إسرائيل وإيران و«حزب الله».. ما وراء معركة السيطرة على جنوب سوريا؟

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

يمكن القول إن إسرائيل استطاعت في الفترة الأخيرة إبعاد كل من إيران وحزب الله عن هضبة الجولان، لكن الصراع على أرض سوريا لم ينته بعد.

العام الماضي شهد وقوع عشرات التفجيرات “الغامضة” في سوريا، وتحديدًا في درعا والقنيطرة، وأفادت التقارير أنها نتيجة قصف بطائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، اشتعلت النيران في مستودعات أسلحة وذخيرة، بعضها قريب من مناطق حضرية.

ليس ثمة مجال للشك في أن يد إسرائيل مسؤولة عن الهجمات الجوية، حيث كثف جيش الاحتلال من هجماته “السرية” ضد أهداف إيران وحزب الله، لدحر سعيهما المشترك لإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة.

من المهم هنا الإشارة إلى ما قاله تامير هايمان قائد شعبة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي (يمكن الرجوع لتقرير رؤية حول تقرير شعبة الاستخبارات)، حيث صرح بأن “محور إيران حزب الله الشيعي يواصل محاولاته لترسيخ وجوده في هضبة الجولان على حدود إسرائيل، وحتى الآن نجح الجيش الإسرائيلي في منع هذه المحاولات”، لكن بحسب تقارير الجيش الإسرائيلي فإن هذه المحاولات لم تتوقف، وتستمر جهود تطويرها من أجل شن هجمات على إسرائيل.

من جانبه يبدو أمير برعام، قائد القيادة الشمالية لجيش الاحتلال أكثر تصميمًا على ردع إيران وحزب الله في سوريا، حيث نقلت مصادر صحفية أنه قال في محادثات مغلقة مع قادة كتائب المشاة والمدرعات قبل حوالي شهر ونصف أنه لا يريد أن تتحول الجولان إلى “جنوب لبنان آخر”.

6b7b413bab0c6ce08ecc73e9c8e6328b 920 420 780x405 1

تتحرك القيادة الشمالية بكل قوتها على الحدود مع سوريا، لكن شعبة الاستخبارات العسكرية هي التي تملك أغلب خيوط الحركة، حيث تجمع المعلومات وتحولها لأهداف، وذلك عبر تقنيات حديثة، تجاوز بها الجيش الإسرائيلي عمليات البحث التقليدية عن أهداف، أو نشاط لحزب الله، كان في الماضي أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، لكن الآن مع تطوير إسرائيل تقنياتها في جمع المعلومات أصبحت القيادة الشمالية تعتمد على تقارير شعبة الاستخبارات العسكرية في جمع المعلومات وتحويلها إلى أهداف مؤكدة تستوجب الهجوم عليها.

شددت إسرائيل ضغطها منذ نحو عامين، من أجل منع النشاط المكثف لإيران وحزب الله لتأسيس معسكرات وبسط نفوذ في الجنوب السوري، وكان التركيز منصبًا على جمع معلومات استخباراتية حول تمركزات الجيش الإسرائيلي، وأنشطته واستعداداته على الحدود، مما دفع إسرائيل لاستنفار الأجهزة الاستخباراتية من أجل جمع المعلومات اللازمة لاستباق أي تحرك يستهدف جيش الاحتلال أو الحدود الشمالية.

في ديسمبر من العام الماضي سُمع دوي انفجارات على الحدود السورية اللبنانية، نتيجة عملية قصف جوي “مجهولة المصدر”، وأفادت تقارير، معضدة بتسجيلات فيديو، بتدمير مخازن صواريخ تابعة لإيران وحزب الله، وكانت الانفجارات كبيرة بما يشير إلى كثافة الأسلحة والذخائر المخبئة، وفي الشهر نفسه أفادت وكالات الأنباء السورية بوقوع هجوم على مناطق بالقنيطرة جنوبي سوريا، حيث تزعم إسرائيل وجود نشاط مكثف لحزب الله هناك، وفي الشهر الماضي تكرر سماع أصوات التفجيرات في بلدة القصر الحدودية، مع إفادات بمقتل وإصابة عناصر تابعة لحزب الله، في منطقة تبدو وكأنها كانت معدة لتكون مخزنًا يستخدم كمحطة عبور، قبل نقل السلاح إلى لبنان.

في هذا الشأن يُذكر أن روسيا حددت مسافة 80 كيلومتر عن إسرائيل لأي قوات غير سورية، لا يُسمح لقوات إيران وحزب الله بتعديها، ومن المهم أيضًا في هذا السياق الإشارة إلى أن المنطقة التي يتمحور حولها صراع بسط النفوذ في جنوب سوريا هي منطقة أقلية شيعية في الأساس، حيث يشكل فيها المسلمون السنة والدروز أغلبية، مما يشكل تحديًا أمام إيران وحزب الله، حيث يُنظر لهما باعتبارهما من الغزاة، بجانب إسرائيل بالطبع.

2635817 46

من هنا يبدو أن إيران وحزب الله قد أضفيا على أنشطتهما “سرية أكبر”، وتحركا للداخل السوري بعيدًا عن الحدود مع إسرائيل، لكن هذا النشاط يتمحور حول تطوير القدرات لاستيعاب الآلاف من القوات التابعة للحرس الثوري وحزب الله في مناطق واسعة من سوريا، بدعم من القوات الباقية من نظام بشار.

كانت هذه التحركات بتخطيط من قاسم سليماني قبل تصفيته، حيث وجه بدمج قوات من الجيش السوري مع عناصر الحرس الثوري وحزب الله لتثبيت تمركزات عسكرية في الجنوب، وبناء مستودعات أسلحة، ومواقع لجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الخطط العملياتية.

إلى الآن تبدو إسرائيل سباقة، خصوصًا بعد تصفية القوات الأمريكية لقاسم سليماني، ومع تصفية إسرائيل لعناصر بارزة من حزب الله في سوريا، كانت، وفقًا لتقارير أمان، تدير نشاطًا لوجستيًا واسعا بأوامر من حسن نصر الله، ولكن تتوقع إسرائيل ألا يطول صمت حزب الله، فمسألة الانتقام لمقتل عناصره تبدو أولا مسألة تتعلق بـ”رد الاعتبار”، والتأكيد على الوقوف ندًا بند أمام إسرائيل، ورغم إعلان نصر الله أن قواته سترد وتنتقم لمقتل عناصره، فإن هذا لم يحدث حتى الآن، ومن هنا تدعو الاستخبارات العسكرية لجاهزية مستمرة للجيش الإسرائيلي والقيادة الشمالية، واعتبار محور إيران حزب الله في سوريا الهدف الأول الواجب استهدافه.

على كلٍ، يبدو الوضع أكثر تعقيدًا، وتتفرق آليات رسوخه بين دمشق وطهران وبيروت وموسكو، وبالطبع واشنطن، فإيران ترغب في بناء قواعد لها تسبب أرقًا لإسرائيل، وتنطلق من خلالها لهجمات خاطفة، وتطويق المنطقة من الشمال بمحازاة العراق، مثلما تفعل في اليمن بالجنوب، بالإضافة إلى تأمين نقل السلاح إلى حزب الله، الذي يخدم إيران، ويرغب في تحقيق أكبر قدر ممكن من السيطرة والنفوذ العسكري والاقتصادي، خصوصًا مع أزماته في الداخل اللبناني، سياسيًا واقتصاديا.

أما نظام الأسد، فرغم الدعم الذي يتلقاه؛ فإنه لا يرغب في خسارة نفوذه على الجنوب، بتركه تحت سيطرة كاملة لمحور إيران حزب الله، ومن هنا أمر شقيقه ماهر الأسد بالانتقال مع الفرقة الرابعة المدرعة من الشمال إلى الجنوب، بهدف إعادة سيطرة القوة الباقية من القوات السورية التابعة لبشار على مناطق الجنوب، لأن بشار في الأخير يريد استمرار الهدوء لأطول فترة ممكنة، وهذه التحركات من إيران وحزب الله، مع الضغط الإسرائيلي المتواصل لا تمنحه الهدوء الذي يمكنه من البقاء، والإبقاء على حياته.

مما يقلق إسرائيل بشكل كبير في الوقت الحالي أن بشار سمح للإيرانيين في سوريا بالتواجد في مناطق قريبة من سواحل اللاذقية، وهو ما يمنحهم القدرة على الوصول إلى البحر المتوسط، وهذا أمر مقلق بالنسبة لإسرائيل، بل وخطير للغاية، لأنه يمكن أن يمهد لإيران منفتحًا بحريًا يسمح لها بحرية أكبر في نقل السلاح وتهريبه، والتفكير في استهداف منصات للغاز الطبيعي.

موسكو، من جانبها، تسمح وتمنع، بشروطها، تسمح لإيران بنشر قواتها، ولكن ليس في جميع مناطق الجنوب، وتسمح لإسرائيل بتكرار قصفها “المجهول”، ولكن بحدود، والجميع ينتظرون كيف ستتصرف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، يترقب الجميع لرؤية سياسته تجاه الشرق الأوسط بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، ويُقدر مسئولون أمنيون إسرائيليون أن الولايات المتحدة لن تقدم على سحب قواتها بالكامل من سوريا، وهو ما أعلنه ترامب في 2019، ولم ينفذه، وبالتأكيد ترغب إسرائيل بشدة في بقاء القوات الأمريكية، لتحقيق أكبر استفادة، واستهداف قوات إيران وحزب الله.

ربما يعجبك أيضا