الطائرة الأوكرانية المنكوبة.. ادعاءات الحرس الثوري تكشف الحقيقة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تصريحات متناقضة وتسجيلات مُسربة تشير إلى احتمالية قتل ضحايا الطائرة الأوكرانية عمدًا من قبل السلطات الإيرانية، تزامنًا مع هجماتها ضد أهداف أمريكية في العراق، الأمر الذي قد يحيل كبار المسؤولين الإيرانيين للتحقيق وهو الأمر الذي تنفيه طهران دومًا وتتحجج بوجود خطأ بشري وراء إسقاط الطائرة المنكوبة التي راح ضحيتها 176 راكبًا بداية العام الماضي، فهل يساق المسؤولين عن إسقاط الطائرة للمحاكمة؟ أم ستتمادى طهران بتقدم مبرراتها لحماية مسؤوليها من المحاكمة؟

الحرس الوطني يكذب

في أول محاولاتها لتبرئة موقفها من التسبب عمدًا في إسقاط الطائرة، أعلن الحرس الثوري أنه طالب بإغلاق المجال الجوي ليلة الهجوم في الثامن من يناير 2020، وهو ما نفاه رئيس منظمة “الطيران المدني” الإيرانية تورج دهقاني زنغنه، الذي أكد أنه لم يكن مقررًا إغلاق سماء البلاد ليلة استهداف قاعدة عين الأسد في العراق.

جاءت تصريحات زنغنه، بحسب ما أفادت شبكة “إيران انترناشيونال” بعدما أعلن أمير علي حاجي زاده، قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، في وقت سابق، أنه قدم عدة طلبات لإغلاق المجال الجوي في البلاد، نظرًا لحالة التأهب التي كانت تمر بها البلاد، خشية وقوع هجمات محتملة.

وتساءل زنغنه: “وهل بإمكان منظمة الطيران المدني إغلاق الأجواء؟ ذلك يتطلب تقديم طلب إغلاق إلى منظمة الطيران، ثم تقوم الأخيرة وبناء على القوانين بتقديم الطلب إلى الحكومة”.

وأضاف زنغنه، قائلا إن التنسيق كان في أعلى مستوياته بين السلطات الإيرانية ليلة إطلاق صاروخين على الطائرة التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية (بي إس 752) التي كانت تقل 176 راكبًا بينهم إيرانيين وجنسيات أجنبية، 8 يناير 2020، بعد دقائق من مغادرتها مطار الخميني بالعاصمة طهران.

وفي ذات السياق، كانت رابطة أسر ضحايا الطائرة الأوكرانية قد احتجت مرارًا على عدم إغلاق ومنع الرحلات المدنية في تلك الليلة، في ظل التوترات القائمة بين واشنطن وطهران.

من أسقط الطائرة؟

تأتي تلك التصريحات من جانب مسؤول إيراني رفيع بقطاع الطيران؛ فيما كانت سلطات بلاده تتذرع بوجود خطأ بشري أدي لإطلاق صاروخين باتجاه الطائرة المدنية وإسقاطها ومقتل جميع ركابها.

وكان أمير علي حاجي زاده، قائد سلاح الجو في الحرس الثوري، قد لفت إلى أن بلاده أطلقت صواريخ باتجاه قاعدة عين الأسد التي تضم قوات أمريكية في العراق، مشيرًا إلى أنه كان هناك 400 صاروخ آخر جاهز للإطلاق، وسط استعدادات من جانب الحرس الثوري لمزيد من الاشتباكات في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني بضربة أمريكية، حسب قوله.

الجدير بالذكر أن عائلات الضحايا وحكومتا كندا وأوكرانيا اعتبروا أن إسقاط الطائرة المدنية جريمة متعمدة، ودعت تلك الأطراف لإجراء تحقيق شامل بهدف محاسبة الجناة في هذه القضية.

واتهم ناشطون حقوقيون المرشد الإيراني علي خامنئي بالتورط في جريمة إسقاط الطائرة الأوكرانية باعتباره أعلى سلطة سياسيًا وعسكريًا في إيران، وفقا للدستور.

وطالبت رابطة ضحايا الطائرة الأوكرانية عبر حسابها في موقع “تويتر” مؤخرًا، بمحاكمة الجنرال أمير علي حاجي زاده، والإفراج عن المعتقلين من ذوي ضحايا الطائرة المعتقلين في إيران.

في المقابل، طالب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بـ”الشفافية” لإجراء “تحقيق تام ومعمق” حتى يتم تحديد المسؤوليات، بينما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى معاقبة المذنبين ودفع تعويضات.

قتل الضحايا عمدًا

وفي مفاجئة مدوية، ظهر تسجيل مُسرب منسوب لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بدا أنه يرجح فيه إمكانية إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية أوائل العام الماضي “عمدا جراء عملية تخريبية”.

وردًا على ذلك، قال ظريف في تغريدة: “بعد مأساة الطائرة الأوكرانية، أصررت أنا وغيري على ضرورة التحقيق في جميع الاحتمالات، بما في ذلك احتمال التسلل الخارجي أو التدخل الإلكتروني، ومع ذلك فإن التسجيل مزيف. تم تحديد السبب على أنه خطأ بشري، وإيران ملتزمة بتحقيق العدالة لجميع الضحايا”.

من جانبه، أرسل مكتب المدعي العام الأوكراني طلبًا إلى كندا لاستلام الوثائق المتعلقة بتحطم طائرة بوينج الأوكرانية والشريط المتعلق بالتصريحات المنسوبة إلى وزير الخارجية الإيراني في هذا الصدد.

وجاء ذلك بعد تقرير نشرته شبكة “سي بي إس – كندا”، وقالت فيه إن الحكومة الكندية والوكالات الأمنية تراجع تسجيلا صوتيا لرجل أكدت المصادر أنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وناقش فيه احتمالية أن يكون تدمير طائرة الرحلة “بي إس 752” عملًا متعمدا. وسمع الشخص، الذي حددته المصادر بأنه ظريف، وهو يقول في التسجيل إن هناك “ألف احتمال” لتفسير إسقاط الطائرة.

ولا يزال التسجيل المُسرب قيد التحقيقات لتحديد ما إذا كان هناك تعمد لقتل الضحايا أم خطأ بشري كما تزعم إيران، التي اعترفت بعد أسبوع من تحطم الطائرة بوجود خطأ بشري تسبب في تحطم الطائرة الأوكرانية والتسبب في مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176.

توترات خلفت الكارثة

تزامنت الكارثة في ذروة التوترات الشديدة بين الأمريكيين والإيرانيين، والتي تفاقمت بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أمريكية في بغداد في 3 يناير 2020، وتعهدت إيران حينها بالانتقام لمقتله فأطلقت قواتها المسلحة صواريخ على قاعدتين تضمان عسكريين في العراق قبيل تحطم الطائرة الأوكرانية.

وكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني في تغريدة “التحقيق الداخلي للقوات المسلحة خلص إلى أن صواريخ أطلقت للأسف عن طريق الخطأ أدت إلى تحطم الطائرة الأوكرانية”، متحدثا عن “مأساة كبرى وخطأ لا يغتفر”، لكنه لم يقدم إطار زمني لمحاكمة المسؤولين المتسببين بالكارثة.

وتعد هذه أسوأ كارثة شهدها قطاع الطيران المدني في إيران منذ مأساة طائرة الإيرباص التابعة لشركة “إيران إير” التي أودت بحياة 290 شخصًا وأكد الجيش الأمريكي أنه أسقطها عن طريق الخطأ عام 1988.

ولا تزال الكارثة تعصف بأهالي الضحايا الذين نظموا وقفة احتجاجية بالأمس أمام محكمة طهران، مطالبين بمحاكمة قائد القوات الجوية للحرس الثوري، فهل تخضع طهران لتقديم قائد حرسها للمحاكمة؟ أم ستكتفي بتقديم آخرين لتهدئة الاحتجاجات والمطالبات الدولية بإجراء تحقيق شامل؟ لعل الأيام القادمة ستظهر ما وراء التسريبات وما قد ينفض عنها من حقائق بشأن الطائرة المنكوبة.

ربما يعجبك أيضا