كتب – هدى إسماعيل وعاطف عبداللطيف
عددٌ من الدرجات تفصل منزل «على أفندي لبيب» عن مسجد الرفاعي بالقاهرة وبالتحديد في درب اللبانة بميدان القلعة ما بين ميدان قلعة صلاح الدين الأيوبي يتوجها جامع محمد علي، وبالقرب من باب العزب أحد أبوبها، ليس مجرد منزل أثري قديم بل هو تفاصيل عصور مضت ترك أصحابها بصمات داخلية على جدرانه حياة كاملة ينبض بها هذا البيت منذ أن تطأ قدماك أبوابه الخشبية المصنوعة بدقة وأنامل فنية رائعة.
بيت الفنانين
أسسه الإخوة عمر وإبراهيم الملاطيلي سكنا لأسرتيهما في القرن الثامن عشر ثم اشتهر تدريجياً ببيت علي افندي لبيب (المشرف على بنائه )، ويعود طراز البيت إلى الطراز العثماني (التركي) المتأثر بالعمارة المملوكية التقليدية، ويعتبر ضمن أجل البيوت “الإسلامية” بالقاهرة، وقد اشتهر درب اللبانة كله مع شهرة هذا البيت “بيت الفنانين” منذ أواخر ثلاثينيات القرن العشرين بمنطقة مونمارتر القلعة، أسوة بمنطقة المونمارتر بباريس، لاجتذابه العديد من الفنانين الأجانب والمستشرقين والمصريين للإقامة أو لاتخاذ آتيليهاتهم بمبانيها.
اشتهر منزل «لبيب أفندي» بـ”بيت الفنانين”، وقد سكن به الفنانين «بيبي مارتان، موسكا نيللي، راغب عياد، ميلاد فهيم، جمال كامل، رمسيس يونان، لبيب تادرس، محمد ناجي، زكي بولس، سند بسطا، لويس فوزي، منير كنعان، محمد ضياء الدين، عبد الغني أبو العينين، شادي عبد السلام، رؤوف عبد المجيد، عبد الفتاح الكيال، عبد السلام والشريف، وحسن فتحي»، والذي اقترن البيت باسمه لاحقاًـ وكان يقابل بيت الفنانين بيت “هندية” وبه مراسم للفنان ممدوح عمار والمعماريين محمد مهيب ونبيل غالي وأحمد ربيع وغيرهم.
بنظرة سريعة عامة على المنزل يبدو أن مالكه الأول كان مولعًا بالفن؛ حيث وجد على جدران القاعات العلوية رسومًا شعبية تمثل أبنية ومتنزهات وتعد من النماذج المبكرة للفنون الشعبية التي شاعت بكثير من منازل القاهرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، ويتجلى بهذا المنزل روائع فن النحت على الحجر بالواجهات المطلة على الصحن، إضافة للبلاطات الخزفية أعلى مدخل المقعد، والعناصر الخشبية من مشربيات وشبابيك الخرط، والزخارف الجصية المعشقة بالزجاج الملون.
بيت المعمار المصرية
جاءت فكرة إنشاء بيت المعمار المصري، في إطار أن العمارة هي فن البناء القائم على الإبداع والفكر لإيجاد الحيز المناسب لممارسة أنشطة ووظائف الحياة، والعمارة أشمل ما يعبر عن الثقافة الإنسانية والسلوك الجمعي، وهي معرض لتكامل الفنون والحرف، وهي نموذجاً لإعمال العقل في التعامل مع المناخ وعلم الإنشاء. العمارة فعل قصدي إرادي للتنسيق والموازنة والتدبير بين كل ما سبق وبين متطلبات صحة الإنسان الجسدية والنفسية لممارسة الحياة في أفضل صياغة وحسب الإمكانات المتاحة، وظروف العصر.
وتقول الوثائق التعريفية التي صاغت فكرة خروج بيت المعمار إلى النور، إن كلمة العمارة، لا تعنى عمارة المبنى فقط، وإنما تتسع لتشمل معنى العمران البشري المتكامل بالعديد من الأبنية، ولكل وطن عمارته المميزة، ولكل منطقة أو إقليم عمارته التي تميزه. وتتوالى الطرز المعمارية عبر الأزمنة، فتعطي للمكان مرجعية ثقافية وطابعاً مميزاً.
ويعد بيت المعمار المصري مزارا في حد ذاته، فهو نموذج لشكل وخصائص أحد أنماط المساكن في العصر العثماني (التركي) والذي سار على تقاليد العمارة المملوكية، ويأتي البيت ليؤدي الدور الكامل لمعنى متحف للعمارة، أو متحف لتاريخ الإنسان المصري مسجلاً بالبناء، فيدون البيت تاريخ ونماذج العمارة المصرية منذ فجر التاريخ وحتى القرن الحادي والعشرين، كمنتج ثقافي اجتماعي في تكامل للفنون وتعامل مع ظروف الموقع والمناخ ومواد الإنشاء وخبرات بنائية مكتسبة وتقدم علمي، ويلقي الضوء على عدد من رواد العمارة ذوي المدارس الفكرية المتميزة.
ويؤدي البيت أيضا دور المركز الإبداعي المعماري، فبالإضافة لوجود مكتبة بحثية ورقية ورقمية، فالبيت هو أحد المراكز التابعة لصندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية لذا، فهو مركزاً للأنشطة الثقافية المعمارية، كالندوات وورش العمل، والمعارض المعمارية والفنية وغيرها.
الحرملك
يشتمل هذا المنزل على فنائين الأول جنوبي شرقي صغير، والثاني شمالي غربي كبير وهو الفناء الرئيسي، وتتوزع حول هذين الفنائين وحدات المنزل المعمارية التي تتضمن بالطابق الأرضي للفناء الأول الصغير حجرتين أهمها الحجرة التي تطل على الفناء.
ويحتوي الطابق الأول على المقعد الصيفي والمبيت الملحق به وغرف خاصة بأهل المنزل، وبالضلع الشمالي الغربي للفناء الصغير فتحة باب تؤدي إلى الفناء الثاني الرئيسي الكبير يلتف حوله عناصر المنزل التي تتكون من طابقين، الأرضي يشغله التختبوش «قاعة استقبال الضيوف» والقاعة الأرضية الخاصة بالرجال «المندرة – السلاملك»، وبالطابق الثاني لهذا الفناء مجموعة غرف وحمام وقاعة علوية كبرى خاصة بالنساء (الحرملك).
الخروج إلى النور
تعرض البيت للإهمال في عام 1989 إلى أن تم تجديده في أوائل الألفية، بعد أن تقدم المعماري عصام صفي الدين بفكرة مشروع بيت المعمار إلى وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني، والذي أصدر قراراً برقم 19 لعام 2010 بتحويل الأثر رقم 497 إلى بيت المعمار المصري، وفي يناير 2010 أخذ المعماري محمد أبو سعدة رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية على عاتقه تنفيذ المشروع، حتى خرج إلى الحياة مرة أخرى.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=662336