المونديال القطري.. «العمالة المهاجرة» تكشف المستور وتُزيح الستار عن انتهاكات لا تتوقف!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

أزمات تتفاقم يومًا تلو الآخر، تارة في الخفاء وتارة أخرى على مرأى ومسمع من الجميع، قوانين منتهكة لعمالة وافدة تتذوق مرارة الأوضاع، وتقارير ما زالت تكتب عن المأساة، ليتصدر القمع الذي يتعرض له عمال المشروعات بالمونديال القطري المشهد من جديد!

سيل من الاتهامات الموثقة على مدار عدة سنوات كانت كفيلة أن تضع المونديال القطري وملفاته الشائكة تحت المجهر، بداية من تلك التي أدانت الدوحة بالتورط في عمليات مشبوهة للفوز بالتصويت الذي أجري بسويسرا في أواخر 2010 والظفر بحق الاستضافة، مرورًا بخطر العقبات المالية واللوجيستية، ونهاية بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خاصة للعمالة المهاجرة التي قد لاقيت أعداد غفيرة منها مسيرها المحتوم على تلك الأراضي.

تفصيلًا، وبالحديث عن استمرار مسلسل الانتهاكات المآسوية، كشفت بيانات جديدة أن مايزيد عن 6500 عامل آسيوي مهاجر قد لقوا حتفهم في قطر منذ 2010 وحتى 2020، في تقرير صادم نشرته صحيفة “الجارديان”، اليوم الثلاثاء، ليكشف المستور، ويزيح الستار عن أوضاع لا إنسانية، وجرائم لا تتوقف من الأساس!

أوضاع مأسوية

“سأذهب لجلب ما يكفي لتحسين الأوضاع، وسأعود لاحقًا، أحبكم كثيرًا”، جملة غالبًا ما تتردد عند اضطرار أحدهم لترك موطنه “أرضه، والديه، عائلته، أحبته، وأصدقائه، والسفر بعيدًا من أجل لقمة العيش، لماذا لم تأت مثل هذه الكلمات على أذهان هؤلاء الذين يسخرون الأشخاص بشكل لا إنساني في أوضاع قد تودي بحياة بعضهم إلى الموت؟ ومن ثم العودة لأحبائهم كجثث هامدة!

تلك التساؤلات، وضعت ملف العمالة المهاجرة، خاصة في قطر منذ 2010 تحت الأضواء، إذ تعرضت الدوحة لانتقادات متكررة من منظمات حقوقية دولية، بسبب أوضاع العمال المهاجرين الذين يعملون في المنشآت الخاصة بالبطولة، والتي لا يزال صداها يدق ناقوس الخطر إلى الآن.

ونظرًا لأن عدد العمالة الأجنبية في قطر يقدر بنحو مليوني شخص يمثلون 95% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، أما المنشآت الخاصة بالمونديال، فيبلغ عدد العاملين فيها 36 ألف شخص، فمن الطبيعي إذا تحدثنا عن وجود انتهاكات قد نجد ارتفاع ملحوظ في معدل الضحايا، وهو الأمر الذي أوردته “الجارديان” جملة وتفصيلًا فيما يخص العمال الآسيويين الذين يعملون في الدوحة وينتمون لدول مختلفة منها الهند، بنغلاديش، نيبال، باكستان وسيرلانكا.

الأرقام تتحدث

في عام 2018، حاول هانز كريستيان غابريلسن، رئيس الاتحاد النرويجي لنقابات العمال وصف الأزمة الإنسانية التي يعاني منها مئات الآلاف من العمال في قطر، قائلًا “إذا وقفنا دقيقة حدادًا على كل عامل يخسر روحه في الأعمال الإنشائية لكأس العالم في قطر، فستقام أول 44 مباراة في صمت”، لكن بالطبع ما قاله قبل 3 أعوام من الآن ربما يحتاج بزيادة تحديث فيما يخص “فترة الحداد”.

واليوم، ترجمت “الجارديان” هذا الوصف إلى أرقام وحقائق، إذ أشارت إلى أن ما يزيد عن 6500 من العمال الآسيويين المهاجر قد لقوا حتفهم في قطر منذ 2010 وحتى 2020، مؤكدة على أن العدد الإجمالي لتلك الوفيات أعلى بكثير من هذا الرقم، خاصة وأن سفارتي الفلبين وكينيا لم تعلنان عن أرقام وفيات رعاياها بعد.

وأضاف التقرير أن النتائج التي تم جمعها من مصادر حكومية تعني أن 12 عاملًا مهاجرًا من هذه الدول الخمس يموتون كل أسبوع منذ ليلة ديسمبر 2010.

كذلك كشفت بيانات من الهند وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا عن وقوع 5927 حالة وفاة بين العمال المهاجرين في الفترة 2011-2020.

وكانت بيانات من السفارة الباكستانية في قطر، قد أفادت عن وفاة 824 لعمال باكستانيين، بين عامي 2010 و2020، كما لم يتم تضمين الوفيات التي حدثت في الأشهر الأخيرة من عام 2020.

كشف المستور

في الفترة الأخيرة، كانت منظمات حقوقية دولية، قد نقلت قصصًا مفزعة عن أوضاع عمال منشآت مونديال 2022 في قطر بإصابة عدد كبير من العمال بـ”كوفيد19″، والتكتم على ذلك.

لكن بخلاف الحديث عن إصابات تلك الفيروس التي غزت العالم أجمع، تحدثت تلك المنظمات أيضًا عن أسباب كثيرة لارتفاع معدل الوفيات التي تتورط فيه، إذ ربطتها بجميع الأصعدة، ماديًا وإنسانيًا وصحيًا.

وفي هذا السياق، تقول “الجارديان”: “تم الكشف عن حصيلة القتلى المروعة في قطر في جداول طويلة من البيانات الرسمية التي تسرد أسباب الوفاة”.

وأشارت الصحيفة إلى أنها جاءت نتيجة إصابات حادة متعددة بسبب السقوط من ارتفاع، والاختناق بسبب الشنق لكن أكثر الأسباب شيوعًا حتى الآن هو ما يسمى بـ”الوفيات الطبيعية”، والتي تُعزى غالبًا إلى قصور القلب الحاد أو فشل الجهاز التنفسي.

وذكرت الصحيفة أن مثل هذه التصنيفات، التي تجرى عادة بدون تشريح للجثة، غالبًا ما تفشل في تقديم تفسير طبي مشروع للسبب الأساسي لهذه الوفيات.

واستنادًا إلى البيانات التي حصلت عليها الصحيفة، تم تصنيف 69٪ من الوفيات بين العمال على أنها طبيعية، الأمر الذي يكشف فشل النظام القطري في حماية القوة العاملة المهاجرة التي يبلغ قوامها مليوني نسمة، أو حتى التحقيق في أسباب ارتفاع معدل الوفيات بين العمال الشباب إلى حد كبير، إذ سلطت “جارديان” الضوء على نقص الشفافية والصرامة والتفاصيل في تسجيل الوفيات في قطر.

وبالعودة لتقارير المنظمات الحقوقية، كان تقرير لمنظمة العفو الدولية في 20 أكتوبر الماضي قد فضح، المعاملة السيئة التي تتلقاها عاملات المنازل الأجانب في قطر، وأكد أنهن يعانين من ظروف عمل شديدة القسوة، وبعضهن تعرضن للضرب والتحرش الجنسي والاغتصاب.

واستند التقرير إلى لقاءات أجرتها المنظمة مع 105 نساء، حيث قال نحو 85% إنهن نادرًا ما يحصلن على أيام راحة أو لا يحصلن على الإطلاق، وإن أرباب عملهن يحتفظون بجوازات سفرهن.

في ديسمبر الماضي، فقد اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قطر، بانتهاك حقوق مئات العمال، مشيرة إلى “فجوة بين وعود قطر بالإصلاح والواقع”.

وقالت المنظمة إن السلطات القطرية لم تُنصِف مئات العمال الوافدين المحرومين من أجورهم لأشهر في شركتين، رغم إبلاغها مرارًا بالانتهاكات.

كما كشف تقرير صادر عن منظمة “Equidem” لحقوق الإنسان، ونشر في نوفمبر الماضي، أن الكثير من الشركات القطرية فشلت في دفع رواتب العمال ذوي الأجور المنخفضة منذ تفشي فيروس كورونا المستجد، ما جعل العمال معدمين وفي حالة عوز.

وختامًا أصبح الملف القطري لاستضافة المونديال ملفًا شائكًا ونقطة سوداء ليس في تاريخ قطر فحسب، بل في تاريخ كرة القدم بأكملها، وذلك بسبب كثرة الاتهامات التي ما انفكت الدوحة أن تنهض منها إلا ووقعت فيها من جديد.

ربما يعجبك أيضا