حرب بلا أفق.. أزمة تواجه ماكرون في الساحل الإفريقي

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

يبدو أن الرئيس الفرنسي عدل عن خفض عديد القوة الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي «على الفور» بعد تصريحاته الأخيرة التي حذر فيها من أن سحب القوات الفرنسية والتي تخوض حرباً بلا أفق في منطقة الساحل منذ 2013، سيضعف جهود مالي​ والنيجر​ وبوركينا​ فاسو لمواجهة الجماعات المسلحة، داعيا إلى القضاء على المجموعات الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة​ التي لا تزال تشكل تهديدا لهذه المنطقة.

وعلى الرغم من مقتل عدد من الجنود الفرنسيين قبل أسابيع في الساحل الأفريقي، تعتقد باريس بأنها حققت نتائج عسكرية مهمة، وتتوقع أن تعيد السلطات المالية نشر نفوذها في مناطق واسعة خسرتها سابقا، لكن يبدو أن الرأي العام الفرنسي يخالف هذا الاعتقاد.

france macron

صفعة الحلفاء.. ونفاذ صبر الفرنسيين

رغم حديث ماكرون عن «نتائج عسكرية مهمة» بدا العديد من الداعمين الدوليين وحتى بعض المسؤولين الفرنسيين «محبطون» من خطط ماكرون. آخر هذه المواقف كان الموقف الألمانية الرافض لنشر قوات عسكرية ألمانية في الساحل الأفريقي والتأكيد على دعم الجهود الأممية على نشر السلام والأمن في المنطقة، علما بأن برلين لا تشارك في المهمة القتالية، ولكنها بدلاً من ذلك تشارك تدريب القوات المسلحة المالية بحوالي 100 جندي وتشارك مع ما يقرب من 1000 جندي آخر في مهمة «مينوسما» التابعة للأمم المتحدة، والتي تهدف إلى المساعدة في استقرار البلاد.

أما الداخل الفرنسي، فللمرة الأولى منذ بدء عملية سيرفال في كانون الثاني/يناير 2013 والتي حلت عملية برخان محلها في 2014، لم يعد نصف الفرنسيين (51 في المئة) يدعمون هذا التدخل، وفق استطلاع لايفوب .

تحت عنوان « فرنسا تواجه المستنقع المالي» عنونت صحيفة «لوموند» افتتاحيتها الأربعاء، معتبرة أن العمليات التي نفذت في الساحل «كفت بالتأكيد أيدي العديد من القادة الجهاديين، لكنها لم تحل دون تصاعد العنف بحق المدنيين وتحقيق اختراقات للإسلاميين في مالي».

فيما رأى باستيان لاشو، النائب عن حزب «فرنسا المتمردة» اليساري أن «الكلفة البشرية والمالية للعملية لا تقاس بالفوائد التي تجنيها»، مؤكدا أن «أي اعتداء على الأراضي الفرنسية لم يتم تدبيره من منطقة الساحل الصحراوية».

تعويل على الدعم الأمريكي

تعول فرنسا كثيرا على الدعم اللوجستي والاستخباراتي الأمريكي في عهد الرئيس جو بايدن، في ظل الإخفاقات الفرنسية المتتالية في فرض السيطرة على المنطقة، وتراجع هذا الدور -الأمريكي- خلال السنوات الأخيرة، إذ لم تعد أفريقيا أولوية في نظر البنتاجون.

القوات الأمريكية تقدم للدول الأعضاء في مجموعة دول الساحل الخمس الدعم الحاسم والمعلومات والنقل والإمدادات، وهو ما سعت باريس وحلفائها إلى إقناع واشنطن «مستنقع» الساحل الأفريقي.

ولطالما سعت باريس -القوة الاستعمارية في المنطقة في السابق- لإقناع شركائها الأوربيين والأمريكيين بضرورة تقاسم الأعباء العسكرية، في حرب استمرت لثماني سنوات وحتى اللحظة لم تنجح في الحسم، بل وتكبدت في سبيل ذلك عشرات القتلى فضلا عن مليارات الدولارات.

فكرة ماكرون كانت تقول «تخلصوا من الإرهابيين، وبعد ذلك يمكن انتشار الدولة، لكن في الحقيقة هذا لا يحدث» بحسب مراقبين، ورغم الادعاء بتحقيق انتصارات ضد الجماعات المسلحة، إلا أن الأمور لم تعد إلى طبيعتها.

فضلا عن تصاعد مشاعر العداء لفرنسا في الساحل الإفريقي ، وهي إحدى القضايا التي وعد ماكرون بمعالجتها، لكن لم تتحسن. وبرز مزيد من الخلاف بعد رغبة بعض القادة في التفاوض مع الجماعات المسلحة بعد فشل الخيارات العسكرية، وهو ما ترفض فرنسا طرحه.

تقزم الدور الفرنسي

بحسب جود ديفيرمونت، مدير مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، فإن الوضع في منطقة الساحل ساء بشكل واضح خلال العام الماضي، وأن مبادرات قمة باو التي تم تضخيم نتائجها إعلامياً، كانت مخيبة للآمال.

الأداء الفرنسي «الهزيل» في عهد ماكرون، يبدو جليا في الأزمة اللبنانية، رغم زياراته للعاصمة بيروت ولقائه بكبار المسؤولين وقادة الأحزاب في أعقاب تدمير ميناء بيروت، حيث صال وجال وهدد زعماء لبنان بإنزال العقوبات وأعطي مهلة للمصالحة السياسية، ولكن لم يقم أحداً وزناً لتهديدات ماكرون.

وزادت التطورات من انكشاف الدور الفرنسي في لبنان والمنطقة عموماً. كان ماكرون يتطلع إلى لبنان كـ«بوابة» لاستعادة هذا الدور، لكنّه إختار الرهان على ساحة لا يُراهن على زعمائها كل ذي عقل سليم.

ظهر ضعف الأداء الفرنسي في شرق المتوسط وليبيا وحتى منطقة الساحل الأفريقي رغم انتشار أكبر عملية عسكرية فرنسية في الخارج تشكلها قوة برخان التي تضم 5100 عنصر بهدف التصدي للجماعات الجهادية ومحاولة مساعدة الدول على استعادة سلطتها في منطقة شبه صحراوية مترامية.

ربما يعجبك أيضا