أردوغان ينفض غبار صهره.. لكن هل يُنقذ الاقتصاد؟

كتب – حسام عيد

في نوفمبر الماضي، خرج صهر الرئيس التركي بيرات ألبيرق، المشهد الاقتصادي، بعد ما فشل في طرح أو إيجاد سياسات إنقاذ ناجعة، رغم المكابرة وعدم الاعتراف بوجود أزمات من الأساس لعامين متتالين، وهي مدة تواجده على رأس وزارة الخزانة والمالية. تلك الاستقالة المفاجئة دفعت رجب طيب أردوغان إلى إدخال تعديلات في مراكز صنع القرار، التي كان آخرها تعيين سالم أردا إيرموت في منصب الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة التركي، ليحل محل ظافر سونميز.

المفارقة هنا، أن التعديل الجديد يأتي بعد يوم واحد من استقالة هاكان أتيلا رئيس بورصة إسطنبول. فهل تفلح التعديلات التي يعتبرها أردوغان إصلاحات في إخراج تركيا من الركود المتسارع والشامل بمختلف القطاعات، أم ستساهم في تكريس أزمات الاقتصاد، ومن ثم لن تتخطى كونها مجرد “تصفية” لاختيارات صهر الرئيس التركي؟!.

تغييرات بارزة بالمؤسسات المالية

جديدُ سلسلة التغييرات البارزة في المؤسسات المالية الرئيسية، إقالة الرئيس رجب طيب أردوغان للرئيس التنفيذي لصندوق الثروة التركي ظافر سونميز، وهو مصرفي محترف ومدير صندوق، ليحل محله المستشار الصحفي السابق في رئاسة الوزراء ورئيس وكالة استثمار تديرها الدولة،  سالم أردا إرموت،  ليحل محل سونميز، وفقًا لقرار نُشر في الجريدة الرسمية يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس 2021.

وكان إرموت قد استقال من منصبه كعضو في مجلس إدارة الصندوق في أواخر نوفمبر، نفس الشهر الذي استقال فيه صهر أردوغان ألبيرق.

وقد أصبح إرموت مستشارًا صحفيًا لأردوغان في عام 2005، عندما كان أردوغان رئيسًا للوزراء، بعد تخرجه من قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بوغازيجي في إسطنبول. وانضم إلى وكالة دعم وتشجيع الاستثمار التركية في نفس العام، وشغل منصب رئيسها بين عامي 2015 وفبراير 2020.

ويسيطر صندوق الثروة التركي، الذي تبلغ قيمته حوالي 30 مليار دولار، على أكبر الشركات الحكومية في البلاد، وتشمل؛ الخطوط الجوية التركية ومشغلي الهاتف تركسل وتورك تليكوم. وقد أنشأت تركيا صندوقها السيادي في عام 2016 وكلفته بلعب دور رائد في القيام باستثمارات كبيرة جدًا بالنسبة للقطاع الخاص.

فيما يعدّ تعيين إرموت الأحدث في تعديل وزاري لإدارة بعض المنظمات الاقتصادية والمالية الرئيسية في تركيا، سبقها بيوم واحد فقط قرار هاكان أتيلا بترك منصبه كرئيس تنفيذي  لبورصة إسطنبول، البورصة الرئيسية في البلاد، والمدير التنفيذي السابق لبنك خلق الذي تديره الدولة، والذي أدانته الولايات المتحدة خلال العام 2018 لمساعدته إيران على الالتفاف والتحايل على العقوبات الأمريكية وتم تعيين كلٍ من إرموت وهاكان في عهد بيرات ألبيرق.

وكانت بداية تعديلات أردوغان بكبرى المؤسسات المالية والاقتصادية التركية في نوفمبر 2020، عندما أقال محافظ البنك المركزي مراد أويسال من منصبه، وعين وزير المالية السابق ناجي إقبال بدلًا منه. كما عين رئيس الوزراء السابق لطفي إيلفان ليحل محل ألبيرق.

هزة قوية لليرة

وفي رد فعل سريع، واصلت الليرة التركية تراجعها أمام العملات الأجنبية، وشهدت الأسواق المصرفية التركية ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار العملات الأجنبية.

وحقق الدولار الأمريكي ارتفاعًا جديدًا أمام الليرة التركية، عند بداية تعاملات اليوم الثلاثاء 9 مارس، ووصل سعر الدولار الواحد إلى 7.68 ليرة تركية، وذلك بعد سلسلة من التقلبات شهدتها العملة الوطنية، الإثنين 8 مارس، عقب استقالة هاكان أتيلا مدير عام بورصة إسطنبول، حيث ارتفع الدولار صباح الإثنين 7.55 ليرة تركية، ليصل في نهاية اليوم وعقب الاستقالة إلى 7.67 ليرة تركية.

وارتفع سعر اليورو هو الآخر ليتخطى حاجز الـ 9 ليرات مجددًا، مسجلًا 9.13 ليرة تركية بعد أن وصل في أعقاب الاستقالة إلى 9.10 ليرة.

أزمات واسعة

وبالنسبة لتركيا التي تعتمد على الاستيراد ولا تنتج أي من احتياجاتها من الطاقة، فإن انخفاض الليرة يرفع تكلفة الواردات.

ويتوقع المحللون أن يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة الأسبوع القادم لتحقيق الاستقرار في العملة ومعالجة التضخم، الذي تجاوز 15% الشهر الماضي. وحسبما أعلن معهد الإحصاء التركي الأربعاء 3 مارس الجاري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا خلال فبراير الماضي 0.91%، ليرتفع التضخم إلى 15.61% على أساس سنوي.

وكانت جائحة فيروس كورونا تسببت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي التركي بنحو 1% في الربع الثاني من العام الماضي، لكن طفرة الإقراض رفعت نمو اقتصاد أنقرة بنسبة 6.7% في الربع الثالث، وبنهاية ديسمبر الماضي، انخفض مؤشر المعنويات الاقتصادية في تركيا 3.5% على أساس شهري إلى 86.4 نقطة، وفق بيان لمعهد الإحصاء التركي، وتشير قراءة فوق 100 نقطة لتوقعات متفائلة وما دونها إلى تشاؤم، وكانت آخر مرة تخطى فيها المؤشر حاجز 100 نقطة في أبريل 2018.

وعلى مسار الأزمات، أظهرت بيانات من معهد الإحصاء التركي، الجمعة 5 مارس، أن إيرادات السياحة للبلاد في عام 2020 انخفضت 65.1% إلى 12.059 مليار دولار بما يظهر أثر قيود السفر واسعة النطاق التي فُرضت بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.

وكشفت البيانات أيضا أن إيرادات السياحة في الربع الأخير من العام الماضي انخفضت 50.4% مقارنة بذات الفترة من عام 2019 إلى 3.914 مليار دولار. وتعول تركيا على السياحة كمصدر رئيسي للعملة الأجنبية مما يعوض اعتمادها الكبير على الواردات.

وختامًا، يمكن القول، إن أردوغان يعمق التغييرات في مؤسسات صنع القرار والسياسة الاقتصادية، في وقت يكابد فيه لاستقطاب استثمارات أجنبية لإنعاش الاقتصاد المتعثر، لكن مع استمرار بسط نفوذه على السياسة النقدية عبر فرض الهيمنة على البنك المركزي، سيجعل من تركيا بيئة مضطربة ماليًا واقتصاديًا وعالية المخاطر، الأمر الذي سيزيد من قلق المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب وسيُفقدهم الثقة في الاقتصاد التركي، ما يعني أن محاولاته ستذهب سُدى مثلما فعل صهره، وستتفاقم أزمات الاقتصاد وأوجاع الأتراك.

ربما يعجبك أيضا