بعد الارتفاع الجنوني لـ«بتكوين».. هل يرى الدولار الرقمي النور؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

دفعت جائحة كورونا دول العالم أكثر باتجاه تعزيز آليات استخدام التكنولوجيا في كافة مناحي الحياة، نظرا لما فرضته وما زالت تفرضه من قيود تتعلق بالتباعد الاجتماعي والعمل عن بعد، ومن ضمن هذه الآليات التي توجهت إليها الأنظار العملات الرقمية سواء على صعيد الاستثمار فيها وتداولها أو استخدامها كأداة للمدفوعات الإلكترونية.

نتيجة لتداعيات الجائحة قفزت أشهر هذه العملات وأكبرها من حيث القيمة السوقية “البتكوين” خلال 2020 بأكثر من 300%، ووصلت أخيرًا إلى مستويات 51 ألف دولار، ما يعكس حجم القبول الذي تحظى به وسط المستثمرين كوسيلة للتحوط ضد التضخم في وقت بات الدولار الأمريكي – العملة الاحتياطية الأولى على مستوى العالم- لا يشكل ملاذًا آمنا، كما أن الذهب من جهة أخرى يتأثر بمعنويات السوق بصورة أكبر من البتكوين والأهم يتأثر بقرارات الفيدرالي الأمريكي بصورة أو أخرى صعودًا وهبوطًا.

واشنطن تفكر في طرح الدولار الرقمي

من الطبيعي أمام الارتفاع الجنوني للبتكوين وتوقع المؤسسات المالية بأن تواصل صعودها خلال العام الجاري بصورة غير مسبوقة قد تحلق بها إلى مستويات الـ150 ألف دولار ووضعها في خانة واحدة مع الذهب وربما تتفوق عليه كملاذ للمستثمرين من اضطرابات أسواق العملات والأسهم والمعادن في ظل استمرار تداعيات كورونا الاقتصادية، وعلى رأسها استمرار البنوك المركزية حول العالم في انتهاج سياسات التيسير النقدي والمحافظة على مستويات فائدة تقترب من الصفر.  

بالأمس قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول – أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ- أمامنا الكثير من الوقت للوصول إلى التعافي الكامل من الجائحة، لذا من المبكر الحديث عن تغيرات بشأن السياسة النقدية على المدى المتوسط، وليس من المرجح أن الزيادة في الإنفاق ستؤدي إلى تضخم كبير أو مستمر.

وأكد باول أن المركزي الأمريكي يدرس بعناية إمكانية طرح نسخة رقمية من الدولار، قائلا: إن تطوير عملة رقمية تابعة للفيدرالي يمثل أولوية كبرى، لكن الأمر يحمل تساؤلات على جانب السياسة والتقنيات.

لكنه استطرد قائلا: نحن ملتزمون بحل المشاكل التكنولوجية التي قد تعوق الدولار الرقمي، والتشاور مع العامة على نطاق واسع وبالشفافية، ومع جميع الفئات المعنية حول ما إذا كان ينبغي لنا القيام بذلك وكيف يمكن القيام به بشكل صحيح.

كلام باول يؤكد رغبة الاحتياطي الفيدرالي في إصدار عملة رقمية رسمية، لكنه في نفس الوقت يسلط الضوء على بعض المخاوف التي ما زالت محل دراسة لمعالجتها قبل القيام بهذه الخطوة الهامة، فالحديث هنا عن العملة الأقوى بالعالم، فالدولار يهيمن على نحو ثلثي احتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي، وعلى 85% من المعاملات المصرفية حول العالم وعلى حركة التجارة العالمية بلا منازع.

البداية كانت من عملة “فيسبوك”

هذه ليست المرة الأولى التي يفكر فيها الاحتياطي الفيدرالي في إطلاق نسخة رقمية من الدولار، فمنذ أن أعلنت شركة  فيسبوك في يونيو 2019، لأول مرة عن مخططها لإطلاق عملة رقمية باسم “ليبرا” بحلول 2020، ضاعفت البنوك المركزية حول العالم بما فيها “الفيدرالي” جهودها لدراسة إمكانية إطلاق عملات رقمية رسمية تابعة لها، وكما سرعت “عملة فيسبوك” الخطوات فعلتها “كورونا” مرة أخرى وبقوة.

قد يتصور البعض أن “عملة فيسبوك” لم تجد معارضة في موطنها “أمريكا”، إلا أن هذا عكس ما حدث، حيث اعتبرت السلطات المالية والرقابية أن “ليبرا”  تهدد السياسة النقدية ومكانة الدولار، إلى جانب ما تثيره من مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن والتجارة، فيما رهن الاحتياطي الفيدرالي السماح لـ”فيسبوك” باستكمال مشروعه بمعالجة بواعث القلق التي غذتها ليبرا لدى الهيئات التنظمية، وأعلن عن تشكيل لجنة لدراسة الأمر والتنسيق مع بنوك مركزية أخرى حول العالم، نظرا لطبيعة أعمال فيسبوك العابرة للحدود.

كما أبدى رؤساء البنوك المركزية في دول مجموعة السبع مخاوفهم حيال ليبرا، وقدرتها على تهديد الاستقرار المالي عالميًّا، ما حدث بعد ذلك أن هذه الدول جميعها أعلنت أنها تدرس بشكل عملي إطلاق عملات رقمية خاصة بها، وبالنسبة لـ”فيسبوك” فبدأت بالفعل خطواتها التنفيذية لإطلاق عملتها منذ نهاية العام الماضي حيث تقدمت للحصول على الموافقات الرسمية في عدد من الدول على رأسها سويسرا لإطلاق عملة رقمية موحدة مدعومة بالدولار، للاستخدام في عمليات تحويل الأموال والأعمال التجارية.

وبالعام الماضي بدأت بعض الدول الكبرى خطوات فعليه على طريق التحول إلى عصر العملات الرقمية – إن جاز التعبير- فأصدر بنك الشعب الصيني أول عملة رقمية في 4 مدن ضمن اختبارات يجريها، لقياس مدى قبول المستهلكين لهذه العملات والقدرة على مراقبة معاملاتها بدقة.

وفي يوليو الماضي كانت ليتوانيا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تستخدم تقنية “البلوك تشين” والعملات الرقيمة رسميا، بضوء من البنك المركزي، ضمن مشروع لتطوير عملة رقمية رسمية.

لكن أولى الدول التي أطلقت عملات رقمية خاصة بها كانت فنزويلا وجزر مارشال في العام 2018.

الجائحة تسرع التحول إلى العملات الرقمية

فرضت أزمة كورونا الكثير من التغيرات على نمط حياة شعوب العالم ككل، كان أبرزها زيادة الاعتماد على أنظمة المدفوعات الإلكترونية، ومن أجل تقليل الوقت فيما يتعلق بتحويل الأموال وسدادها واستلامها بين أطراف المعاملة المالية الوحدة، برزت العملات الرقمية كوسيلة مثلى لتحقيق كفاءة أكبر لهذه العمليات، باعتبارها أداة تتمتع بسرعة الضوء حول العالم ويمكن استخدامها بسهولة عبر منصة للمدفوعات.  

وكما أصبحت فكرة التخلي عن النقود التقليدية أكثر قبولا بين شعوب العالم، بفعل قيود كورونا، باتت أيضا تتمتع بالقبول بهامش أكبر من ذي قبل على الصعيد الرسمي من قبل دول كما رأينا مثل الولايات المتحدة، فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس الاحتياطي الفيدرالي بجدية عن “الدولار الرقمي”، ربما لأن الاقتصاد الأمريكي الذي سجل في 2020 أسوأ انكماش في تاريخه منذ الحرب العالمية الثانية، يحتاج إلى طوق نجاة لاستعادة ثقة المستثمرين، فكأنه يقول أنه ليس بعيدا عما يحدث وهو يراقب “بتكوين” عن كثب وقريبا سيكون لديه عملة رقمية منافسة ذات موثوقية عالية بطبيعة الحال للارتباطها بالعملة الأهم عالميا.

هناك بعض المشاكل التقنية التي يجب أولا حلها للوصول إلى الدولار الرقمي، منها معالجة بيروقراطية النظام الوطني للمدفوعات – فحتى اللحظة هناك أمريكيون يستلمون شيكات المساعدات عبر البريد- وتأسيس البنية التحتية الخاصة بهذا النوع من العملات المعتمدة على تقنية “البلوك تشين” والتغلب على الهاجس الأمني من خلال إطلاق حسابات ومحافظ للدولار الرقمي موثوقة ومرتبطة ببروتوكلات “مصادقة هوية المستخدم”.. ما يعني أن هناك الكثير من العمل أمام “الفيدرالي” لتحويل البحث والدراسة إلى واقع عبر إطلاق نسخته الرقمية من الدولار، وربما تساعد الجائحة في دفعه بقوة لتسريع وتيرة العمل بهذا الاتجاه للحفاظ على مكانة الدولار عالميا.   

ربما يعجبك أيضا