الطلاق القبيح بين لندن وبروكسل.. ضبابية ما بعد «البريكست»

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد أن التقط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنفاسه نهاية ديسمبر الماضي من ماراثون محادثات البريكست بالتوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، ظنا منه أن مرحلة عدم اليقين بشأن البريكست قد انتهت، يبدو أنه على موعد مع ماراثون جديد مع بروكسل، فمنذ مطلع العام وحكومته تعيش أياما صعبة في محاولة لاحتواء تداعيات الانفصال عن الكتلة الأوروبية وسط رياح كورونا التي تعصف بالبلاد بلا هوادة، لكنها تفاجأت في النصف الثاني الشهر المنصرم بالاتحاد الأوروبي يطلب تمديد “التطبيق المؤقت” للاتفاق التجاري حتى 30 أبريل.

تمديد جديد على خط البريكست

في 19 فبراير تلقى وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني مايكل جوف رسالة من نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش يطلب التمديد حتى 30 أبريل حتى يتمكن الاتحاد من استكمال إجراءاته الداخلية والتوقيع رسميا على اتفاق التجارة.

كان التطبيق المؤقت لـ”البريكست” حلا توصلت إليه لندن وبروكسل نهاية العام الماضي للمضي قدما على طريق الطلاق الصعب، شريطة الانتهاء من المصادقة على الاتفاق التجاري رسميا بحلول 28 فبراير المنصرم، لكن هذا لم يحدث، إذ ترى بروكسل أنها في حاجة إلى مزيد من الوقت لإتاحة نص الاتفاق بجميع لغات الاتحاد “الأربع والعشرين”، ليتم تدقيقه من قبل البرلمانات والحكومات الوطنية، ومن ثم يصادق عليه البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد للقادة الوطنيين ليصبح ساريا رسميا بعد 30 أبريل “الموعد الجديد”.

داخل بريطانيا مُنح الاتفاق التجاري مصادقة رسمية وبدأت بالفعل ترتيبات العمل به مع دول الاتحاد، فيما يتعلق بالعلاقات التجارية وحركة النقل، وفي رده على المفوضية وافق مايكل جوف على تمديد التطبيق المؤقت للاتفاق التجاري، لكنه قال: إن المملكة المتحدة عارضت دائمًا أي تأخير في التصديق نظرًا لعدم اليقين الذي يخلقه للأفراد والشركات، بل للأطراف المعنية المتمثلة في لندن وبروكسل.

ورهن جوف انطلاق مجلس الشراكة الجديد – الذي تأمل الشركات البريطانية والأوروبية أن يخفف الأزمة الناجمة عن البريكست- بالمصادقة الأوروبية على الاتفاق التجاري، وقال: “يجب ألا يبدأ العمل حتى يتم الانتهاء من التصديق”.

 بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، بروكسل على العكس من حكومة جونسون لا ترى أن تمديد التطبيق المؤقت للاتفاق التجاري يغذي الشكوك بشأن صفقة البريكست برمتها ويغذي حالة عدم اليقين، لكن الواقع يؤكد أن لندن لديها الحق في القلق، فأي فراغ أو مدد زمنية جديدة لإتمام الطلاق غير الرجعي بين الجانبين سيخلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات والسياسيين، وسيؤثر سلبا على ملفات ما زالت عالقة أبرزها بروتوكول أيرلندا الشمالية.

ملفات عالقة على طاولة “الطلاق الصعب”

“أيرلندا الشمالية” ليست المعضلة الوحيدة أمام الطلاق البريطاني، هذا ما أكدته الأيام الأولى من تطبيق الاتفاق التجاري الذي أعطى البريكست طابعا رسميا اعتبارا من يناير الماضي بعد نحو أربعة أعوام ونصف من المحادثات- حيث انفجرت التوترات بين بروكسل ولندن وبدأت لعبة تبادل الاتهامات واللوم مع  تعطل حركة الشاحنات الأوروبية على حدود بريطانيا ومواجهة البضائع البريطانية لرسوم جمركية لم تعهدها من قبل، فيما واجهت بعض البضائع البحرية حظرا كاملا في الأسواق الأوروبية، تجدر الإشارة هنا إلى أن صادرات المنتجات البحرية البريطانية تقدر بنحو 15 مليون جنيه استرليني سنويا، وغالبيتها يوجه لدول أوروبا.  

هذا فضلا عن أزمة توريد لقاحات كورونا، حيث يصر الاتحاد على عدم توريدها إلى خارج الكتلة قبل تغطية احتياجاته، وفي الجهة الأخرى أصرت لندن بعدم السماح لشركة “أسترازينيكا” بتوريد لقاحات إلى دول الاتحاد قبل تأمين احتياجات المملكة المتحدة.

وتصاعدت التوترات بين الجانبين أكثر، فعلى سبيل المثال رفضت الحكومة البريطانية منح الوضع الدبلوماسي الكامل لمبعوث الاتحاد الأوروبي  إلى لندن، وعلى الجهة الأخرى سمعنا بروكسل الشهر الماضي وهي تلوح بالتراجع عن الاتفاق التجاري برمته.

واتهمت المفوضية الأوروبية لندن بالفشل في تنفيذ اتفاقات البريكست، وعدم الالتزام بالسيطرة على حركة البضائع والأشخاص بين أيرلندا – الدولة العضو في الاتحاد- وأيرلندا الشمالية وغيرها من أجزاء  المملكة المتحدة.

فيما يعتقد بوريس جونسون أن بروكسل عبر هذه الاتهامات وغيرها من التدابير التي تتخذها للتضيق على البضائع البريطانية تتعمد إحراجه داخليا، فهناك في بريطانيا وداخل حزبه السياسي “المحافظين” صوت لا يستهان به كثيرا ما طالبه بعدم تقديم أية تنازلات لصالح الاتحاد، لذا هدد في أكثر من موضع بالرد على خطوات بروكسل التصعيدية بخطوات مماثلة ضد بعض البضائع الأوروبية.

يبدو أن الوصول إلى اتفاق البريكست أوالصفقة التجارية كان أسهل بدرجات من تطبيقه على أرض الواقع، فالجميع لديه مخاوف بعضها معلن والبعض الأخر مستتر في قرارات قاسية، فالاتحاد الأوروبي يرغب في التأكيد على أن مغادرته هي أسوأ قرار اتخذته بريطانيا في تاريخها ولن ينسى حتى اللحظة أنها انتزعت اتفاقا تجاريا على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أما جونسون فيريد تصدير صورة بريطانيا العظمى مرة أخرى التي لا تحتاج إلى أحد حتى لو كان “الاتحاد الأوروبي”، ما يعني أن الأيام المقبلة ستشهد مرحلة جديدة من المناوشات بين الجانبين على الأرجح سيكون عنوانها الرئيسي “بروتوكول أيرلندا الشمالية”، إذ ستلجأ بروكسل ولندن إلى التهديد المتبادل بإلغائه وإشعال فتيل الصرعات الحدودية القديمة، لكن الأمر لن يتعدى مرحلة التهديد، فعقارب الساعة لا تعود للوراء، والأهم أن البروتوكول يخدم الطرفين، إذ يسمح لأيرلندا الشمالية “البريطانية” إن جاز التعبير بالحفاظ على حدود مفتوحة مع أيرلندا “الأوروبية”، حتى بعد مغادرة الأولى للسوق الأوروبية الموحدة.

ربما يعجبك أيضا