على رأس منظمة التجارة العالمية.. النيجيرية نجوزي أوكونجو تصنع التاريخ

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

عندما تتولى الدكتورة نجوزي أوكونجو إيويالا مهامها في الأول من مارس المقبل، كمدير عام لمنظمة التجارة العالمية ستصبح أول سيدة وأول أفريقية يتم اختيارها لهذا المنصب، فمنذ تأسيس المنظمة الشهيرة في العام 1995، تولى رئاستها 6 شخصيات 3 أوروبيين ونيوزيلندي وتايلاندي وبرازيلي، أما القارة السمراء فكانت خارج الحسابات حتى الإثنين الماضي.

صادق مندوبو الدول الـ 164 الأعضاء بالمنظمة الإثنين الماضي، على تعيين “أوكونجو” بالإجماع، عقب اجتماع تشاوري لم تتجاوز مدته الـ30 دقيقة، ما يعكس حجم التأييد الذي حظت به خبيرة الاقتصاد النيجيرية ذائعة الصيت، لاسيما بعد انسحاب منافستها الأقوى وزيرة التجارة الكورية الجنوبية يو ميونغ في الخامس من فبراير الجاري، والأهم أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أيضا ألقى بثقله ودعم وصولها إلى منصب المدير العام، بعد أن كان سلفه دونالد ترامب يدعم مرشحة كوريا الجنوبية.

خرق إيجابي للمنظمة ولأفريقيا وللنساء

جاء تعيين أكونجو 66عاما بعد شهور من الشلل بمنظمة التجارة العالمية، بعد أن أعلن المدير العام السابق “البرازيلي” روبرتو أزيفيدو في مايو الماضي أنه سيتنحى عن منصبه قبل عام من نهاية ولايته لأسباب صحية، وترك المنصب فعليا نهاية أغسطس 2020، ووافقت إدارة المنظمة في 31 يوليو الماضي على عقد ثلاث مراحل من المشاورات لاختيار خليفة لأزيفيدو على مدى شهرين.

 وخلال المشاورات السرية التي بدأت بين الأعضاء في سبتمبر الماضي، تم تقليص عدد المرشحين من ثمانية إلى خمسة ثم إلى اثنين، وفي 28 أكتوبر أبلغ رئيس المجلس العام للمنظمة ديفيد والكر الأعضاء أنه بناءً على المشاورات مع جميع الدول الأعضاء، كانت الدكتورة أوكونجو إيويلا –صاحبة الـ25 عاما خبرة في أروقة البنك الدولي- هي الأكثر حظا، حيث حظت بدعم أكثر من 70% من الدول الأعضاء.  

 لكن في ذلك الوقت أمر ترامب مبعوثه التجاري روبرت لايتهايزر بعرقلة الإجماع حول أوكونجو، ما عطل التوافق على شخصها إلى أن تحول المشهد في أمريكا بوصول بايدن إلى البيت الأبيض، والذي أعلن مطلع فبراير دعمه الكامل للمرشحة النيجيرية، ما عجل بانتخاب أوكونجو مع انسحاب وزيرة التجارة الكورية الجنوبية.

وجرت العادة في منظمة التجارة العالمية أن يتم اختيار المدير العام بتوافق جميع الأعضاء على مرشح يحظى بأكبر نسبة إجماع بين الدول الأعضاء مع مراعاة منح فرضة لكافة البلدان والمناطق الجغرافية في الوصول إلى المنصب، هذه المرة كانت أوكونجو عنوانا لوصول أفريقيا للمرة الأولى على رأس المنظمة وكذلك لوصول سيدة إلى منصب ظل حكرا على الرجال لنحو 26 عاما.

الخبيرة الاقتصادية الشهيرة ينتظر أن تكون حتى نهاية ولايتها – القابلة للتجديد- في أغسطس 2025 صوتا لبلادها وللقارة الأفريقية كلل في منظمة ينظر إليها منذ سنوات طويلها على أنها كيان يخدم مصالح الدول الكبرى دون مرعاة لحقوق باقي البلدان، وحينما تعلق الأمر باثنين من هؤلاء الكبار وقفت مكتوفة الأيدي كما شهدنا طوال السنوات الأربع الماضية عندما أشعل ترامب نيران الحرب التجارية مع التنين الصيني.

 أولويات وتحديات أمام عين “أوكونجو”

في كلمة لها عقب الإعلان عن تعيينها مديرا عاما لـ”التجارة العالمية” قالت الدكتورة أوكونجو: إن من الأولويات الرئيسية بالنسبة لها العمل مع الدول الأعضاء للتصدي بسرعة للعواقب الاقتصادية والصحية الناجمة عن جائحة كورونا، مضيفة أن وجود منظمة تجارة عالمية قوية أمر حيوي إذا أردنا التعافي بشكل كامل وسريع من الدمار الذي أحدثه الجائحة.

وأضافت: تواجه المنظمة العديد من التحديات ولكن بالعمل معًا يمكننا أن نجعلها أقوى وأكثر تكيفًا مع حقائق اليوم، فإذا كان للجائحة جانب إيجابي، فهو التأكيد على الحاجة إلى نهج متعدد الأطراف لهزيمة الأعداء الذين لا يعرفون حدودا، أود أن نجد المجالات التي يوجد فيها أساس مشترك، حيث يمكن للمنظمة أن تحقق النجاحات وتبدأ في إعادة بناء تلك الثقة بين أعضائها.

التعافي من تداعيات الجائحة الاقتصادية، يأتي أيضا على رأس سلسلة من التحديات يجب على أوكونجو التعامل معها وحلحلتها، أبرزها:

-إعادة الثقة الدولية في دور المنظمة بعد أن شهدت شللا كاملا خلال السنوات الأخيرة  بسبب الحرب التجارية بين أمريكا والصين واشتعال حرب الرسوم الجمركية عالميا للرد على سياسات ترامب “الشعبوية” أحادية الجانب، كما أنها لم تحرز أي تقدم يذكر لسنوات طويلة فيما يتعلق باتفاقيات التجارة الدولية الرئيسية.

– إصلاح محكمة تسوية المنازعات التابعة للمنظمة والمعنية بتخفيف التوتر بين الدول الأعضاء، وهي معطلة منذ 2019 بعد أن منعت إدارة ترامب تعيين قضاة جدد فيها.

– معالجة وضع الصين، إذ ترفض منذ انضمامها إلى المنظمة في عام 2001، الخضوع إلى التدقيق من قبل المنظمة.

– إنهاء الانقسامات الحادة بين الدول الأعضاء في العديد من الملفات الساخنة وعلى رأسها الانقسام بشأن المقترح المقدم من طرف الهند وجنوب أفريقيا نهاية العام الماضي بشأن التنازل مؤقتا عن بعض الالتزامات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية الخاصة بعلاجات أو لقاحات فيروس كورونا.

– رغبة أوكونجو لتعزيز مفهوم التجاة الحرة مرة أخرى ستصطدم بشكل مباشر مع ارتفاع أصوات “الشعبويين” وشعارات مثل “أمريكا أولا” وميل غالبية الدول إلى حمائية أعلى من ذي قبل.  

تقدر أوكونجو حجم هذه التحديات وتقول في تصريح لـ”سي إن إن”: إنه شعور مثير ومرهق.. أتطلع إلى التحدي هناك حاجة إلى إصلاحات عميقة لإعادة صياغة المنظمة.

من يعرفونها جيدا يتوقعون أن تحرز نجاحا في مهمتها، اعتمادا على سنوات خبراتها الطويلة في البنك الدولي ومجال الاقتصاد والعمل التنموي، وشبكة علاقات مترامية الأطراف، أضف إلى ذلك أنها ترأست مجلس إدارة تحالف “جافي” الذي يساعد في توزيع لقاحات كورونا على مستوى العالم، لنحو عام.

من هي أوكنجو إيويالا؟

-هي أحد رموز نيجيريا لاسيما في أوساط الحركة النسوية، ولدت في 13 يونيو 1954 لعائلة مرموقة في ولاية دلتا النيجيرية.

– تلقت تعليمه الأساسي في مدارس نيجيريا، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة في العام 1973، وحصلت على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة هارفارد في العام 1976.

-في عام 1981 حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الإقليمي والتنمية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة.

-حاصلة على زمالة دولية من الرابطة الأمريكية للجامعيات AAUW.

-عملت كخبيرة اقتصادية في البنك الدولي من العام 1982 وتقلدت العديد من المناصب الهامة طوال فترة عمل استمرت لـ 25 عاما.

-عملت لفترة كعضو في مجلس إدارة بنك ستاندرد تشارترد.

-كانت أول امرأة تشغل منصب وزيرة المالية في نيجيريا، وتولت هذه الحقيبة لفترتين “2003-2006، و2011-2015”.

أوكونجو ربما تفتقد للخبرة في مجال التجارة الخارجية كما يقول البعض، إلا أن تمتلك من العلاقات والخبرة ما يؤهلها لقيادة منظمة التجارة العالمية بنجاح، لا سيما وأنها تتمتع بدعم كامل من الدول الأعضاء والأهم أنها تأتي في وقت يحتاج فيه العالم لتعزيز مفهوم التجارة الحرة من أجل معالجة أزمة صحية غير مسبوقة.

ربما يعجبك أيضا