السحب من صندوق الأجيال.. الكويت أمام معضلة اقتصادية كبرى

كتب – حسام عيد

تقدُم الحكومة الكويتية بمشروع قانون يسمح بسحب مبلغ من صندوق احتياطي الأجيال القادمة لا يتجاوز 5 مليارات دينار سنويًا (16.5 مليار دولار) يضع الحكومة أمام مواجهة جديدة مع مجلس الأمة الذي وقف ضد مقترحات سابقة بالاقتراض لسد العجز في الموازنة، ومن المتوقع أن تتكرر نفس المقاومة ضد الاقتراح الجديد.

الوضع المالي للاحتياطي العام للكويت زاد تعقيدًا في ظل عدم كفاية الإجراءات الحكومية في ترشيد الإنفاق وتباطؤها في اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز سيولته رغم تنبيه اللجنة مرارًا وتكرارًا لهذا الأمر في تقاريرها كان آخرها في دور الانعقاد السابق.

وحاولت الحكومة التطرق لخيارات إلى جانب الاقتراض لرفع مداخيلها مثل فرض ضرائب أو رسوم ولكن مجلس الأمة أيضًا وقف ضد أي إجراء يمس جيب المواطن.

وكانت الكويت قد أوقفت اقتطاع نسبة الـ10% السنوية لصالح صندوق الأجيال وسط ضغوطات وشح في السيولة بسبب تداعيات جائحة كورونا الوبائية وانخفاض أسعار النفط.

ويبدو أن الحكومة اضطرت إلى اللجوء للخيار الأخير وهو صندوق الأجيال “صندوق الثروة السيادية للكويت” الذي أنشئ عام 1976 وتقدر قيمته بنحو 570 مليار دولار. خيار لن يتمثل في سحب أو تسييل الأصول الموجودة في الصندوق السيادي، ولكن الحديث هنا سيتمحور حول الإيرادات التي يحققها هذا الصندوق والتي لا تدخل في الأساس ضمن الموازنة ولا يتم الحديث عن حجمها حتى ولو من منطلق الشفافية.

وقد أعلنت الكويت عن توقع عجز بقيمة 12.1 مليار دينار في موازنة العام 2021/2022، قد تنخفض بسبب تحسن أسعار النفط ولكن من من المؤكد أن العجز سيظل قائمًا طالما أسعار النفط ما دون سعر الـ90 دولارًا للبرميل وهو سعر التعادل في الموازنة.

السحب من صندوق الأجيال

في يوم الإثنين الموافق 22 فبراير 2021، أعلن نواب كويتيون أن مجلس الوزراء قدم مشروع قانون إلى البرلمان من شأنه أن يسمح للحكومة بسحب ما يصل إلى 5 مليارات دينار، 16.53 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية للبلاد سنويًا.

ولم تلجأ الحكومة إلى صندوق الأجيال القادمة إلا مرة واحدة كانت خلال حرب الخليج الأولى. والصندوق الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار الكويتية مخزن للثروة يمكن استخدامه عند نفاد النفط.

وعزت الحكومة إحالتها هذا المشروع للبرلمان للظروف الاقتصادية التي تمر بها دولة الكويت بسبب الانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية.

جمود تشريعي متصاعد

وقال مصدر مطلع إن مشروع القانون ربما لا ينال الموافقة وربما يزيد الجمود التشريعي الكويتي بشأن الموافقة على قانون الدين العام الذي سيسمح للبلاد بالاقتراض.

وقد أوقف مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) مرارًا مشروع قانون الدين العام الذي من شأنه أن يسمح للكويت بطرق أسواق الدين العالمية، لكن هذه المسألة صارت ملحة بعد أن فرض انخفاض أسعار النفط وتفشي وباء كوفيد-19 ضغوطا على المالية العامة وأدى إلى استنفاد سريع للاحتياطيات النقدية المتاحة.

وتعتبر الاختلالات الاقتصادية من أبرز التحديات التي تواجهها السلطتان “التنفيذية والتشريعية”، في مقدمتها أزمة دعم الميزانية وقانون الدين العام، بعد أن تعثرت التفاهمات الحكومية النيابية خلال مجلس 2016 في الوصول إلى صيغة توافقية في هذا الخصوص.

خيار محفوف بالمخاطر

وحذر عضو مجلس الأمة الكويتي عبد الله جاسم المضف، الذي نشر مشروع القانون على “تويتر”، وهو تعديل لقانون قائم، الحكومة من “خطورة الذهاب إلى هذا الخيار”.

كما قال النائب يوسف الفضالة على “تويتر” إن هذا المشروع “ما هو إلا حلقة متكررة من سلسلة مشاريع فاشلة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في البلاد و إدخالنا في أزمة بدون أدنى جهد وعمل حقيقي لمعالجة أزمة السيولة الحالية بشكل خاص والاختلالات المالية بشكل عام”.

فيما قال النائب عبدالعزيز الصقعبي خلال مؤتمر صحفي: “إن توجه الحكومة لسحب مبلغ من صندوق الأجيال القادمة عبث مرفوض”، متهمًا الحكومة “بتجاهل تقديم خطة اقتصادية شاملة وإيقاف الهدر في الميزانية ومحاربة الفساد”.

معاناة المالية العامة

وكان وزير المالية الكويتي خليفة مساعد حماده، قد أكد على أن المركز المالي للكويت قوي ومتين لكونه مدعوم بالكامل من قبل صندوق احتياطي الأجيال القادمة، والذي يشهد نمواً مستمراً بفضل جهود القائمين عليه.

ولكن ما تعاني منه المالية العامة للكويت والتي تتعلق بالإيرادات والمصروفات السنوية من اختلالات هيكلية، أدت إلى قرب نفاد السيولة في خزينة الدولة (صندوق الاحتياطي العام).

وختامًا، يمكن القول؛ إن خيار الحكومة بمعالجة الاختلالات المالية والاقتصادية المتصاعدة في الكويت عبر الاعتماد على صندوق احتياطي الأجيال القادمة (صندوق الثروة السيادي) سيؤدي إلى استنزاف الاحتياطي، ليس ذلك فحسب وإنما سيؤثر سلبًا على التصنيف السيادي لدولة الكويت، الذي يأخذ بالاعتبار أصول صندوق الأجيال التي قدرت بنحو 540% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2020، وهي أعلى نسبة بين جميع الجهات السيادية المصنفة من قِبل وكالة “ستاندرد آند بورز”.

ربما يعجبك أيضا