تعليق الاتصالات.. حراك دبلوماسي مغربي للرد على ألمانيا

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في خطوة مفاجئة قامت المغرب بتعليق اتصالاتها مع السفارة الألمانية في الرباط، على خلفية تباين المواقف بشأن قضايا أساسية تهم المملكة، والتي بدأت باستبعاد المغرب من مؤتمر نظمته برلين بشأن ليبيا، وتفاقم العلاقات مع انتقاد ألمانيا الرسمي للإعلان الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في وقت تحدثت فيه الصحافة المغربية عن وجود شبكات تجسس تابعة لألمانيا تعمل على رصد أنشطة المملكة، كل ما سبق جاء ضمن تصريحات أدلى بها مسؤولون بشأن أسباب الخلاف بين الرباط وبرلين.

تعليق الاتصالات

أعلنت المغرب وبشكل مفاجئ “تعليق كل أشكال التواصل” مع السفارة الألمانية بالرباط، بسبب تباينات “عميقة” مع ألمانيا في ملفات عدة، من بينها قضية الصحراء الغربية، بحسب ما صرحت به مصادر دبلوماسية.

وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في رسالة وجهها إلى أعضاء حكومة بلاده، إن المغرب قرر قطع علاقاته مع السفارة الألمانية في الرباط بسبب خلافات عميقة تهم قضايا المغرب المصيرية، وهو “ما استدعى قطع العلاقات التي تجمع الوزارات والمؤسسات الحكومية مع نظيرتها الألمانية، بالإضافة إلى قطع جميع العلاقات مع مؤسسات التعاون والجمعيات السياسية الألمانية”.

وأرجع الوزير المغربي قرار بلاده إلى سوء التفاهم العميق مع ألمانيا في قضايا أساسية تهم المملكة، ودعا بوريطة القطاعات الوزارية المغربية إلى “وقف أي اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية، وكذلك منظمات التعاون والمؤسسات السياسية الألمانية التي لها علاقة بالسفارة.

وبالأمس، أكّد مسؤول رفيع في وزارة الخارجية المغربية  أنّ المملكة تريد الحفاظ على علاقاتها مع ألمانيا، إلا أنّ القرار هو “بمثابة تنبيه يعبّر عن استياء إزاء مسائل عدة”. وأكّد المسؤول أنّ “أيّ تواصل لن يحصل ما لم يتم تقديم أجوبة على أسئلة مختلفة تم طرحها”.

وبالرغم من أن تعليق الاتصالات تعد  خطوة أدنى، في الأعراف الدبلوماسية، من خطوات أخرى كان يمكن القيام بها مثل استدعاء السفير الألماني من طرف وزير الخارجية أو إخباره بأنه شخص غير مرغوب فيه، لكنها أيضًا تمثل رسالة غضب مباشرة إلى برلين.

أسباب الخلاف

لم تكشف الرباط عن “سوء التفاهمات العميقة” بين المغرب وألمانيا التي أدت إلى تعليقها كل أشكال التواصل مع السفارة الألمانية، إلا أن مصادر مسؤولة أكدت لجريدة “هسبريس الإلكترونية” أن العديد من النقاط “أفاضت الكأس” بين البلدين من بينها:

– أنشطة تجسس

بداية ركز بلاغ وزير الخارجية المغربي على هيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها، وهو ما أكدته مصادر لصحيفة “هسبريس” بتشديدها على وجود بعض الأنشطة “المشبوهة” لهذه التنظيمات الألمانية في المغرب.

وفي هذا السياق، نقلت مصادر إعلامية عن مصدر دبلوماسي مغربي قوله: إن تعليق المغرب للتواصل المؤسساتي مع السفارة الألمانية راجع لاكتشاف شبكة تجسس ألمانية، لافتًا إلى أن برلين كانت سترسل مخبرين لجمع معلومات حساسة للغاية عن المملكة المغربية.

– عدم احترام المملكة بشأن ليبيا

بحسب ما كشفه مصدر بوزارة الخارجية المغربية، فإن القرار المتخذ جاء نتيجة تراكم عدد من القضايا التي أظهرت عدم احترام للمملكة المغربية ومؤسساتها”، وكانت البداية من إقصاء برلين للرباط في المؤتمر الذي نظمته حول ليبيا في يناير 2020.

يذكر أن ألمانيا اختارت عدم توجيه الدعوة للرباط لحضور مؤتمر برلين في 19 يناير 2020 رغم توجيهها للجزائر، ووجه المغرب حينها عتابا مباشرًا للألمان مذكرًا إياهم بأن المملكة “كانت دائما في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية. وقد اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاق الصخيرات، والذي يشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد، الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين، من أجل تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي الشقيق”.

– ملف الصحراء الغربية

ومن أبرز القضايا الخلافية، انتقاد ألمانيا بشكل رسمي وعلني لقرار دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والذي لم يكن على مستوى تطلعات الرباط، فالخارجية الألمانية اعتبرت قرار واشنطن الداعم لسيادة المغرب على صحرائه “يخالف الشرعية الدولية”.

وكانت ألمانيا أول دولة بمجلس الأمن الدولي تضع طلبًا من أجل عقد اجتماع مغلق بهدف مناقشة قضية الصحراء،وبعدها بأيام وجه مندوبها هناك، كريستوفر هيوسغن، خطابا لمجلس الأمن يتحدث فيه عن “انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقع سنة 1991″، ما اعتبرته الرباط دعمًا لجبهة البوليساريو.

تجدر الإشارة إلى أن النزاع قائم منذ العام 1975 بين المغرب وجبهة البوليساريو بشأن إقليم الصحراء الغربية، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة بين المغرب والجبهة استمرت حتى العام 1991، وتوقفت بتوقيع الطرفين اتفاق لوقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة.

وفي حين تصر الرباط على سيادتها على الصحراء الغربية وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها لحل النزاع، تطالب البوليساريو باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر.

العلاقات المغربية الألمانية

كل ما سبق من معطيات وتراكمات، دفعت الرباط إلى إجراء “تقييم مرحلي” في علاقاتها الدبلوماسية مع برلين ، وذلك عبر قطع الاتصالات مع سفارة ألمانيا بالرباط باعتبارها ممثل الدولة الألمانية.

ويساهم صمت الحكومة وعدم تقديمها لتفسيرات في الكثير من الغموض والتأويلات. وتذهب مختلف التأويلات إلى اعتبار ملف الصحراء كعامل رئيسي بحكم مواقف برلين مؤخرًا في هذا الشأن.

واليوم تمر العلاقات بين البلدين ببرود، لم تسجل فيه العلاقات أي تطور منذ سنوات ، إذ لم تقم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأي زيارة رسمية إلى المغرب باستثناء زيارة غير رسمية في مؤتمر احتضنته مراكش منذ سنتين، فيما تعد زيارات المسؤولين المغاربة لهذا البلد نادرة للغاية.

تراكم القضايا الخلافية دفعت الرباط لاتخاذ مثل هذا الموقف الذي لم يعلن بشكل رسمي، ولكن وفقا لتسريبات الرسالة التي وجهتها الخارجية المغربية، التي بدت وكأنها رسالة تنبيه وتحذير من الاستياء المغربي، في حال أصرت ألمانيا على موقفها من قضية الصحراء الغربية، والتي تولي لها المغرب اهتمامًا كبيرًا وتسعى جاهدة لحث الأوروبيين على اتخاذ موقف مماثل للقرار الأمريكي.

ربما يعجبك أيضا