انتقادات «بايدن» للصين.. صدام خفي مع الخصم الأكثر شراسة

دعاء عبدالنبي

كتبت –  دعاء عبدالنبي

علاقات متباينة وتناقضات جلية في العلاقات بين بكين وإدارة بايدن، فقد كان الحديث عن نهج دبلوماسي لحل الخلافات إلا أن الإبقاء على سياسات ترامب وانتقاد الرئيس جو بايدن الأخير لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، تشير إلى صدام خفي بين الجانبين، أوضحته المكالمة الأخيرة بينهما لكن في باطنها مصالح وشراكات قد تقتضي  البحث عن مجال للتعاون بينهما بدلًا من الدفع باتجاه حرب كارثية، فهل تأتي تحذيرات بايدن لتقلب الطاولة؟ أم تصبح ذوبعة فنجان تذيبها المصالح المشتركة!.

انتهاكات بلا حدود

تواجه الصين اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان والتي تتسم بقمع منظم للمعارضة ومحاكمات غير عادلة واعتقالات تعسفية بحق النشطاء والمعارضين تحت ذريعة “مكافحة النزعة الانفصالية” أو “مكافحة الإرهاب”، خاصة في منطقة شينجيانج ، والمناطق التي يسكنها أهالي التبت (“منطقة التبت”)، وتعرَّض أفراد من جماعتي “الإيغور” و”الكازاخيين” وغيرهما من الجماعات العِرقية ذات الأغلبية المسلمة في منطقة شينجيانج للمراقبة الحثيثة، والاحتجاز التعسفي، وإعادة التأهيل العقائدي القسري على أيدي السلطات.

وبحسب ما نقلته وثائق مسربة لصحيفة “نيويورك تايمز” وردت فيها تفاصيل عن حملة القمع في منطقة شينجيانغ وإطار المنشآت التي يتعرض فيها مئات الآلاف من أبناء الأقليات العِرقية ذات الأغلبية المسلمة لعمليات غسيل الدماغ وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة، وتتطابق الأوصاف الواردة في هذه الوثائق مع شهادات تلقتها منظمة العفو الدولية من معتقلين سابقين وأشخاص يقيمون في الخارج

ووفقا للتقرير العالمي 2020 لمنظمة هيومان رايتس ووتش، فإن الحكومة الصينية تشن هجوما مكثفا على النظام العالمي للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث أنشأت الحكومة الصينية دولة رقابة واسعة في مسعاها لتحقيق السيطرة الاجتماعية الكاملة، وتستخدم الآن نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي بشكل متزايد لدرء الجهود العالمية لمحاسبتها على قمعها.

صفعة بايدن للصين

في أولى تصريحاته الرسمية الموجهة للصين، تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، مُحذرًا من تعامل بكين مع الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانج، لافتًا إلى أنه سيكون هناك تداعيات على الصين بسبب تلك الانتهاكات التي يدركها جيدًا الرئيس الصيني، على حد قوله.

وفي معرض حديثه، أكد بايدن على سعي الولايات المتحدة مُجددًا لتأكيد دورها العالمي في الدفاع عن حقوق الإنسان، مُضيفًا أنه سيعمل مع المجتمع الدولي لحمل الصين على حماية تلك الحقوق.

وتابع بقوله : “الصين تسعى جاهدة لأن تصبح زعيمة عالمية ولكي تحصل على هذا اللقب وتكون قادرة على فعل ذلك عليها أن تكسب ثقة الدول الأخرى”. مشيرًا إلى أنهم “طالما يمارسون نشاطا يتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية فسيكون من الصعب عليهم القيام بذلك”.

كما أبدى بايدن قلقه من الممارسات التجارية “القسرية وغير العادلة” التي تقوم بها بكين وبشأن قضايا حقوقية مثل حملتها في هونج كونج واعتقالات شينجيانج وغيرها من الإجراءات في آسيا بما في ذلك تجاه تايوان التي تقول الصين إنها جزء من أراضيها.

يذكر أنه خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الصيني استغرقت ساعتين هذا الشهر شدد بايدن على أن الولايات المتحدة تعطي أولوية للحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادي حرة ومفتوحة وهي المنطقة التي تمثل تنافسا رئيسيًا واستراتيجيًا بين الولايات المتحدة والصين.

علاقات متباينة

تأتي المكالمة الأخيرة بين بكين وإدارة بايدن لتعكس احتمالات وجود صدام بين الطرفين، وأن العلاقات بينهما ليست في أفضل حال مما كانت عليه في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

اتضح ذلك جليًا، بوجود تضارب في روايتي الطرفين في شأن ما جاء في المكالمة الهاتفية. فبحسب البيت الأبيض، فإن المكالمة كانت قوية وشاملة، إذ أكد بايدن قلقه في شأن الممارسات الاقتصادية القسرية وغير العادلة في بكين، والقمع في هونج كونج والانتهاكات الحقوقية في شينجيانج، والإجراءات الحازمة المتزايدة في المنطقة، بما في ذلك ضد تايوان.

وعلى جانب آخر، قالت وسائل الإعلام الصينية إن المكالمة تبعث بإشارات إيجابية إلى العالم، وإن بايدن تعهد بالتواصل “بروح الاحترام المتبادل وتحسين التفاهم المتبادل وتجنب سوء الفهم وسوء التقدير”..

وبحسب شبكة “سي أن أن”، فإن هذه الاختلافات الظاهرة تكشف عن صعوبات يواجهها بايدن في التعامل مع الصين، الدولة التي وصفها أخيراً بأنها “أخطر منافس لأمريكا”.

دلالة أخرى على أن الصدام قادم لا محالة بين إدارة بايدن وبكين هو الإبقاء على قرارات ترامب التي اعتبرتها بكين عدائية، إذ سيبقي على التعريفات الجمركية التي كانت سبباً في حرب تجارية بين البلدين، وكذلك العقوبات الخاصة بقضية الإيجور، باعتبارهما من الأدوات التفاوضية مع التنين الصيني.

يضاف إلى ذلك الصدام الواضح بين إدارة بايدن ومنظمة الصحة العالمية، بشأن التحقيقات الخاصة بمنشأ فيروس كورونا المستجد، إذ طالب البيت الأبيض الصين بإتاحة بيانات عن الأيام الأولى لتفشي فيروس كورونا، قائلاً إنه يشعر بـ”قلق بالغ” إزاء طريقة نقل نتائج تقرير منظمة الصحة العالمية بخصوص منشأ الفيروس.

 الخصم الأكثر شراسة

وفي ظل هذه الخلافات يبقى صعود الصين التحدي العالمي الأكثر تعقيدًا الذي يواجه صناع القرار في واشنطن، فهي الخصم الأكثر شراسة الذي يواجه الولايات المتحدة، وإذا لم يتم كبح جماح الصين وإقناعها بالتعاون مع الولايات المتحدة سيكون من المستحيل تحاشي اندلاع حرب كارثية.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية أنه إذا ما تمكن النظام الاوتوقراطي بقيادة الرئيس الصيني شن جين بينج، من تحقيق حلمه، ستزيح بكين واشنطن  من العديد من مواقع القيادة التي اعتادت عليها الأخيرة خلال “القرن الأمريكي”.

 ومن أجل مواجهة هذا التحدي، يتعين على الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفريقه، صياغة استراتيجية تتجاوز ما وصفه الروائي الأمريكي، سكوت فيتزجيرالد، باختبار “عقل المستوى الأول”، أي “احتفاظ العقل بفكرتين متناقضتين في نفس الوقت، وهو لا يزال يؤدي وظيفته”.

ورغم الدعوات لتعزيز التعاون بين بكين وإدارة بايدن، إلا أن انتهاكان السلطات الصينية تفرض على إدارة بايدن التعامل بنهج أكثر حذرًا لانتقاد بكين على ممارساتها التي تسعى هي لتقويضها في المحافل الدولية، وفي نفس الوقت يخشى الحلفاء من مواجهة الصين أو انتقادها حتى لا يفقدون شراكاتهم الاقتصادية مع الصين والتي تمثل نحو 16% من اقتصاد العالم.

ربما يعجبك أيضا