الشركات الأمنية في سوريا.. وكلاء جُدد للصراع الروسي الإيراني

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في سياق الصراع والتنافس الروسي الإيراني داخل سوريا ومحاولة كلا منهما فرض نفوذه وإقصاء الأخر، كان للشركات الأمنية دورًا استراتيجيًا في استقطاب وتجنيد الموالين لتأمين وتعزيز مصالحهما، لتكشف حجم الصراع بين الحليفين المتنافسين في ظل سعيهما الدائم لإظهار مدى تعاونهم عبر وسائل الإعلام، لكن ما خفي كان أعظم حيث تجلت أدوار كلا منهما عبر تلك الشركات لبسط النفوذ وحماية المصالح التي تؤثر بشكل أو بأخر على مقدرات الشعب السوري.

صراع روسي إيراني

منذ اندلاع الحرب السورية منتصف مارس 2011، تدخلت كل من إيران وروسيا على خط الأزمة لدعم النظام السوري، حيث أكدت تصريحاتهما أكثر من مرة على وجود علاقة تعاون، إلا أن ملامح الصراع بينهما في مناطق سيطرة الحكومة ظهرت كـ”حرب باردة” منذ سنوات، حيث تخضع محافظتا درعا والقنيطرة ومناطق في ريف دمشق وشرق الفرات للنفوذ الإيراني، بينما تخضع مناطق الساحل غرب البلاد وجزء كبير من مناطق حمص وحماة وبعض المناطق في الشمال وأجزاء من ريف دمشق للنفوذ الروسي.

وبحسب المرصد السوري، يتركز الصراع الروسي الإيراني في الجنوب السوري وغرب الفرات على وجه الخصوص، ففي درعا تتسابق روسيا وإيران لانتزاع السيطرة المطلقة عليها، حيث تواصل موسكو تقوية نفوذ الفيلق الخامس المدعوم منها وإظهاره كقوة كبرى بتدخله في فض النزاعات تارةً، وبخلق نزعات لكسر شوكة قوات النظام والفرقة الرابعة المقربة من إيران تارة أخرى.

وفي الآونة الأخيرة، زادت إيران وروسيا نفوذهما عبر شركات أمنيّة خاصة في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام، وأشارت المعلومات إلى أنّ هناك أكثر من 70 شركة أمنيّة خاصة مسجَّلة تعمل بعدة قطاعات، مثل حماية الأثرياء وشركات الصرافة والحوالات المالية، بالإضافة إلى القوافل الإيرانية، ومنها أيضًا ما تقدم خدماتها لحماية آبار النفط الواقعة تحت سيطرة روسيا، لتصبح تلك الشركات أخر وجوه الصراعات بين الحليفين المتنافسين.

الشركات الأمنية.. نشاط لافت

بدأ تشكيل الشركات الأمنية الخاصة، مع تولي بشار الأسد الحكم في سوريا، حيث كانت هذه الشركات محظورة في عهد والده حافظ الأسد، فبلغت مداها في عهد الأسد الابن حتى بلغت عدد الشركات المرخصة منذ 2000 وحتى الآن نحو 75 شركة أمنية.

ولتعزيز مصالح حلفاء النظام، كان للشركات الأمنية دورًا جوهريًا فقد نشأت منذ سنوات، ولكن لا أحد يعلم بها لأن معظمها يحمل أسماء سورية، وبحسب التمويل والانتماءات تخضع إما لروسيا أو إيران.

وبحسب ما كشفه موقع «مونيتور» فإن موسكو وطهران لجأتا لزيادة نفوذهما عبر شركات أمنية خاصة في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، لافتًا إلى وجود أكثر من 70  شركة أمنية خاصة مسجَّلة في مناطق سيطرة الحكومة السورية تعمل بعدة قطاعات مثل حماية الأثرياء وشركات الصرافة والحوالات المالية، بالإضافة إلى القوافل الإيرانية.

ولفت الموقع إلى أن بعض الشركات الأمنية الخاصة تقدم خدماتها لحماية آبار النفط الواقعة تحت سيطرة روسيا، مثل حقول (التيم، والورد، والشعلة) في ريف دير الزور، وأبرزها شركة «المهام للحماية والحراسة الخاصة»، وشركة «سند للحراسة والأمن».

ويخضع أفراد هذه الشركات لتدريبات بإشراف قوات «فاغنر» الروسية الخاصة، التي تعمل على تجنيد شبان محليين فيها أيضاً، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة الاعتماد على المكاتب الأمنية في حماية المصالح الروسية والإيرانية في سوريا، وذلك ضمن خطة لتجنيد أكبر قدر من الشباب، وحتى النساء، السوريين، مرتزقةً محليين تحت إشراف هذه المكاتب التي تدفع أجوراً مغرية للمنضمين إليها من الشعب السوري، فالعناصر المحلية أقل تكلفة مادية من المرتزقة الأجانب.

من جانبه، أنشأ «الحرس» الإيراني عدداً من الشركات الأمنية الخاصة في سوريا التي توفر له واجهة تغطي أنشطة الميلشيات التابعة له في مختلف أنحاء البلاد، حيث تقوم بتأمين المواكبة الأمنية للزوار الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين الذين يزورون المواقع الدينية في دير الزور ودمشق، بالإضافة إلى حماية الطرقات التي يُنقل عبرها النفط، ومن بين الشركات الأمنية السورية التابعة لـ«الحرس» شركة «القلعة للحماية والخدمات الأمنية”.

وبشكل ملحوظ، تزايدت أنشطة الشركات الأمنية الخاصة لتوظيف أكبر عدد من الشباب بمرتبات مُغرية قياسيا بمرتبات موظفي الحكومة، والتي اندفع إليها الكثير من الشباب بسبب الفقر والجوع ، حيث نقل عن موظف في إحدى الشركات الأمنية في حمص قوله: «نعمل مع القوات الروسية في حراسة المنشآت النفطية في الحسكة والقامشلي مقابل 300 دولار شهرياً».

هيمنة غير قانونية

وحتى الآن، لا توجد تشريعات أو قوانين دولية محددة وصارمة بخصوص الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، وتعتبر “وثيقة مونترو”، والمعروفة أيضا باسم “المبادرة السويسرية”، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2008، الوثيقة الأساسية الناظمة لعمل الشركات الأمنية والعسكرية اليوم، حيث تضع معايير وممارسات غير ملزمة لهذه الشركات، أي قواعد عرفية بموجب القانون الإنساني الدولي.

ويعتقد باحثون مختصون أن هناك مخاوف جدية من إضفاء الشرعية القانونية على هذه الشركات ما قد يتيح لها التمدد والتضخم، بحيث تهيمن على الدولة تحت التهديد بالقيام بانقلابات، حيث أثبتت شواهد وأدلة على أن شركات الحماية الخاصة، هي المنجم الذي يأتي منه أيضا مقاتلو الشركات العسكرية واﻷمنية الخاصة، والتي تقاتل عادة في الخارج، وأنها جميعا مشمولة باستراتيجية بعيدة المدى لدولة مثل روسيا وإيران وغيرها.

ويتضح ذلك جليًا في الميلشيات التي تجندها إيران في حروب الشرق الأوسط، فهي أشبه بشركات أمنية بغطاء أيديولوجي، وتتطور نشاطاتها في هذا الصدد لتتبلور أكثر في شكل قانوني محدد، كما حدث بالإعلان عن تأسيس شركات أمنية لتأمين مواكب “الحجيج” الإيرانيين إلى سوريا.

وعلى غرار ما حدث في سوريا وأوكرانيا، تمكنت روسيا أيضا عبر تلك الشركات من فرض استراتيجيتها وفرض نفوذها داخل تلك الدول، التي أصبحت القوة الفاعلة التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي مفاوضات قادمة.

ومن هذا المنطلق لابد من أخذ دور الشركات الأمنية في الحسبان عند الحديث عن مستقبل الشرق الأوسط، فوجود الثروات والتركيبة السكانية والخلافات العميقة ووجود مقاتلين سابقين وملايين العاطلين، كلها تشكل عوامل مناسبة لتمدد الظاهرة وتوسعها، الأمر الذي يتطلب استراتيجية ملائمة لمواجهتها من دول الإقليم، وإلا ستتمكن دول مثل روسيا وإيران من فرض هيمنتها عبر تمويل وتجنيد الملايين مستغلة العوامل السابقة لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها.

ربما يعجبك أيضا