاغنر الروسية المنتشرة في شرق البلاد، وسط معلومات تفيد بسعي روسيا لإقامة قاعدة عسكرية هناك. وفي خطوة تبدو متناغمة مع موقف موسكو نفى ناطق باسم قوات حفتر وجود قوات فاغنر الروسية في مدينة سرت أو خارجها. أما اللاعب التركي فقد حاول استباق إدارة بايدن بتجديد الإذن لنشر قواته في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافية.

أما مصر، اللاعب الآخر المؤثر في الأزمة الليبية، فقد استبقت بدورها تغير اتجاه الرياح في واشنطن، وحاولت مد جسور التواصل مع حكومة الوفاق الوطني في غرب البلاد واحتضنت مصر جلسات حوار بين فرقاء الأزمة الليبية.

أوراق موازية

وفي ظل التعقيدات التي تواجه مساعي تسوية الأزمة الليبية، تبدو خيارات إدارة بايدن مفتوحة أيضا على أوراق لم تكن إدارة ترامب تضعها في أولويات أجندتها، ويتعلق الأمر بأوراق الجوار الليبي، سواء المغاربية أو الأوروبية.

فعلى الصعيد المغاربي، تبدو توجهات إدارة بايدن متناغمة مع مواقف العواصم المغاربية الثلاث في مسألة رفض التدخل الأجنبي في ليبيا، لكن يوجد تفاوت في مستويات أخرى. ففيما يبدو التطابق واضحا بين واشنطن وحليفتيهما الاستراتيجيتين الرباط وتونس اللتين احتضنتا جولات من الحوار الليبي، ينتظر الديبلوماسية الأمريكية حوار “معقّد” مع الجزائر الشريك “الضروري” للأمريكيين في الحرب على الإرهاب والأمن في جنوب الساحل والصحراء، لكنه شريك تربطه علاقات تحالف وثيقة مع الخصمين الروسي والصيني.

العامل الأوروبي

يبدو العامل الأوروبي، في منظور الإدارة الأمريكية الجديدة على قدر كبير من الأهمية في التعامل مع الأزمة الليبية. فمن حيث المبدأ تشدد إدارة بايدن على تنشيط الشراكة مع الأوروبيين وداخل حلف الناتو، بهدف إخراجها من منطقة الاضطراب التي خلفتها إدارة ترامب. ومن الناحية البراغماتية، فإن تحقيق أهداف الاستراتيجية الأمريكية في شمال أفريقيا ومن ورائها في العمق الأفريقي، يتم في منظور الإدارة الجديدة عبر التنسيق مع الشركاء الأوروبيين.

لكن تطورات الأزمة الليبية أظهرت طيلة السنوات الماضية أن الأوروبيين بدورهم ليسوا موحدي الهدف، ويبدو أن هذا الوضع يفتح المجال لإيطاليا – الجارة الشمالية لليبيا ومستعمرتها السابقة – في المقام الأول لنسج أولى حلقات سلسلة التنسيق والتعاون الأطلسي في الملف الليبي، وهو ما وضح من المحادثات الهاتفية التي أجراها أنتوني بلينكن مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، الذي سارع إلى إعلان اتفاقه مع إدارة بايدن بتجميد صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات.

وبخلاف فرنسا التي تدهورت علاقتها مع ليبيا على خلفية دورها في هجمات الناتو التي أدت إلى إسقاط نظام القذافي، حافظت ألمانيا على علاقات دافئة مع طرابلس وتلعب دورا محوريا في التعاون على الأصعدة الاقتصادية والأمنية، واحتضنت مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية .

وتبدو برلين التي كانت على خلاف شديد مع إدارة ترامب، مرشحة بدورها لمواصلة لعب دور نشيط في تسوية الأزمة الليبية. وسيكون الملف الليبي في صلب المحادثات التي تجريها وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارنباورمع نظيرها التركي خلوصي آكار بالإضافة إلى النزاع البحري بين اليونان وتركيا.

وشكل الملف الليبي في السنوات الأخيرة نقطة خلاف بين أنقرة وبرلين. إذ كانت وزيرة الدفاع الألمانية قد دافعت عن تفتيش الجيش الألماني لسفينة شحن تركية في إطار مهمة الاتحاد الأوروبي ضد تهريب أسلحة إلى ليبيا، وقالت: “فعلوا ذلك في إطار ما تطلبه منهم المهمة الأوروبية ‘إيريني'”.

ربما يعجبك أيضا