بين روسيا وإيران.. صراع بنكهة النفط السوري وبايدن يراوغ

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

باتت المصالح بين روسيا وإيران في اقتسام النفط السوري أحد أبرز أسباب دعمهما لنظام الأسد، والتي قد تلقي بظلالها على صراعات خفية بين الحليفين الدوليين للحصول على النصيب الأكبر، في وقت تسعى فيه إدارة بايدن لإيجاد موطئ قدم لها داخل الساحة السورية ليس من أجل النفط، ولكن من أجل إيجاد ورقة تساوم بها عبر المواجهة بين روسيا وإيران.

ثمن بقاء النظام

بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب السورية، يتحرك الجانبان الروسي والإيراني بسرعة وفي الخفاء من أجل استرداد ثمنًا للتدخل العسكري والسياسي، الذي كان له الدور الأبرز في بقاء رأس النظام السوري، بشار الأسد على كرسي الحكم.

خلال السنوات الماضية عكفت موسكو على التوغل في كافة المفاصل الاقتصادية لسوريا، بموجب عقود واتفاقيات وقعتها مع حكومة الأسد، وكان أبرزها، توقيع ثلاثة عقود للتنقيب عن النفط في الشرق السوري مع شركتين روسيتين، واللتين بات لكل منهما فرع في العاصمة السورية دمشق.

العقود الموقعة بين الروس والنظام السوري والخاصة بالنفط والغار تعتبر طويلة الأمد، حيث يستمر العمل خلالها لعشرات السنين، وهو ما انطبق في العقد الذي أبرمته موسكو في مجال الفوسفات، في عام 2018، وامتد حينها حسب ما ذكرت وسائل الإعلام الروسية والرسمية التابعة لنظام الأسد لـ 50 عاما.

على الجانب الآخر، قدر خبراء اقتصاديون أن النظام الإيراني أنفق ما يتراوح بين 30 و40 مليار دولار أمريكي في سوريا خلال السنوات الماضية، حيث تم تسليم عشرات المشاريع الاستثمارية لإيران في قطاعات اقتصادية حيوية، أبرزها الطاقة والتنقيب عن النفط والخدمات وبناء المساكن.

وتعد الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين طهران ودمشق وسيلة لاستنزاف موارد الأخيرة من قبل النظام الإيراني الطامع في تعويض نفقاته النقدية والعسكرية داخل سوريا، حيث وقعت طهران ودمشق على 5 مذكرات تفاهم واتفاقيات بينهما أهمها منح إيران امتياز لاستخراج خام الفوسفات من منجم الشرقية في سوريا، عام 2017.

تقاسم الكعكة

استثناءات وامتيازات قدمها النظام السوري تمثلت في عقود خاصة لشركات روسية وأخرى مدعومة من إيران للتنقيب عن النفط واستثمار الغاز وتطوير شبكات نقل استراتيجية من غرب العراق إلى غرب سوريا على البحر المتوسط.

وفي خطوة لتقاسم الكعكة، قامت القوات الروسية العاملة في سوريا، بإلزام استثمار حقلي نفط “التيم” و”الورد”، في محافظة دير الزور، إلى شركة “أرفادا” مالكة مصفاتي “الرصافة” لتكرير النفط الثقيل و”الساحل” لتكرير النفط المتكاثف بعقد مدته 5 سنوات، وذلك بعد اجتماع عقد في مطار دير الزور العسكري، بين ضباط روس، ورجل الأعمال السوري حسام قاطرجي.

بالمقابل، وبحسب مصادر محلية، أبقت روسيا حقلي “الحسيان”، و”الحمار” بريف البوكمال، تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني الذي رفض تسليمهما لها بحجة توقيع عقود استثمار مع دمشق مدتها 10 سنوات.

وتقبع أغلب حقول النفط في المنطقة الواقعة شرق سوريا، وتحديداً في محافظتي دير الزور والحسكة على الحدود العراقية والتركية، والتي يخضع أغلبها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، من بينها حقل رميلان في الحسكة، والذي يضم أكثر من 1322 بئراً، إضافة لأكثر من 25 بئراً للغاز، ولها أيضاً أكبر الحقول النفطية في سوريا، وهي حقلا العمر والتنك، وحقل العزبة وعدد من الحقول لأخرى الموجودة في ريف محافظة دير الزور، في حين يسيطر النظام وحلفاؤه، على حقول صغيرة.

يذكر أن أن روسيا سيطرت على حقلي “التيم” و”الورد” بدير الزور، منذ الصيف الماضي، في حين استولت الميلشيات الإيرانية على حقلي “الحسيان” و”الحمار” بريف البوكمال، منذ طرد تنظيم داعش منها عام 2017. وتكتسب حقول دير الزور الأهمية الأكبر بإنتاج كان يصل حوالي 400 ألف برميل يوميا.

النصيب الأكبر لروسيا.. وبايدن يتحرك

سعت روسيا منذ تدخلت عسكرياً في ساحة الصراع السوري إلى جانب النظام، عام 2015، للاستحواذ على القسم الأكبر من عقود النفط والغاز في سوريا، وبينما تفرض الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها عبر حلفائها على أغلب حقول النفط السورية، تستحوذ روسيا على عقود استكشاف الغاز الطبيعي السوري في البحر المتوسط، حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط في طرطوس.

وإذا صحّت هذه الأرقام فإن روسيا تستحوذ على القسم الأكبر من الكعكة السورية، وهي صاحبة المصلحة الأولى في الوصول إلى حل سياسي يحسم الصراع وبما يمكنها من تفعيل استثماراتها السياسية والاقتصادية في سوريا.

وفي المقابل ما يزال الطرف الأمريكي يبدي تراخياً في إدارة الصراع، إذ لا يشكل نصيبه من الكعكة السورية إغراءً له إلا بقدر ما يتيحه من أوراق تصلح للمناورة في مواجهة إيران وروسيا.

وللحيلولة دون تمكين روسيا من جني ثمار تدخلها العسكري والسياسي في سوريا، ولدعم المطالب الإسرائيلية، وعلى الأخص إخراج إيران من سوريا، وإغلاق الحدود السورية- العراقية أمام إيران”، يرى المحللون أن “التوجه الإسرائيلي نحو روسيا بكثافة في الأسابيع الأخيرة جاء ضمن مخاوف إسرائيلية من مبادرة أمريكية لحل الأزمة السورية لا تنسجم مع المصالح الإسرائيلية”.

وفي ظل التغيرات التكتيكية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في ملف الصراع على سوريا، فإن إدارة بايدن التي تبدو غير مهتمة بالنفط السوري تنشئ حاليًا أكبر قاعدة لها شرق الفرات حيث المناطق السورية الغنية بالنفط والغاز، وتحديدًا في قرية عين ديوار بريف الحسكة الخاضعة لسيطرة ميلشيات سوريا الديمقراطية «قسد».

ويتزامن هذا المخطط مع استهداف أمريكي لقوات موالية لإيران تحت ذريعة الرد على استهداف مطار أربيل ، لكن الرسالة التي حملتها الغارات الجوية مفادها بأن أمريكا موجودة في هذه المنطقة من سوريا، وهو بمثابة رسالة إنذار متعدد الأبعاد؛ إنذار إلى دمشق وحليفتيها، موسكو وطهران، حتى لا يفكروا بالتمدد على حساب الانحسار الميداني لأتباع واشنطن؛ وإنذار غير مباشر إلى «قسد» نفسها بأن واشنطن يمكن أن تقوم بالأمر بنفسها، وأنه عليها إيقاف التفاهمات المعقودة مع دمشق».

ربما يعجبك أيضا