64 عامًا على الجريمة.. باريس تعترف: «بومنجل» عُذب ثم قتل

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

بعد 64 عاما من قتله وادعاء انتحاره.. الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يعترف بتعذيب وقتل المناضل الجزائري علي بومنجل على يد جيش بلاده خلال الحرب الجزائرية عام 1957. اعتراف يأتي في وقت ترفض فيه باريس وتماطل في تسليم الأرشيف الجزائري الذي كانت قد استولت عليه ونقلته إلى فرنسا خلال انسحابها من الجزائر بعد احتلال دام 132 عاما.

اعتراف يأتي ضمن مبادرات أوصى بها المؤرخ الفرنسي «بنجامين ستورا» في تقريره حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر، في محاولة «ماكرونية» لتلطيف الأجواء وتحسينها مع الجزائر، لا سيما وأن تصريحات جزائرية خرجت قبل أيام تتحدث عن «طيب العلاقات التي تجمعها مع باريس، ولكن ليس على حساب ذاكرة الشعب الجزائري وتضحياته»، مطالبة بفتح محفوظات الاستعمار الفرنسي وتسوية قضية المفقودين في حرب الاستقلال الذين يزيد عددهم عن 2200 بحسب الجزائر، فضلا عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.

method

باريس تكذّب نفسها

أصبح ماكرون أول رئيس فرنسي يعترف بأن المناضل الجزائري الراحل «علي بومنجل» تعرض للتعذيب والقتل على أيدي الجيش الفرنسي، نافيا الرواية الرسمية المتداولة منذ عقود، بأن المناضل الراحل «انتحر» حيث حاولت باريس طيلة العقود الماضية التغطية على الجريمة في حينها.

لكن إلى متى ستظل باريس واضعة رأسها في الرمال، وترفض الاعتراف بجرائمها بحق الشعب الجزائري عل مدار 132 عاما هي فترة حكم الاستعمار الفرنسي، فبحسب ماكرون “لا يمكن التسامح أو التغطية على أيّ جريمة أو فظاعة ارتكبها أيّ كان خلال الحرب الجزائرية”.

اعتراف ماكرون جاء خلال استقباله 4 من أحفاد الشهيد بومنجل في قصر الإليزيه، ليعلن الحقيقة : « بومنجل لم ينتحر وإنما عُذب ثم تم اغتياله». لكن ما الجديد إذن، ألم يعترف الجنرال السفاح «بول أوساريس» الرئيسُ السابق للاستخبارات الفرنسية في الجزائر العاصمة عام 2000، أنه أشرف شخصيا على قتل بومنجل الذي تم رميه من عمارة في شارع كليمانصو بالأبيار، في حين كانت المصادر الفرنسية الرسمية قد أعلنت بأنه قد انتحر في 23 مارس 1957 بعد أن تعرض لتحقيق دام 43 يوما من طرف الفرقة الفرنسية الثانية للمظليين!

خطوة رمزية براجماتية

اعتراف ماكرون بواحدة من جرائم بلاده للجزائر إبان فترة الاحتلال الفرنسي، عمل سياسي ضمن سعي ماكرون لتحقيق مصالحة تاريخية بين ذاكرة حرب الجزائر وتخفيف التوترات القائمة بين البلدين منذ 60 عاما.

الخطوة الرمزية التي أقدم عليها ماكرون تكشف «براجماتية» الفرنسيين لدفع مسار المصالحة مع الجزائر، لا سيما في ظل أجواء رسمية طيبة. لكن آخرون يرون فيها هروبا من المشاكل والأزمات الداخلية التي تعصف بماكرون في الداخل الفرنسي، وكذلك الاحتجاجات التي لا تهدأ في الشارع الجزائري، لتأتي هذه «المناورة» لكسر الحراك ووأد ثورة الشارع الغاضب.

لا سيما إذا نظرنا إلى هذه الخطوة على أنها مجرد اعتراف، دون تقديم اعتذار عن الجريمة المرتكبة في هذا السياق. ولأن ذاكرة الشعوب أبدا لا تنسى، تظل جرائم الفرنسيين غير قابلة للتساقط بالتقادم مهما حاول ماكرون تجميل وجهها القبيح بدعوى الديمقراطية الزائفة، فماضيها لن يتغير حتى لو اعترفت واعتذرت عن كل جرائمها، ستبقى صورتها في ذهن المواطن الجزائري ستبقى مرتبطة بالدم والإرهاب والدمار.

فملف الذاكرة الاستعمارية بين فرنسا والجزائر يحمل أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية لها تأثير مباشر، لا على علاقات البلدين فحسب، بل على الشعبين أيضا.

اعتراف غير كاف

لذلك فإن الرجل – بومنجل – كونه واحدا من بين ملايين الضحايا الجزائريين الذين لم يتحدث عنهم ماكرون، من ثم فالاعتراف وحده ليس كافيا، بل يجب على فرنسا تقديم الاعتذار الرسمي للشعب الجزائري والحكومة الجزائرية على الجرائم الحرب المرتكبة في حق المدنين الأبرياء.

الاعتراف الفرنسي بقتل علي بومنجل لم يكن وليد الصدفة ولا يمكن إرجاع الفضل فيه للباحث الفرنسي بنجامين ستورا لوحده، بل هو صراع جزائري طويل للكشف عن الحقيقة وعن الوقائع الفعلية التي جعلت السفاح أوساريس يأمر بتعذيب وقتل علي بومنجل بتاريح 23 مارس 1957.

يتساءل الجزائريون، كيف تحتفظ دولة مثل فرنسا تدّعي أنها مركز التنوير في العالم بجماجم المجاهدين الجزائريين وتعرضها في متحف تباهيًا بتاريخها الدموي، ألم يحن الوقت للإقرار بحقائق التاريخ ودحض الأكاذيب؟ بحسب الجزائريين فهناك ما هو أكبر من تقرير ستورا لمداواة جراح الماضي.. قدر الإمكان!

منجل

علي بومنجل.. مناضل بدرجة شهيد

بومنجل المحامي والمناضل الجزائري رفيق المحامي الفرنسي «جاك فيرجس» الذي عرف بموقفه في الدفاع عن الثوار الجزائريين ومسلحي جبهة التحرير الوطني أثناء حرب التحرير، بالإضافة لموقفه الداعم للفدائيين الفلسطينيين في عقد الستينيات.

كان لأبومنجل نشاط حزبي فعال في التعريف بقضية الشعب الجزائري وحقه في الاستقلال، كما كان مقاوما ومناضلا على الجبهات. إذ لم تمر سنة واحدة منذ إعلان انطلاق المقاومة الجزائرية، حتى انضم لها بومنجل، رغم انشغاله بالقضايا الحقوقية والدفاع عن الجزائريين في المحاكم الخاضعة لقوات الاحتلال الفرنسية.

التحق بومنجل بجبهة التحرير الوطني سنة 1955 وظل يقاتل الاحتلال الفرنسي في صفوفها لمدة عامين قبل أن يتم القبض عليه خلال معركة الجزائر تعرض لشتى أنواع التعذيب في 23 مارس 1957 تم رميه من نافذة شقة بالطابق السادس لإحدى العمارات لتغطية الجريمة بالانتحار.

ربما يعجبك أيضا