النفط وصناديق التحوط.. انتعاشة بالأفق أم سيناريو صادم!

كتب – حسام عيد

منذ أن ظهرت جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19″، وفرضت ظلالها القاتمة، حملت معها عاصفة على أسواق النفط العالمية تحديدًا، تشتد تارة، وتهدأ تارة، وعرفت معها الأسعار تقلبات شديدة، فمع الموجة الأولى، تراجع برميل النفط الخام “خام برنت” دون الـ20 دولارًا في جلسة الأربعاء 22 أبريل 2020، بينما هوى سعر برميل النفط الأمريكي “نفط غرب تكساس الوسيط” دون الصفر في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، وذلك مع انهيار الطلب العالمي مع دخول العالم حالة الإغلاق التام والتدابير الوقائية الصارمة لاحتواء تفشي كورونا، ليلمس بعدها النفط تحسنًا ملحوظًا، بل وتجاوز الـ40 دولارًا في بعض الجلسات مع نهاية موجة الفيروس التاجي المستجد الأولى.

ومع دخول العالم سريعًا الموجة الثانية من كورونا، والتي شهدت ظهور سلالات جديدة متحورة من “كوفيد-19″، زادت توقعات المؤسسات الدولية السلبية بشأن الطلب العالمي على النفط، وبقاء الأسعار متقلبة ما بين الـ40 والـ50 دولارًا.

ورغم تداعيات كورونا وإضرارها بالطلب العالمي على النفط، حاول تحالف “أوبك +” عبر جهود حثيثة بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا الحفاظ على استقرار السوق النفطية ودعم الأسعار عبر اتفاق خفض الإنتاج، الأمر الذي ساهم في تجاوز سعر برميل النفط من خام برنت الـ60 دولارًا للمرة الأولى في أكثر من عام.

ووسط الانتعاشة الملموسة في أسعار النفط اليوم، طفت على السطح مجددًا صناديق التحوط، محاولة الرهان على قفزة في أسعار النفط خلال الفترة المقبلة مع التركيز على عدم قدرة عدد كبير من الشركات على زيادة الإنتاج خلال الفترة المقبلة بفعل تبعات الجائحة لعدة سنوات مقبلة ما من شأنه أن يحدث حالة من التوازن بين العرض والطلب. فهل فعلًا سنرى طفرة سعرية أم سنتابع سيناريو صادم بأسواق النفط؟!.

برنت فوق 60 دولارًا

وقد تجاوزت العقود الآجلة لخام برنت سعر الـ60 دولارًا للبرميل لأول مرة في أكثر من عام، بجلسة يوم الإثنين الموافق 8 فبراير 2021، مدعومة بآمال انتعاش اقتصادي وقيود على الإمدادات من جانب مجموعة المنتجين التي تضم أوبك وحلفاءها.

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت في بورصة لندن 1.2%. وارتفعت عقود تسوية أبريل بما يعادل 69 سنتًا إلى 60.03 دولار للبرميل في بورصة “ICE” الأوروبية للعقود المستقبلية، وهو أعلى مستوى للنفط منذ 26 يناير 2020، وفقا لحسابات وكالة “بلومبيرج”.

وارتفعت عقود خام تكساس تسوية شهر مارس، بنسبة 1.2% إلى 57.53 دولار للبرميل، في بورصة نيويورك التجارية بعد مكاسب بلغت 1.1% يوم الجمعة 5 فبراير الجاري.

ورفعت أرامكو أسعار البيع الرسمية للخام العربي الخفيف الذي تنتجه إلى شمال غرب أوروبا في مارس 1.40 دولار للبرميل عن الشهر السابق.

وتمسكت “أوبك” وحلفاؤها، في إطار مجموعة أوبك+، بسياستهم لكبح الإمدادات في اجتماع يوم الأربعاء 3 فبراير الجاري. وساعدت تخفيضات “أوبك+” غير المسبوقة في رفع الأسعار من مستويات متدنية قياسية في العام الماضي.

صناديق التحوط وسعر الـ80 دولارًا

وكعادتها في الفترة الأخيرة، تحاول صناديق التحوط اقتناص واستغلال الفرص، ورغم ما تكبدته من خسائر فادحة جراء المراهنة على انهيار سهم شركة “جيم ستوب” الأمريكية لألعاب الفيديو والإلكترونيات في بورصة وول ستريت، تعود مجددًا، ولكن هذه المرة عبر سوق النفط بآمال جني مكاسب كبيرة من خلال الرهان على قفزة في أسعار النفط خلال الفترة المقبلة مع التركيز على عدم قدرة عدد كبير من الشركات على زيادة الإنتاج خلال الفترة المقبلة بفعل تبعات الجائحة الوبائية “كوفيد-19” لعدة سنوات مقبلة ما من شأنه أن يحدث حالة من التوازن بين العرض والطلب.

ويأتي التغير في نظرة صناديق التحوط حيال التوجهات المستقبلية لأسعار الخام بعد رهان تلك الصناديق على تراجع الأسعار العام الماضي مع بداية موجات الإغلاق التي اتخذتها الحكومات حول العالم ما جعل تلك الصناديق تحقق مكاسب تبلغ نحو 26.8% بحسب بيانات شركة الأبحاث “إي فيستمنت eVestment”، التي استعرضتها شبكة “CNBC” الأمريكية في تقرير لها.

وارتفعت أسعار خام برنت القياسي بنحو 59% منذ مطلع نوفمبر الماضي بعد توالي الأنباء حول التوصل إلى لقاحات عالية الفاعلية في مواجهة فيروس كورونا، ما سمح للأسعار باتخاذ اتجاه صعودي منذ ذلك الحين؛ إذ لامست أسعار الخام الأسبوع الماضي مستويات 60 دولار للبرميل وهي المستويات السعرية للخام ما قبل الجائحة التي ضربت الاقتصاد العالمي في وقت سابق من مطلع العام الماضي.

ويرسم عدد من كبار مديري صناديق التحوط حول العالم صورة وردية حيال مستقبل أسعار الخام؛ إذ قال ديفيد تاويل الشريك المؤسس في صندوق تحوط “Maglan Capital” إنه بحلول الصيف المقبل ومع ارتفاع وتيرة التلقيح ضد فيروس كورونا ومع ارتفاع الطلب على السفر فإن أسعار الخام ستشهد تعافيًا قويًا.

ويتوقع “تاويل” أن تتراوح أسعار الخام ما بين 70 و80 دولارًا للبرميل بنهاية العام الجاري وهو الاعتقاد الذي جعل من صندوقه الاستثماري يتوجه نحو الاستثمار بقوة في الأدوات الاستثمارية للشركات المنتجة للنفط والغاز.

فيما يقول رئيس صندوق “Westbeck Capital” للتحوط إن شركات النفط ستشهد عودة كبيرة خلال الفترة المقبلة مع مؤشرات على اتجاه صاعد في أسواق النفط العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة.

وفي تلك الأثناء، تواصل صناديق التحوط قنص الفرص الاستثمارية المتاحة في شركات النفط العالمية؛ إذ رفعت الصناديق حيازتها في شركات النفط الأمريكية الكبرى على غرار “إكسون موبيل، كونوكو فيليبس، وشيفرون”.

وختامًا، تأتي توجهات صناديق التحوط حيال الرهان على ارتفاع أسعار النفط في وقت حذرت فيه وكالة الطاقة الدولية في يناير الماضي من أن ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا سيؤدي إلى تضرر الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري مع نظرة تشاؤمية حيال التعافي الكامل للطلب على الطاقة وهو الأمر الذي لا تتوقع الوكالة حدوثه قبل العام 2025.

وفي الأوضاع الطبيعية، يسمح ارتفاع أسعار النفط للشركات المنتجة للنفط بزيادة الإنتاج ولكن توجهات المستثمرين حيال ضخ السيولة في شركات الطاقة الصديقة للبيئة وحذر المصارف في إقراض تلك الشركات يجعل من عملية زيادة الإنتاج معضلة كبيرة، وفق عدد من مديري صناديق التحوط وكبار المستثمرين.

ربما يعجبك أيضا