إسقاط الجنسية.. هل تصبح آلية دولية رادعة بمكافحة الإرهاب؟

كتب – حسام عيد

الإرهاب آفة عالمية لا تستهدف الدول واستقرار مجتمعاتها وشعوبها، فقط بل تستهدف أيضا الإضرار بمستقبل الأجيال القادمة وتدمير حقوقهم وتبديد طموحاتهم في عيش حياة آمنة مزدهرة، لذلك يقتضي مكافحتها تضامن وتكاتف دولي واسع للتوصل إلى تفاهمات وتحميل الدول المتورطة في دعم الإرهاب مسؤولية التداعيات، فمجرد التساهل بمواجهة تلك المعضلة قد يُكلف الكثير وستدفع ثمنه الدول.

ولا يزال ملف المقاتلين الأجانب في صفوف داعش والتنظيمات المسلحة يثير قلق الدول والحكومات الغربية. لعل الحلقة الأبرز فيه اليوم، السجال والخلاف المحموم بين أستراليا ونيوزيلندا، بعدما ذهبت الأولى إلى إسقاط الجنسية الأسترالية عن امرأة مزدوجة الجنسية (تحمل الجنسيتين الأسترالية والنيوزيلندية) احتجزتها السلطات التركية رفقة اثنين آخرين، لكونهم أعضاء بتنظيم داعش الإرهابي، وهذا بطبيعة الحال سيُحمّل نيوزيلندا المسؤولية عنها على الرغم من أنها لم تعش فيها منذ أن كانت في السادسة.

أستراليا، مثل دول غربية أخرى، رأت أن المقاتلين الأجانب سيمثلون خطرًا كبيرًا على نسيجها المجتمعي وأمنها القومي حال السماح بعودتهم، وعمدت إلى سحب جنسياتهم وطالبت بمحاكمتهم خارج أراضيها.

قد يطرح موضوع إسقاط الجنسية نفسه بقوة كآلية ردع على طاولة المجتمع الدولي لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب. وإلى جانب بعض الدول الغربية، أيقنت الجزائر أهمية تلك الآلية وأصدرت تشريع لتفعيلها، وقد تكون خيار مناسب لمصر في إطار حربها الواسعة ضد الإرهاب، ولاقتلاع جذوره السامة الممثلة في العناصر الإخوانية الهاربة والأبواق التي تروج لأجندة التطرف والفوضي بغرض زعزعة استقرار البلاد، رغم فشلهم المتكرر، فحملاتهم الخبيثة الممنهحة لطالما تتحطم على جدار الوعي الشعبي والقوة الأمنية.

تركيا وإشكالية تكريس آفة الإرهاب عالميًا

مثل قيام السلطات التركية بإلقاء القبض على ثلاثة نيوزيلنديين، بينهم امرأة يقال إنها عضو بتنظيم داعش، وهم يحاولون دخول تركيا من سوريا بطريقة غير قانونية دليلًا على أن ملف العائدين من داعش لم يُغلق بعد بل إن تداعياته الدولية لا تزال متواصلة.

وقد “جرى تحديد هوية” امرأة في السادسة والعشرين من عمرها من بين المقبوض عليهم “بأنها إرهابية من داعش مطلوب القبض عليها بإخطار أزرق”.

وتصدر وكالة الشرطة الدولية (إنتربول) إخطارًا أزرق لجمع معلومات إضافية عن هوية شخص ما وموقعه وأنشطته فيما يتعلق بجريمة ما.

وتركيا التي ربطت علاقات مع عدد من التنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها داعش تسعى اليوم إلى تنظيف سجلها بالقيام بعمليات اعتقال للمتشددين، لكن ذلك لن يُخفي أو يطمس حجم استفادتها من عملية نقل المقاتلين الأجانب إلى داخل الأراضي السورية في إشعال الفوضى وتكريس الأزمة التي دخلت عامها العاشر.

وكشفت المخابرات الروسية عن علاقة المصالح التي ربطت السلطات التركية بتنظيم داعش حيث أظهرت الأقمار الصناعية الروسية سنة 2015 عملية تهريب النفط السوري إلى تركيا عبر عناصر التنظيم.

إسقاط الجنسية.. والخلاف الأسترالي النيوزيلندي

الجهود التركية أثارت سجال محموم بين أستراليا ونيوزيلندا، بعدما أسقطت كانبرا الجنسية عن “المرأة الداعشية المحتجزة في تركيا”، حيث سارعت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، باتهام أستراليا بـ “التخلي عن مسؤولياتها”.

وتواجه المرأة الترحيل إلى نيوزيلندا بعد أن ضبطت وهي تدخل تركيا من سوريا مع طفلين. لكن أرديرن تقول إنه يجب إرسال المرأة التي تحمل جنسية مزدوجة إلى أستراليا.

وكانت المرأة، البالغة من العمر 26 عامًا، تحمل الجنسيتين الأسترالية والنيوزيلندية، حتى جردتها كانبرا من جنسيتها العام الماضي.

وأشارت أرديرن إلى أن المرأة، التي قالت وزارة الدفاع الوطني التركية إنها عضوة في تنظيم داعش، لم تعش في نيوزيلندا منذ أن كانت طفلة.

وقالت “لقد غادرت أسرتها نيوزيلندا وهي في سن السادسة، وأقامت في أستراليا منذ ذلك الحين، وأصبح أفرادها مواطنين أستراليين، ثم غادروا أستراليا إلى سوريا، وسافروا بجوازات سفر أسترالية”.

واختتمت كلامها قائلة: “سئمت نيوزيلندا بصراحة من تصدير أستراليا مشاكلها إلينا”.

ورد رئيس الوزراء الأسترالي، موريسون، على ذلك بالقول إن وظيفته هي حماية “مصالح أستراليا”، قائلًا؛ “لا نريد أن نرى إرهابيين قاتلوا في صفوف منظمات إرهابية يتمتعون بامتيازات المواطنة التي، برأيي، يفقدونها في اللحظة التي ينخرطون فيها في القتال كأعداء لبلدنا”.

وأضاف أن التشريع الذي أقره البرلمان يلغي تلقائيا جنسية الشخص المزدوج الجنسية إذا اتهم بالضلوع في أنشطة إرهابية.

لكنه أوضح أنه سيتباحث في هذه القضية مع أرديرن، مضيفًا “لا تزال هناك أمور كثيرة غير معروفة حول هذه القضية، وأين هي الآن وإلى أين يمكن أن تتجه”.

أستراليا ليست الأولى.. 3 دول غربية سبقتها

وليست هذه هي المرة الأولى التي يندلع فيها خلاف على الجنسية بسبب شخص مشتبه بضلوعه في الإرهاب؛ إذ سبقت أستراليا دول عديدة في تطبيق آلية إسقاط أو سحب الجنسية، مثل الدنمارك، وبلجيكا، وبريطانيا، بعد العمليات الإرهابية الشديدة التي يتبناها هذا تنظيم داعش في العديد من الدول العربية والأوروبية.

ففي عام 2019، جُردت شميمة بيغوم، التلميذة التي فرت من لندن للانضمام إلى تنظيم داعش في سوريا، من جنسيتها البريطانية.

وفي نوفمبر 2020، قرر القضاء البلجيكي إسقاط الجنسية عن 6 من المقاتلين سافروا للمشاركة في صفوف الجماعات الإرهابية في مناطق الصراعات.

وفي الشهر ذاته من العام الماضي، أعلنت السلطات الدنماركية، إسقاط جنسية اثنين من مواطنيها بسبب التحاقهما للقتال في صفوف تنظيم داعش في سوريا؛ إذ تم اتخاذ قرارين بإسقاط الجنسية بسبب سلوك ضار جدًا بالمصالح الحيوية للدولة.

ويعتبر إسقاط الجنسية عن المواطنين في الدنمارك، أول تطبيق لقانون تم إعلانه نهاية أكتوبر 2020، يتيح إسقاط الجنسية بقرار إداري بسيط عن جهاديين يحملون جنسية مزدوجة توجهوا للقتال في الخارج وليسوا على أراضي الدنمارك.

مشروع قانون في الجزائر

وفي 3 مارس 2021 أقرت الحكومة الجزائرية تعديلًا على قانون الجنسية يسمح بتجريد حاملها إذا ثبت تورطه في أعمال تهدد مصالح الدولة أو وحدتها الوطنية.

وقال وزير العدل عبدالقادر زغماتي إن التعديل “يتضمن تجريد الجنسية الجزائرية، سواء المكتسبة أو الأصلية، للفئات التي قامت بأعمال خارج الوطن ألحقت ضررا بمصالح البلاد، أو تمس بالوحدة الوطنية، وكذلك الفئات التي انخرطت في منظمات ونشاطات إرهابية بالخارج، أو تقوم بتمويلها أو بالدعاية لصالحها”.

وجاء في مشروع المرسوم التنفيذي أن الجنسية الجزائرية ستسحب أيضا من “كل من تعامل مع دولة معادية للجزائر”.

ويأتي هذا المشروع لمكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي في وقت استأنفت عناصر من الداخل ومن الشتات، المدعومة من “إخوان الخارج” الهاربين، تظاهراتها ضدّ “النظام” السياسي القائم.

مصر.. وضرورة التطبيق

أما في مصر، فمنذ ثورة 30 يونيو تُشن حملات شرسة على الدولة المصرية ومواطنيها، حيث أن جماعة الإخوان الإرهابية ارتكبت وخططت وتآمرت ولا تزال تعمل على نشر الفوضى، عبر أبواقها الهاربة في تركيا وقطر؛ لذلك، يجب إسقاط الجنسية المصرية عنهم، باعتبارهم لا يستحقون شرف حملها.

وكان الإعلامي أحمد موسى خلال تعليقه على القانون الجزائري، في برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع على فضائية “صدى البلد”، في حلقة يوم الأربعاء 3 مارس 2021، أعرب عن أمنيته أن تسير مصر على نهج الجزائر في إسقاط الجنسية على كل الإرهابيين في الخارج.

فيما طالب المستشار حسن أحمد عمر، الخبير في القانون الدولي بإسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتطاول على مصر في الخارج، وبالتالي يصبح هؤلاء الهاربون مجرد أجانب فقط.

وقد أقر قانون الجنسية المصري 8 حالات لإسقاط الجنسية المصرية عن أي مواطن تنطبق عليه مواد التجريد من الجنسية، من بينها، الإدانة في جناية مضرة بأمن الدولة، والانضمام لهيئة أجنبية تعمل على تقويض الدولة بالقوة أو بأي وسائل غير مشروعة، فجميعها أسباب كفيلة لإسقاط الجنسية المصرية.

وختامًا، يمكن القول: إن قضية الإرهاب ليست سهلة، ولابد من العمل على مواجهتها من خلال التعليم وتثقيف الشباب، والعمل على السيطرة على البؤر والخلايا الإرهابية لعدم انتقالها من مكان لآخر، وهو ما نفذته مصر بدقة، بجانب الجهد الدفاعي والأمني الهائل في تتبع ارتباط هذه الشبكات الإرهابية بجماعة الإخوان وتتبع تمويلها ودعمها طوال السنوات الماضية والتصدي لها بكل قوة، فهي بمثابة تجربة ناجحة ونموذج يحتذى في مجال مكافحة الإرهاب نال إشادة دولية واسعة، وفي حال اعتماد إسقاط الجنسية المصرية عن أي عضو منتمي لجماعة إرهابية أو داعم ليها ومروج لأجنداتها وأفكارها المتطرفة، كآلية ردع في مجال مكافحة الإرهاب، سينجم عنها تداعيات إيجابية قد تبلغ حد تعزيز وعي المواطنين، ودورهم ومشاركتهم التفاعلية جنبًا إلى جنب مع كافة مؤسسات الدولة في تلقين عناصر الإخوان الإرهابية وأبواقها الهاربة بالخارج درسًا لن تنساه.

ربما يعجبك أيضا