بارتوميو وبرشلونة.. تجذَّر الفساد ورحلة السقوط للهاوية!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

لم تصبح آفة الفساد التي تصادفنا في شتى نواحي الحياة يومًا تلو الآخر، هي المعوق الأكبر لكافة محاولات التقدم فحسب، بل باتت المقوض الرئيسي لكافة دعائم التنمية مما يجعل مخاطرها تنمو بشكل متزايد لتصبح أشد تأثيرًا من أي خلل آخر.

عندما نسمع هذه العبارات تذهب مخيلتنا وكأن الحديث يتطرق إلى قضايا تتعلق بالنواحي الاقتصادية والسياسية في المقام الأول، وهذا يعد أمرًا منطقيًا ولكن حينما تتحول الساحة الرياضية التي من شأنها إسعاد الجماهير بمختلف انتماءاتهم، إلى ساحة للاعتقالات والمداهمات على خلفية تلك الآفة، فنجد أن الألعاب الرياضية قد تتحول إلى سلعة يحاول البعض التربح منها ولكن بطرق غير مشروعة.

تمثل هذا الأمر جليًا، في التطورات المتسارعة التي أربكت الموقف داخل أروقة أهم وأكبر أندية كرة القدم في التاريخ وهو برشلونة الإسباني، على مدار الساعات القليلة الماضية، إثر مداهمة الشرطة الكتالونية أمس الإثنين، مقر النادي واعتقال عدد من الإداريين وعلى رأسهم الرئيس السابق، جوسيب ماريا بارتوميو.

استقالة فــ«اعتقال»

الأزمات داخل أروقة النادي الكتالوني لم تشتعل شرارتها منذ الأمس فقط، بل كانت البداية في نوفمبر الماضي، عندما أجبر رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو على الاستقالة بعد سلسلة من المشكلات الإدارية والمالية، فضلًا عن الأزمة الفنية التي تبعت الهزيمة التاريخية 2-8 أمام بايرن ميونيخ بدوري أبطال أوروبا، ومطالبة ميسي بالرحيل عن النادي الكتالوني، ومن بعدها رحيل نجم الفريق لويس سواريز وغيرها.

الأجواء منذ هذه الفترة وحتى الأمس لم تمر مرور الكرام إذ أصبح البرسا يتخبط بين الحين والآخر تارة بنتائجه غير المعهودة، وتارة أخرى بالتكهنات عن مستقبل نجمه الأول الأرجنتيني ليونيل ميسي وتحديد وجهته المقبلة، فضلًا عن الأوضاع الإدارية والاقتصادية في ظل الإقبال على انتخابات رئاسية جديدة.

وبالأمس ازدادت الأمور تعقيدًا، حينما ألقت الشرطة الإسبانية القبض على المستقيل بارتوميو، و3 من كبار المسؤولين بالنادي، بعد حملة دهم شملت مقر النادي الكتالوني.

وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة “ماركا” الإسبانية، أن الاعتقالات قد ترتبط بفضيحة “بارساجيت”، التي طفت على الساحة من جديد، فيما قالت إذاعة “كادينا سير” و”راديو كتالونيا”، أنه تم القبض على بارتوميو ومستشاره السابق خاومي ماسفرير، والرئيس التنفيذي للنادي أوسكار غراو، ورومان غوميز بونتي رئيس الخدمات القانونية بالنادي.

وأشارت إلى أن الاعتقالات سبقها تفتيش الشرطة الإسبانية للمكاتب الإدارية بمقر النادي منذ الصباح الباكر، دون الإفصاح عن أي معلومات عن القضية التي تأتي قبل أيام من انتخابات مجلس إدارة جديد للنادي.

وفي أعقاب ذلك، أصدر النادي بيانًا رسميًا، يؤكد خلاله استعداده للتعاون مع الشرطة بشأن التحقيق في قضية “بارسا جيت”، مشيرًا إلى أن برشلونة قدمت تعاونها الكامل للسلطات القضائية والشرطة لتوضيح الحقائق التي هي موضوع هذا التحقيق.

فضيحة «بارساجيت»

أصابع الاتهام الأولى لحملة الاعتقالات التي نفذت من قبل الشرطة الكتالونية، تتوجه إلى قضايا الفساد المالي والإداري الذي طال إدارة بارتوميو، منذ توليه رئاسة برشلونة بعد استقالة ساندرو روسيل في 2014 بصورة مؤقتة، وبعهدا بالفوز في انتخابات 2015 التي تولي المنصب على إثرها بصورة رسمية حتى نوفمبر 2020.

تلك الاتهامات جعلت قضية “بارساجيت” الشهيرة تطفو على السطح مجددًا، بعد أن ظهرت إلى النور لأول مرة في العام الماضي، عندما تم الكشف عن تعاقد إدارة بارتوميو مع شركة “I3 Ventures”، لمتابعة ما يُثار حول النادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمقابل مادي، قد يكون أعلى بمراحل من المعتاد، وحينها قامت الشركة بإنشاء حسابات وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتمجيد في الإدارة والدفاع عنها.

وأكدت إذاعة “كادينا سير” حينها على أن الهدف من الحسابات الوهمية توجيه اللوم والانتقادات للاعبي برشلونة وأساطير النادي وعلى رأسهم ليونيل ميسي، بل وامتد الأمر لانتقاد زوجات اللاعبين وعوائلهم.

وإلى الجانب الاقتصادي في فضيحة “بارساجيت”، ظهر حاليًا الشق الجنائي، والذي يتمثل في التعاقد مع شركة استشارات مقابل مليون يورو، كانت تقوم بمهاجمة مرشحين سابقين بالانتخابات.

وفي التفاصيل، قالت تقارير إن المدفوعات تمت من خلال فواتير مختلفة مرت عبر أقسام مختلفة وكانت دائمًا أقل من 200000 يورو، مما يعني أنها لم تكن بحاجة إلى موافقة مجلس الإدارة.

وبعدها تم الكشف عن أسماء الشركات المختلفة، التي تلقت هذه المدفوعات، وهم (سوسيته سينس فينتشرز، تانترا سوفت، ديجيتال سايد، بيج داتا سلوشن، وفيوتريك)، وكلها مرتبطة بمالكI3 Ventures الذي يدعى كارلوس إيبانيز.

فساد مالي وإداري

فور اعتقالات الأمس، قالت تقارير، إن التحقيق القضائي يبحث في جريمة محتملة تتعلق بالإدارة غير السليمة في حالة دفع سعر مبالغ فيه أعلى من سعر السوق مقابل هذه الخدمات، كما أنهم يبحثون في جريمة فساد محتملة من قبل الأفراد، في حالة حصول أي مدير على عمولة.

إذ تم تسليم تقرير من وحدة التحقيقات الجنائية التابعة لقوة الشرطة الكتالونية إلى القاضي أليخاندرا جيل ليما، من محكمة تحقيق برشلونة رقم 13، ويعتقد أنه ذكر علامات فساد معتبرًا أن النادي ربما دفع الثمن “ستة مرات أعلى” من سعر السوق للخدمات.

ومن جانبه، كشف إيميلي روسو، نائب رئيس برشلونة السابق، لـ”العربية” أنه في فترة عمله مع إدارة بارتوميو تواجدت العديد من الشبهات وحالات الفساد والتلاعب بالضرائب، مؤكدًا على وجود العديد من الأخطاء، من ناحية العقود مع اللاعبين والرعاة، وأن هناك أياد كانت تمتد إلى خزينة النادي.

تجذر الفساد

فضيحة “بارساجيت” وبحسب تسلسل الأحداث لم تكن الأولى، بل جاءت ضمن العديد من قضايا الفساد التي هزت عرش برشلونة في السنوات الأخيرة.

ففي 2013، خرجت قضية شهيرة للنور بتهمة الاحتيال الضريبي، والتي حُكم على المهاجم الأرجنتيني ليونيل ميسي ووالده خورخي هوراسيو بالسجن 21 شهرًا وغرامة قدرها 3.7 مليون يورو (4.1 مليون دولار).

وفي 2014، اتهم برشلونة ورئيسيه السابقين بالاحتيال الضريبي على الصفقة انتفال النجم البرازيلي نيمار إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، إذ قال قال النادي إن العملية تكلفت 57.1 مليون يورو لكن لديه بعض العقود الموقعة مع اللاعب والتي عند أخذها في الاعتبار سترفع السعر إلى 83.8 مليون يورو.

ومن هذه الأموال، تم دفع 40 مليون يورو مباشرة إلى نيمار كجزء من عملية التحويل، واعتبر المدعين أن هذه الأموال جزءً من راتبه ويجب أن تخضع للضريبة على هذا النحو.

وبعدها توصل برشلونة إلى اتفاق مع المدعين العامين لدفع غرامة قدرها 5.5 مليون يورو على هذه القضية في صفقة تجعل النادي يتجنب محاكمة التهرب الضريبي.

وفي ذات العام “2014” فرض الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” على برشلونة حظرًا على سوق الانتقالات لمدة عام لخرقه قواعد التعاقد مع لاعبين دوليين تحت سن 18.

وفي 2016، قضت محكمة إسبانية في أواخر عام 2016 بأنه يتعين على برشلونة دفع 47 مليون يورو لشركة عقارية بسبب إلغاء بيع أراض، وهزت هذه القضية حينها الأوساط الرياضية والعقارية بشكل كبير.

أما في 2017، تم القبض على ساندرو روسيل، رئيس برشلونة السابق في قضية غسيل أموال، إذ أمرت المحكمة الوطنية الإسبانية آنذاك بالتحقيق، وقامت فرقة عمل مشتركة، مؤلفة من الحرس المدني والشرطة، باعتقاله بعد أن أشار التحقيق إلى أنه “جمع عمولات غير قانونية، تم الحصول عليها من خلال بيع حقوق الصورة لفريق كرة القدم البرازيلي”.

لم يكن هذا كل شئ، إذ تورط النادي الكتالوني تحت إدارة بارتوميو في العديد من صفقات الرعاية المبالغ فيها، مستندًا على نجاحاته الرياضية بأرقام فلكية أعلى من المعتاد، الأمر الذي ألقى بظلاله السلبية على الفريق خاصة في فترة جائحة “كوفيد19”.

«بارتوميو» لم يكن الأول

رغم الكوارث المالية والإدارية التي وقع فيها برشلونة خلال السنوات الماضية، خاصة تحت رئاسة بارتوميو، لكنه لم يكن الأول، وكأن النادي الأشهر عالميًا على موعد مع رؤساء الفساد.

وجاء من أبرز هؤلاء القادة الذين طالتهم اتهامات بالفساد في فترة توليهم للنادي الكتالوني، كلًا من “خوسيه لويس نونييز، جوان جاسبارت، خوان لابورتا، ساندرو روسيل، ومؤخًر جوسيب ماريا بارتوميو”.

ففي عام 2012 تم توجيه اتهامات إلى جاسبارت، بالتسبب في إفلاس شركة خطوط طيران سبانير الإسبانية، وتم الحكم على جميع المتهمين بدفع مبلغ 11 مليون يورو باستثناء جاسبارت، الذي تمت تبرئته من جانب القضاء.

الاتهامات طالت لابورتا أيضًا، حيث تم توجيه اتهام له بالفساد والتسبب في عجز بقيمة 47.6 مليون يورو في الميزانية، وامتدت الاتهامات حينها إلى 16 مسؤولًا بالنادي الكتالوني.

قضية أخرى من الفساد كان بطلها هذه المرة ساندرو روسيل، وذلك بعدما تم اتهامه من أحد أعضاء النادي، يدعى جوردي كاسيس، بوجود عمولات مشبوهة بصفقة انتقال النجم البرازيلي نيمار إلى الفريق الكتالوني.

وفي قضية أخرى، عاقبت محكمة برشلونة، رئيس النادي الأسبق نونييز بالسجن لـ6 أعوام، تم تخفيضها إلى عامين ونصف بعد إدانته في قضايا تتعلق بالرشوة والتزوير.

نهاية، يُعد توقيت إثارة هذه الضجة أمر غاية في الأهمية، إذ سُيلقي بظلاله بكل تأكيد على انتخابات النادي الكتالوني القادمة، والمقررة يوم الأحد المقبل الموافق 7 مارس الجاري، والتي يترشح فيها جوان لابورتا، فيكتور فونت، وتوني فريشيا، الأمر الذي طرح التساؤلات حول ما إذا كانت حملة الاعتقالات الأخيرة هذه، ستؤثر على سير الانتخابات أم لا؟

ربما يعجبك أيضا