صواريخ أربيل في العراق.. تعيد بايدن إلى ساحة الحرب

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

يبدو أن إطلاق الصواريخ على أربيل، أيقظت اهتمام الرئيس الأمريكي جو بايدن بالملف العراقي، وهو ما دفع إدارة بايدن للرد عسكريًا بقصف أهداف موالية لميلشيات إيرانية في سوريا، لتبدأ حرب الوكالة بين طهران وواشنطن من خلال ساحتي سوريا والعراق ، بضربات تتزامن مع التوترات القائمة بشأن عودة الاتفاق النووي الإيراني، لكن ما هو الهدف الأكبر لبايدن في العراق؟ في ضوء سياسته الأخيرة التي باتت تؤكد بقائه للأبد في العراق ناكثًا بوعوده الانتخابية التي تعهد فيها بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط.

بايدن يتحرك

عقب إطلاق الصواريخ على أربيل، جاء اهتمام الرئيس الأمريكي جو بايدن باتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ليضع ملف العراق ضمن سلم أولوياته في المنطقة، لاسيما بعد استئناف إطلاق الصواريخ من قبل الجماعات المسلحة التي توصف بأنها من «وكلاء إيران» في العراق، رغم نفيها ضلوعها بمثل هذه الأعمال.

وجاء بيان البيت الأبيض ليؤكد دعم واشنطن لسيادة العراق واستقلاله، حيث بحث الطرفان ضرورة التعاون الثنائي ودفع عجلة الحوار بين الولايات المتحدة والعراق وحماية المصالح المشتركة بينهما وتوفير الحماية للبعثات الدبلوماسية وتعزيز استقلالية السيادة العراقية، والعمل على ضرورة محاسبة المتورطين في تلك الهجمات.

وفي هذا السياق، قال الدكتور حسين علاوي أستاذ الأمن الوطني في كلية النهرين ورئيس مركز «أكد» للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية، أن اتصال بايدن بالكاظمي “يدل على اهتمام الحكومة الأمريكية في العراق وهي رسالة إلى دول منطقة الشرق الأوسط في ظل الـ100 يوم الأولى من عمر الحكومة الأمريكية”.

يمكن القول: إن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم سيادة العراق وأمنه القومي في ظل الصراع المحتدم بين الجانبين الأمريكي والإيراني، فالعراق بات يمثل نقطة محورية أمام فريق الأمن القومي الأمريكي نتيجة الخبرة والقدرة على تفهم المشكلة.

تصعيد ضد حكومة بغداد

بحسب المحللين، فإن الهجمات الصاروخية المتجددة ضد منشآت أمريكية في العراق، هي رسالة تصعيد واضحة من قِبل الفصائل الموالية لإيران ضد حكومة بغداد، على خلفية نفاد صبر طهران تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة.

يذكر أنه وبعد هدوء استمر لأربعة أشهر، سُجلت ثلاث هجمات بالقذائف الصاروخية على مصالح غربية في العراق خلال أسبوع، حيث استهدفت قاعدة بلد شمال بغداد، بهجوم صاروخي أدى إلى إصابة متعاقد عراقي في شركة أمريكية مكلفة بصيانة طائرات «إف – 16» التي حصل عليها العراق من الولايات المتحدة، وفق ما أفادت به مصادر أمنية.

سبق ذلك هجوم مماثل استهدف قاعدة جوية في كردستان العراق في شمال البلاد، تؤوي جنوداً أمريكيين، ما تسبب بمقتل مدني عراقي ومتعاقد مدني أجنبي وجرح آخرين، بينهم عسكري أمريكي.

تشبه تلك الحوادث السابق ذكرها، الهجمات التي وقعت العام الماضي واستخدمت فيها عشرات الصواريخ، وهو ما يفند ادعاءات المجموعة المتهمة بعدم تنفيذها، وهي حوادث يراها المحللون مرتبطة بعوامل محلية ودولية.

محليًا، تتحدى الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي كان قد وعد بضبط المتورطين في تلك الهجمات، فهم يسعون للتأكيد على وجودهم وأنهم يتحركون بحرية ولا أحد يمكنه إيقافهم، ولذا تسعى هذه الفصائل التي لها ممثلون في البرلمان، إلى إبراز عضلاتها مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة التي يجري التحضير لها في أكتوبر المقبل.

دوليًا، تحمل تلك الهجمات أيضًا رسالة من طهران إلى واشنطن حيث تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي، الذي نقض في عهد الرئيس دونالد ترامب في 2018، ومن ثم فقد تكون مثل تلك الهجمات محاولة من إيران لزيادة نفوذها في ضوء المحادثات التي تلوح في الأفق.

لكن هجمات الميلشيات الموالية لإيران ضد أهداف أمريكية في العراق ، جاء الرد عليه باستهداف عسكري أمريكي لمواقع ومنشآت تدعمها إيران في سوريا، ليؤكد بايدن أن إدارته ستعمل على حماية الأفراد الأمريكيين وقوات التحالف، والسعي لتهدئة الوضع العام في كل من شرقي سوريا والعراق.

وفي ضوء ما أعلنته الولايات المتحدة مؤخرًا، فإن الهدف الأكبر لبايدن كان تقليل الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران ووكلائها في المنطقة، بما في ذلك العراق، والبحث عن طريق للعودة إلى الدبلوماسية مع طهران، لكن الهجمات الأخيرة ضد الأمريكيين يمكن أن تقوض الهدف الدبلوماسي الأوسع وتضر بمحاولة الولايات المتحدة الجديدة لإقناع العراق بالابتعاد عن إيران من خلال تقديم الحوافز بدلاً من التهديدات، عقب تهديد الميلشيات الموالية لإيران بالرد على هجمة بايدن.

ولعل ما حدث يجعلنا ندقق في سياسات بايدن في العراق وما الذي يسعى إليه في ضوء التطورات الأخيرة.

أهداف بايدن في العراق

على الرغم من وعد الرئيس بايدن أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحروب التي تورطت فيها بلاده في الشرق الأوسط، إلا أن ما ذكره السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة من أن بلاده لن تخرج من العراق قبل القضاء على الجماعات الإرهابية وخصوصا داعش، يؤكد أن الولايات المتحدة ستبقى في العراق إلى الأبد.

وترجع حيثيات ذلك إلى أن عودة ظهور داعش، وتحقيق الاستقرار في العراق، وحماية الانتخابات، وإنفاق المليارات من أجل توفير المأوى والرعاية الصحية وإنهاء الفساد، كلها أهداف تسعى الولايات المتحدة لتنفيذها، وهي أهداف ستبقي الولايات المتحدة في العراق إلى الأبد.

في المقابل، يمكن القول أن عمليات مكافحة الإرهاب ضد داعش، كانت دائمًا الاستثناء لوعده بإنهاء الحروب. فخطة بايدن للانسحاب تغفل ثلاث نقاط أساسية.

الأولى، أن القضاء التام على داعش لن يكون ممكنًا بالوسائل العسكرية، لأنها معركة أفكار ومخاوف واقتصاد ومن ثم سيكون الالتزام بالحفاظ على وجود عسكري في العراق لمنع وجود مزيد من الإرهابيين في المستقبل البعيد.

الثانية، التعامل مع فلول داعش يتطلب إبقاء الجنود الأمريكيين إلى أجل غير مسمى، ومن ثم سيتعين على الكونجرس -في أسرع وقت- أن يأذن للقوات الأمريكية بالعودة إلى العراق.

وثالثًا وختامًا، فإن إبقاء القوات الأمريكية في العراق لفترة أطول ليس خيارًا مناسبا لتحييد المخاطر، فهو يهدد بالتصعيد من خلال تعريض القوات الأمريكية لخطر داعش والميلشيات المرتبطة بإيران، ومن ثم ستؤدى إطالة أمد الحرب في العراق إلى زيادة فرصة الحرب مع إيران، وبالتالي إحداث نتائج عكسية لأهداف بايدن في العلاقات الأمريكية -ـ الإيرانية.

ربما يعجبك أيضا