صراع السحاب بين «بوينج» و«إيرباص».. هل ينهيه بايدن قريبًا؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في خطوة تبشر بإسدال الستار على أطول نزاع تعالجه منظمة التجارة العالمية منذ أكثر من 16 عاما، أعلنت المفوضية الأوروبية أمس الجمعة، عن التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة لتعليق الرسوم الجمركية “الانتقامية” المفروضة على خلفية النزاع القضائي بين عملاقتي الطيران “إيرباص” الأوروبية و”بوينج” الأمريكية لمدة 4 أشهر.

وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فان ديرلايين – في بيان عقب محادثة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن- اتفقنا على تعليق كل رسومنا المفروضة في إطار الخلافات بين إيرباص وبوينج، على منتجات صناعة الطيران وغيرها من المنتجات، لفترة أولية مدتها أربعة أشهر، كخطوة على طريق حل النزاع.

صراع فوق السحاب

منذ العام 2004 تسعى منظمة التجارة العالمية للتحكيم في قضية إيرباص وبوينج، المتعلقة بتبادل الاتهامات بين واشنطن وبروكسل بشأن تقديم مساعدات حكومية “غير القانونية” لإعطاء ميزة تنافسية لشركة مقابل الأخرى في سوق صناعة الطائرات، وخلصت المنظمة إلى أن كلا الطرفين قد انتهكوا القواعد والنظم المعتمدة لديها عبر دفع مليارات الدولارات للشركتين لإكسابهما ميزة تنافسية تخالف قواعد المنافسة العادلة.

ورأت المنظمة في 2016 أن واشنطن قدمت دعما لـ”بوينج” يتجاوز الـ 6 مليارات دولار على هيئة حوافز ضريبية فضلا عن مساعدات مالية أخرى بشكل مخالف للقانون، وقبل ذلك رأت أن بروكسل منحت “إيرباص” خلال الفترة من العام 1968 إلى 2006 نحو  11.2 مليار دولار.

وفي العام 2018 بدأت المنظمة في دراسة طلب تقدمت به واشنطن لفرض عقوبات على المنتجات الأوروبية، ردا على مساعدات بروكسل لـ”إيرباص”، وفي أكتوبر 2019 قررت المنظمة بالسماح لأمريكا بفرض رسوم عقابية على منتجات أوروبية بنحو 7.7 مليار دولار سنويا.

وبالمثل منحت الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2020 حكما بفرض رسوم على منتجات أمريكية بـ4 مليار دولار، وذلك في خطوة نادرا ما تقدم عليها المنظمة، إذ في الأغلب ما يتم التوصل إلى تسوية بين الأطراف المتنازعة.

كانت بداية الانتقام من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي استهدفت صناعة الطيران الأوروبية في 2020 برسوم عقابية ضمن قائمة ضمت أيضا سلعا أوروبية شهيرة مثل النبيذ والأجبان والأسماك.  

بالمثل رد الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي بفرض رسوم جمركية على منتجات أمريكية كقطع غيار الطائرات ومجموعة من المنتجات الزراعية كالفول السوداني والبطاطس، وكانت بروكسل تسعى دائما إلى نزع فتيل الخلاف إلا أن إدارة ترامب لم تمنحها الفرصة وبادرت في العام 2018 بفرض رسوم تستهدف واردات الألمنيوم والصلب الأوروبية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن “بوينج” ومنافستها “إيرباص” ترفضان الاعتراف بالحصول على إعانات غير قانونية، والمقصود هنا هو الحصول على حوافز تتعلق بالخفض الضريبي أو قروض طويلة الأجل لدعم مشاريع التصنيع.

كانت “إيرباص” في يوليو الماضي تقدمت بمقترح لمنظمة التجارة بدفع فائدة أعلى على قروض حصلت عليها من مدريد وباريس لدعم خطة تطويل طائرتها إيه 350، في مقابل رفع الرسوم العقابية من قبل واشنطن، إلا أن الأخيرة رفضت.

تفاصيل اتفاق نزع الفتيل

بحسب الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه أمس، ستقوم واشنطن بتعليق الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأوروبية في إطار النزاع “بوينج” و”إيرباص”، لمدة أربعة أشهر.

وقالت المفوضية الأوروبية في بيان مشترك مع البيت الأبيض: إن الاتفاق يرمي إلى إيجاد حل متوازن للخلاف القائم، والبدء بالتصدي الجدي للتحديات التي يطرحها دخول جهات جديدة قادمة من دول لا تعتمد اقتصاد السوق، على غرار الصين، إلى سوق الطيران المدني.

وأضافت لقد التزمنا بالتركيز على حل نزاعات الطائرات لدينا من خلال عمل مندوبينا، وهذه أخبار رائعة للشركات والصناعات على جانبي المحيط الأطلسي وإشارة إيجابية للغاية لتعاوننا الاقتصادي في السنوات القادمة.

قبل ذلك تمكنت الحكومة البريطانية من التوصل إلى اتفاق مع إدارة بايدن لتعليق رسوم “ترامب” على المنتجات البريطانية  والتي جرى فرضها أيضا في إطار نزاع “إيرباص” و”بوينج”.

وفي أول تعليق على الاتفاق من داخل الكتلة الأوروبية، رحبت باريس بالأمر، واعتبرته بداية لنهاية الحرب التجارية بين أمريكا وأوروبا، وقال وزير المالية برونو لو مير: “يجب أن نواصل السير على طريق التعاون من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي”.

خطوة للتخلص من إرث ترامب مع أوروبا

بالأمس قال البيت الأبيض – في بيان- إن بايدن تعهد خلال محادثاته مع  رئيسة المفوضية الأوروبية بترميم وإنعاش العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وبالعمل على حلّ النزاعات طويلة الأمد في منظمة، معتبرا أن الاتفاق على تعليق الرسوم العقابية هو بمثابة التزام بالقيم المشتركة بين بروكسل وواشنطن وعلاقة التجارة الأكبر في العالم.

تعهد بايدن بتمريم العلاقات مع بروكسل وتقديمه لبادرة حسن نية “تعليق الرسوم العقابية”، أمر كان متوقعا فسيد البيت الأبيض الجديد يريد التخلض من إرث ترامب الكارثي على مستوى العلاقات مع الكتلة الأوروبية، فهناك العديد من الملفات التي تحتاج فيها واشنطن إلى تنسيق أكبر مع بروكسل ولا يمكنها العمل بمعزل عنها، على رأسها الملف الإيراني والوقوف في وجه التنين الصيني وتحجيم نفوذه الاقتصادي والسياسي.

وفي المقابل وكما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية عقب تنصيب بايدن “أصبح لدينا من جديد صديق داخل البيت الأبيض”، تتطلع أوروبا إلى عودة الدفء إلى علاقاتها مع واشنطن، باعتبارها حليف موثوق لا غنى عنه.

بيان البيت الأبيض أمس، لفت أيضا إلى أن بايدن ناقش مع فون دير لايين أهمية تعزيز التعاون الأمريكي الأوروبي في عدد من المجالات، كاحتواء كورونا، ودعم التعاف الاقتصادي عالميا، وحل أزمة المناخ، كما وافق على التنسيق مع بروكسل بخصوص بعض القضايا المشتركة ومن بينها الموقف من روسيا والصين وبيلاروس وأوكرانيا وغرب البلقان.

بالنسبة لـ”إيرباص” و”بوينج” يمكن نزع فتيل الخلاف بالاتفاق بين واشنطن وبروكسل على تعزيز مبدأ المنافسة العادلة والالتزام بتطبيق قواعد منظمة التجارة والاتفاق على قواعد ملزمة تطبق لدعم صناعة الطائرات المدنية، أما فيما يتعلق بتعزيز العلاقات بين ضفتي الأطلسي فالأمر سيكون مدفوعا في المقام الأول بالرغبة في تعزيز الشراكة في مواجهة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، فضلا عن رغبة بايدن في عودة بلاده بأسرع وتيرة إلى الساحة الدولية وترميم علاقتها مع الحلفاء وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا