الأنظار صوب العراق.. بابا الفاتيكان يبشّر بالسلام

محمد عبدالله

محمد عبدالله

في لحظة واحدة رغم اختلاف التوقيت، العراق على شاشات أكثر من ٣٨٠ قناة تلفزيونية حول العالم! ولأول مرة منذ عقود ما تنقله هذه القنوات لا علاقة له بالحروب والقتل والحوادث.

غاب الازدحام اليومي من شوارع العاصمة بغداد، لتحل مكانه فرق التنظيف والإعمار وإعادة تأهيل الكنائس، كما أزيلت ملصقات كبيرة لسياسيين واستُبدلت بأخرى مرحبة بـالبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الجمهورية العراقية.

بابا الفاتيكان

رسائل بابوية

«كفاكم عنفا وأوقفوا صوت البندقية».. رسالة بابوية واضحة في إدانة المنهج الذي طغى على العراق منذ ٢٠٠٠٣ وإلى اليوم، ودعوة إلى المنهج الصحيح القائم على اعتماد المواطنة و المساواة والعدل والنزاهة والتعابش الحقيقي.

استنكر البابا ، استغلال اسم الله في القتل والإرهاب وبث الكراهية والتعصب والتمييز، ليبشّر بالسلام والحب لأرضٍ لا تطلب إلا السلام لكل مواطنيها مسلمين ومسيحيين، زيارة بمثابة توحيد للنفوس والأرواح، وتتخطى الدين وتزرع الحب في كل مكان.

في بلد لا يزال فيه الاستقرار «هشا»، وجه بابا الفاتيكان دعوته لإرساء السلام ونبذ العنف والفرقة والتحزّبات ومشاركة جميع المكونات السياسية والدينية والاجتماعية في الحياة العامة.

ترجمة عملية لـ«الأخوة الإنسانية»

هذه الزيارة التاريخية للعراق بما تحمله من دعوة للمسامحة والمصالحة هي ترجمة عملية لوثيقة الأخوة الإنسانية التي انطلقت من الأراضي الإماراتية.

فالتعددية يمكن أن تكون مكسبا كبيرا، كما يمكنها أن تكون صخرة تتحطم عليها الدول والأمم، حرص البابا في رسالته التي سبقت الزيارة إلى التأكيد على أهمية التنوع والتعدد، وتجاوز فكرة الحقيقة المطلقة.

يذهب ليؤكد أن فعل الإخوة الذي تبلور على الأراضي الإماراتية، يستحق هذه المغامرة، فالزيارة تأتي في ظروف لوجستية وأمنية وصحية صعبة، ومغامرته تلك رغم ظرفه الصحي إذا ما علمنا أن البابا فرانسيس يعيش برئة واحدة منذ شبابه، ورغم ذلك يخاطر بزيارته هذه في زمن الجائحة.

ثمانية أعوام من «حبرية» هذا الرجل زار خلالها دولا وعواصم عربية، ربما أكثر من تلك الغربية التي زارها، وهذه يحمل رسالة أن المسيحية ولدت مشرقية كما أن الإسلام مشرقي.

فالرجل صاحب الـ 84 عاما ليس لديه قوة عسكرية، ولكنه يملك قوة إقناع معنوية يستطيع أن يشاغب بها الضمير الإنساني الحر. يستدعي البابا الضمير العالمي للمحاصصات القاتلة التي جرت في الأراضي العراقية والحروب بالوكالة على الملعب العراقي، والشعب الذي تم تشريده منذ 3 عقود، لم يذهب إلى المسيحيين وحدهم في العراق، بل توجه إلى كل أطياف الشعب العراقي.

الغطاء الروحي للعراق

ما يعطي هذه الزيارة والتصريحات قوة دفع، تصريحات المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، بأن «من تبقى» من المسيحيين على الأراضي العراقية – عددهم قبل الاحتلال الأمريكي مليون ونصف المليون واليوم لا يتعدى عددهم 300 ألف مسيحي – يمثلون أحد أقطاب التنوع الديني في العراق، وحرصهم على أن ينالوا حقوقهم في المواطنة والعيش الكريم إلى جانب باقي الأطياف والمكونات العراقية.

الغطاء الروحي للعراق، يعطي مذاقا خاصا للزيارة، فما فعله المسيحيون في العراق الذين ترجموا العلوم اليونانية والإغريقية إلى العربية، يضاف إلى رصيد ما قدمه المسلمون وباقي مكونات الشعب لوطنهم. فطروحات الاعتدال والوسطية تثمر أخوة وتواصلًا بين الديانات في سابقة لم يشهدها العراق على مر تاريخه.

البابا

اطلب من البابا

«لا يكفي إعاده البناء في العراق بل يجب الإجادة في البناء.. يا حضرة البابا في حكومتنا الرشيدة الخريجون يفترشون الشوارع والذين بلا شهادة دراسية يحكمون فكيف الإجادة في البناء!» رسالة من مواطن عراقي مكلوم لبابا الفاتيكان يلخص فيها حال العراق الذي مزقته الفرقة والصراعات الحزبية والطائفية.

لكن، ماذا لو زار البابا العراق كل شهر ؟! بالتأكيد لكان العراق اليوم قد وصل إلى كوكب المريخ قبل الإمارات، فها هي الشوارع خالية من الزحام، نظيفة، لا تفجيرات ولا صوت للبنادق، فقط أصوات المآذن وما تبقى من أجراس الكنائس.

يحلم المواطن العراقي، وحقّ له أن يحلم، بوطن يعيش فيه عزيزا، يحصل فيه على حقوقه، لا مكان فيه للمحاصصة أو الفساد. يتمنى العراقيون من بابا الفاتيكان أن تتسبب زيارته في تحسين أوضاعهم المعيشية والخدمية وكأن الرجل يحمل في يده عصا موسى أو فانوس علاء الدين!

في المقابل، ربما وجد الساسة العراقيون في زيارة البابا «ضالتهم» للتأكيد على أن العراق اليوم يسير بخطى ثابتة لغد أفضل، فها هو الزعيم الروحي لـ1,3 مليار مسيحي، سيعبر خلال زيارته مسافة 1445 كيلومترا يلتقي فيها كافة أطياف الشعب العراقي ويزور فيها مدنا وأماكن عراقية.

ربما يعجبك أيضا