بسلاح مكافحة الاحتكار.. الصين تعلن الحرب على عمالقة التكنولوجيا

ولاء عدلان
علي بابا

كتبت – ولاء عدلان

في حملة لكبح جماح عمالقة التكنولوجيا، أعلنت السلطات الصينية مطلع الأسبوع الجاري، عن دخول مشروع قانون مكافحة الاحتكار حيز التنفيذ لاستئصال الممارسات الاحتكارية في صناعة الإنترنت عبر سلسلة من القيود تتعلق بما أطلقت عليه “ممارسات احتكارية”.

هذه القيود ستمثل ضغوطا جديدة على عمل علامات شهيرة في عالم الإنترنت في الصين، مثل “تي مول” و”تاوباو” التابعين لـ”علي بابا”، و”جيه.دي.كوم”، وستشمل الخدمات المالية لـ”آنت جروب” و”وي تشات باي”.

قانون لتقييد عمالقة التكنولوجيا

كشفت هيئة تنظيم السوق في الصين الأحد الماضي، عن توجيهات جديدة خاصة بمشروع قانون مكافحة الاحتكار تستهدف بشكل خاص شركات التكنولوجيا، وذلك بعد 3 أشهر فقط من صدور مشروع القانون، ما يؤكد الرغبة الملحة لدى السلطات في تنظيم أو لنقل تقييد عمل هذه الشركات.

وقالت الهيئة في بيان: إن التوجيهات الجديدة ستوقف السلوكيات الاحتكارية في اقتصاد المنصات الإلكترونية وستحمي المنافسة العادلة في السوق، موضحة أنها ستمنع الشركات من التلاعب في الأسعار وتقييد التقنيات أو استخدام البيانات والخوارزميات للتلاعب في السوق.

وأضافت: أن السلوكيات الاحتكارية المشتبه بها في اقتصاد المنصات ظهرت خلال السنوات الأخيرة حيث أصبح الأقوياء أقوى، ما دفع وكالات إنفاذ القانون على مستوى العالم لاتخاذ خطوات لتكثيف الرقابة على شركات التكنولوجيا، لا سيما الكبرى منها، لافتة إلى أن الصين تنفذ قواعد مكافحة الاحتكار لخلق بيئة سوقية عادلة وتنافسية.

القانون الجديد عبارة عن قواعد صارمة لمنع مجموعة من الممارسات الاحتكارية في سوق الإنترنت، كتبادل البيانات الحساسة للمستهلكين وتشكيل تحالفات للضغط على المنافسين الصغار، ودعم الخدمات الأقل تكلفة للتخلص من المنافسين.

كما يحظر القانون إجبار التجار على الاختيار من بين الشركات الكبرى على الإنترنت، للحصول على خدمة ما، هذا على الرغم من أن هذه الممارسة متبعة منذ وقت طويل، ولا تشكل احتكارا في وقت يمكن للمستخدم سواء كان فرد أو شركة الاختيار بين مجموعة كبيرة من الشركات التي تقدم خدماتها عبر الإنترنت.

المواجهة بدأت قبل ذلك

خلال الأشهر الأخيرة من 2020 توجهت السلطات الصينية لتشديد الرقابة على عمالقة التكنولوجيا، وتعهدت أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب الشيوعي الحاكم، بتعزيز جهود مكافحة الاحتكار بحلول عام 2021، وفي نوفمبر الماضي خرج قانون مكافحة الاحتكار إلى النور، وبعدها بشهر واحد فقط بدأ المنظمون في تحقيق موسع مع مجموعة “علي بابا” الشهيرة، بعد تعليق اكتتاب بنحو 37 مليار دولار لشركة “آنت جروب” التابعة لرائدة التجارة الإلكترونية التي أسسها الملياردير “جاك ما” أحد أهم الشخصيات في الصين.   

وأعلنت “علي بابا” الأسبوع الماضي – بحسب ما ذكرته “بلومبيرج”- أنها شكلت فريقا خاصا لإجراء مراجعات داخلية لتكييف أوضاعها مع القواعد الجديد، وأنها تتواصل مع المنظمين بشأن الامتثال لهذه القواعد، مؤكدة أن التحقيقات ما زالت مستمرة معها في قضايا تتعلق بممارسات احتكارية.

يذكر أن هذه التحقيقات كلفت “علي بابا” نحو 130 مليار دولار من قيمتها السوقية.

و”علي بابا” ليست وحدها في هذه المعركة مع السلطات، هناك أيضا شركات مثل “فيبشوب هولدينجز” لمتاجر التجزئة في نهاية العام الماضي تم تغريمها نحو 464 ألف دولار بسبب المنافسة غير العادلة، وفي ديسمبر الماضي غرمت السلطات Tencent جروب نحو 500 ألف يوان جراء عملية استحواذ مضى عليها عامان.

تجدر الإشارة هنا إلى أن “جاك ما” مؤسس “علي بابا” يخضع لرقابة السلطات الصينية حاليا، وكان قد أختفى عن الأنظار لنحو 3 أشهر عقب مشاركته في 24 أكتوبر الماضي في مؤتمر أعمال بشنجهاي وانتقاده للنظام المالي الصيني ووصفه بأنه عفا عليه الزمن ويخضع لسيطرة “ناد من العواجيز”.

ماذا وراء حملة التضيق على شركات التكنولوجيا؟

لسنوات طويلة انتهجت السلطات الصينية سياسة عدم التدخل في عمل عمالقة التكنولوجيا لديها، بل أنها وفرت دعم لا محدود لهذا القطاع، ما ساعد على نموه سريعا وتوسعه في مجالات عدة مثل  التجارة الإلكترونية والخدمات المصرفية وصناعة الإلكترونيات فلولا دعم الدولة ما كانت مدينة تشنغتشو اليوم هي أكبر قاعدة إنتاجية للعملاقة “آبل”. 

وفي حين تحظر الدولة خدمات “فيسبوك” و”تويتر” حرضت على تطوير البرامج والخدمات الإلكترونية، فازدهرت تطبيقات مثل “WeChat” وWeibo كشبكات اجتماعية صينية خالصة.

الآن ماذا تغير؟.. لا أحد يعرف على وجه التحديد -كما تقول “بلومبيرج” في تحليل نشرته منذ يومين- قررت السلطات الصينية على نحو مفاجئ تقييد عمل عمالقة التكنولوجيا تحت عنوان المستهلكين والحفاظ على الاستقرار المالي، في خطوة قد يكون هدفها تأكيد سلطة الدولة الرقابية، خاصة بعد تبجح بعض المليارديرات من رواد صناعة التكنولوجيا على الدولة كـ”جاك ما”.

وفي نوفمبر الماضي خرجت الأنباء لتؤكد أن الرئيس شي جين بينغ كان غاضبًا من خطاب “جاك ما” وانتقاداته للنظام المالي، وأن قرار وقفت اكتتاب “آنت جروب” جاء مباشرة من الرئيس لعقاب “ما”، ومن المعروف أن “شي جين” لديه انحياز كامل لدور الدولة في الاقتصاد وتركيز النفوذ الاقتصادي في يد الحكومة، وسبق أن قام بتحجيم دور عدد كبير من رجال الأعمال في حملة لمكافحة الفساد خلال الفترة من 2016 إلى 2018.

إذا القيادة الصينية ترغب في تلقين رواد قطاع التكنولوجيا لديها درسا عبر قانون مؤلم للاقتصاد والأسواق كان الإعلان عنه في نوفمبر الماضي كفيلا بمحو 290 مليار دولار من قيمة شركات هذا القطاع السوقية بما فيهم “علي بابا” و”تينسنت” خلال يومين فقط، وفي الواقع المكاسب الفلكية والنفوذ الغير محدود لشركات التكنولوجيا عموما وليس في الصين وحدها جعل أنظار المشرعين تتجه إليها خلال السنوات القليلة الماضية، ففي العام الماضي مثلا استدعى الكونجرس الأمريكي رؤساء “آبل” و”فيسبوك” و”أمازون” و”جوجل” للرد على اتهامات تتعلق بممارسات احتكارية، وفي أوروبا عبرت بروكسل نهاية 2020 عن قلقها حيال نفوذ هذه الشركات واعتبرته يهدد المنافسة والديمقراطية، وأصدرت مسودة قوانين لتنظيم سوق الإنترنت تشمل غرمات ضخمة تصل إلى حد حظر العمل داخل الكتلة الأوروبية.

من وجهة نظر أصحاب هذه الشركات والمدافعين عنها، هي من أفضل الأمور التي حدثت خلال العقد الماضي، إذ ألغت الفواصل الجغرافية ووفرت للمستهلكين حول العالم خدمات لا محدودة الكثير منها بشكل مجاني، فضلا عن مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات فائقة الجودة بأسعار معقولة، وبالنسبة لأرباحها الفلكية فهي تنفق جزءا كبيرا منها على جهود البحث العلمي والابتكار من أجل الاستمرار.. الأهم من ذلك أنه لا سبيل للرجوع إلى الوراء فكل ما قد تواجهه هذه الشركات في المستقبل القريب هو بعض القيود التنظيمية التي ستتغلب عليها مع الوقت. 

ربما يعجبك أيضا