الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.. سياسة الجسور المحترقة!

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

في 2009، وتحديدًا في 10 فبراير أجريت انتخابات الكنيست 18، والتي أسفرت نتائجها عن حصول حزب قاديما (إلى الأمام) برئاسة تسيبي ليفني على العدد الأكبر من مقاعد الكنيست، بواقع 28 مقعدًا، وجاء حزب هاليكود (التكتل) ثانيًا بواقع 27 مقعدًا.

ما حدث بعد ذلك أن بنيامين نتنياهو قلب فوز ليفني إلى خسارة، حيث استطاع -بعدد مقاعد أقل منها- أن يحشد أغلبية لصالحه في الكنيست، وصلت إلى 65 مقعدًا من 120، بعد تأييد مجموعة أحزاب له، ليتمكن من الحصول على تكليف الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريس، ويصبح نتنياهو رئيسا للحكومة الإسرائيلية الـ32، وتخسر ليفني أسبقيتها، لأنها لم تتمكن من كسب تأييد كتل اليمين، بل ولم يقدم حزبا هاعفودا وميرتس توصية لميرتس عند شمعون بيريس.

12 عامًا مرت، ويبدو نتنياهو متحينًا الفرصة مرة أخرى، فالكتلة التي تسمي نفسها “أنتي- بيبي” (مضاد بيبي) ما تزال بعيدة كل البعد عن التوحد لتشكل كتلة كبيرة تجمع أغلبية مقاعد تُسقط بها نتنياهو في انتخابات الكنيست الـ24 المقررة في 23 مارس المقبل.

خلال جولتي الانتخابات الماضية العام الماضي، تنافست كتل انتخابية هي الأكثر في تاريخ إسرائيل، ورغم ارتفاع أصوات المعارضين لنتنياهو، فإنه استطاع المحافظة على منصب رئاسة الحكومة، بل تفتت أكبر كتلة معارضة له، تحالف كاحول لافان، الذي جمع ثلاثة أحزاب، كان على رئاستها يائير لابيد (ييش عاتيد)، وبيني جانتس (حوسن ليسرائيل)، وموشيه يعلون (تيلم)، حيث أصبح جانتس مجرد سياسي ساذج تأبطه نتنياهو، لتسويف مشكلات الاقتصاد، ومحاكمته، حتى تفتت تحالف “كاحول لافان”، ويصبح جانتس وحيدًا في حزب “كاحول لافان” الآيل للسقوط، والمعرض لعدم حصوله على نسبة الحسم المؤهلة لدخول الكنيست، فيم قرر موشيه يعلون عدم خوض الانتخابات المقبلة في مارس، بينما ظل لابيد وحيدًا يواجه تحفظات شديدة من أعضاء حزبه، ومن مجموعة “أنتي- نتنياهو” التي ترفض حتى الآن أن يكون يائير لابيد واجهة التكتل، والمرشح الأوفر حظًا ليكون صاحب فرصة تولي رئاسة الحكومة المقبلة.

صرحت ميراف ميخائلي، الرئيسة الجديدة المنتخبة لحزب هاعفودا، أن  حزبها لم يقرر بعد، وتفضل الانتظار لما بعد الانتخابات، في إشارة لاحتمالات إعلان حزبها دعم يائير لابيد وحزبه “ييش عاتيد”، فيم نُقل على لسان نيتسان هورفيتش، رئيس حزب “ميرتس”، أنه لا يثق في لابيد، حتى بيني جانتس، وزير الدفاع ورئيس كاحول لافان، قد صرح لوسائل إعلام أن لابيد ليست لديه فرصة لتشكيل الحكومة المقبلة، وليس له مستقبل، على خلاف جدعون ساعر المنشق عن حزب هاليكود، ورئيس الحزب الجديد “تكفا ليسرائيل”، والأمر نفسه بالنسبة لساعر، الذي قلل من قدرة لابيد على تشكيل حكومة.

على الجانب الآخر، فإن جناح اليمين الصهيوني، ممثلا في يامينا، تحت قيادة نفتالي بينت، لا يبدو أنه مرحب على الإطلاق بأن يكون مؤيدًا ليائير لابيد، أو تابعًا له، أو حتى مشاركًا إياه في الحكومة المقبلة (حتى الآن).

منذ وقت طويل، يصر لابيد، المذيع السابق، على إثبات أن لديه رؤية سياسية، وأن لديه مجال للمناورة، لكن الأيام القليلة الماضية أثبتت أن مساراته السياسية ما هي إلا قصص قصيرة جدا، مثل تسيبي ليفني عام 2009، حتى لو نال توصية لتشكيل حكومة من القائمة العربية، حيث لا يقبل اللاعبون المشاركون في تكتل إسقاط نتنياهو قيادته، ويجدون صعوبة في التعامل مع حقيقة أنه سيشغل منصب رئيس الوزراء.

يبدو لابيد مُقدّرًا لثباته، ورفضه الدخول في حكومة نتنياهو، وحقيقة أنه أسس حزبا فعالا ومستقرا (إلى حد كبير)، نجح في الصمود لمدة 9 سنوات، منذ تأسيسه في 2012، لكن هذا هو المكان الذي ينتهي فيه تقريبا، فليس الوقوف أمام نتنياهو كافيًا، ولكن قبل هذا يجب أن ينال ثقة الكتل الأخرى، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

نتنياهو يشاهد كل هذا الصراع، الذي يتمحور حول الطموحات الشخصية، يفهم المعادلة جيدًا، ويريد استكمالها للنهاية، فيائير لابيد مرفوض كرئيس وواجهة لكتلة معارضي بيبي، وجدعون ساعر يبدو أنه لن يمتلك أغلبية بدون أحزاب هاعفودا وميرتس وتكفا ليسرائيل، بل وأيضا حزب يسرائيل بيتينو بقيادة أفيجادور ليبرمان.

على الجانب الآخر، رغم أنه يستفيد من تفتت معارضيه، فإن نتنياهو إلى الآن لا يملك أغلبية 61 مقعدًا تؤهله للاستمرار في السيطرة على الحكومة الإسرائيلية، رغم التأييد الكامل من أحزاب اليمين الديني، فيلزمه دعم نفتالي بينيت، وهذا أيضا يمكن ألا يكون كافيًا، وفقا لاستطلاعات الرأي اليومية، لأن هاليكود، وفقًا لنتائج آخر استطلاع، تتراوح مكاسبه بين 32- 36 مقعدًا، والرقم الأقل هو الأرجح، وهذا يعني أنه حتى لو توصل نتنياهو إلى صيغة “تصالح” مع بينيت، واستفاد من دعمه، لن يمتلك 61 مقعدًا في الأخير. 

اليسار الإسرائيلي أقلية في جميع الأحوال، وكتلة دعم نتنياهو هشة للغاية رغم كثافة الأسماء المكونة لها، فلا توافق تام بين الجميع على يائير لابيد، أو جدعون ساعر، والخلافات بين أحزاب ييش عاتيد، وتكفا ليسرائيل، ويسرائيل بيتينو، ويامينا، وهاعفودا، وميرتس، كاحول لافان (إذا تجاوز نسبة الحسم) تبدو خلافات جوهرية، يغذيها نتنياهو نفسه من بعيد، على أمل أن يستطيع تفتيتها باستقطاب الفائز الأكبر منها، يامينا مثلا باعتباره الأوفر حظًا، والأقرب لإعادة علاقات التحالف مع بيبي، مثلما كان الثنائي في الماضي القريب، ومعهما أييلت شاقيد شريكة نفتالي بينيت، ولكن هذا لا يبدو كافيًا، هاليكود زائد أحزاب المتدينين زائد يامينا (بافتراض التوافق)، لايبدو كافيا لبيبي كي يستمر الرجل الأول في إسرائيل، لا يبدو كافيًا لأي سياسي كي يصبح رئيسا للوزراء، في دولة مشلولة سياسية منذ عامين، ويرتفع فيها السخط الجماهيري، مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الفساد السياسي، وتكرار الانتخابات التي يبدو أنها تجري فقط لإهدار الأموال.

السيناريو الذي يبدو قريبًا الآن، أن يتفق طرفان على حكومة تناوب، لكن الشواهد القريبة جدا (حكومة نتنياهو- جانتس) تؤكد أن هذا السيناريو مآله إلى الفشل، فلم تستمر حكومة بيبي- بيني لعام واحد، ولم يحقق جانتس حلمه بأن يكون رئيسا للحكومة بعد نتنياهو، الذي فعل كل شيء ليتخلص من المناوبة، ليستمر هو “الملك بيبي” لأطول وقت ممكن.

ربما يعجبك أيضا