بعد عقد من النزاع المسلح.. الأسد لولاية رابعة وخيبة أمل للمعارضة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب في سوريا، وتحولها لصراع مسلح على مدى سنوات بين قوات النظام والمعارضة، يبدو أن 2021 قد تشهد ولاية رابعة لرئاسة بشار الأسد لسوريا، بسبب الدعم الروسي والإيراني في وقت فشلت فيه المعارضة في تكوين جبهة موحدة قادرة على إيجاد بديل للنظام.

صمود الأسد وفشل المعارضة

برغم من حالة الدمار التي خلفتها الحرب السورية، استطاع الرئيس السوري بشار الأسد الصمود بوجه الثورة بعد مرور نحو 10 سنوات من الصراع المسلح مع المعارضة، حيث يستعد مجددًا لخوض انتخابات رئاسية تبدو نتائجها محسومة لصالحه، في ظل فشل المعارضة على مختلف مكوناتها بتوحيد صفوفها وتقديم بديل للنظام.

فقبل عشر سنوات، انطلقت ثورات الربيع العربي في عدد من الدول العربية، أطاحت برؤسائها كما حدث في مصر وليبيا وتونس، لكن الحال تبدل في سوريا بسبب تلكؤ الغرب في استخدام القوة ضد النظام السوري، فضلًا عن الدعم الذي تلقاه الأسد من إيران ثم روسيا، لتتحول الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في مارس 2011 إلى نزاع مدمر تصاعد مع تدخل أطراف خارجية ساهمت في تعقيد المشهد.

وخلال سنوات الحرب، لقي أكثر من 380 ألف شخص حتفهم وتم اعتقال عشرات الآلاف، فضلًا عن تدمير البنى التحتية واستنزاف الاقتصاد ونزوح وتشريد أكثر من نص السكان، وبات النظام يسيطر اليوم على نحو ثلثي البلاد، فيما يعاني الشعب السوري من أزمة اقتصادية خانقة بسبب نضوب مواردها والعقوبات المفروضة على النظام وحلفائه.

وبحسب المحللين، فقد استطاع الأسد أن يرث عن والده طباعه الباردة والغامضة وتتلمذ على يده في الصبر، الذي لعب دورًا أساسيًا في صموده أمام الاحتجاجات التي توقع الكثيرون في بدايتها أنها ستسقطه، يضاف إلى ذلك أن الجيش ظل متماسكا ومواليا لنظام الأسد، على الرغم من انشقاق عشرات آلاف العسكريين عنه في بداية النزاع، ما منح الأسد فرصة ذهبية للصمود.

وفي أثناء ذلك، لم تكن هناك شخصيات قيادية يمكن أن تلعب دورًا في مواجهة النظام، الذي راهن على تركيبة المجتمع المعقدة مع وجود انقسام عرقي بين العرب والأكراد وطائفي بين سنة وعلويين وأقليات أبرزها المسيحية، جميعها ارتأت في نظام الأسد حاميًا لها.

 وفي المقابل، رغم الخسائر التي تلقاها النظام السوري في 2012، واعتراف أكثر من 100 دولة بالائتلاف الوطني السوري للمعارضة كممثل شرعي للشعب السوري، فشلت المعارضة في تشكيل جبهة موحدة مع عسكرة النزاع، حيث تعددت الفصائل التي تلقت دعمًا من دول لها أجنداتها الخاصة، لتتفاقم أزمة المعارضة مع ظهور تنظيم داعش وتحكمه بمساحات واسعة ما مهد للأسد على تقديم نفسه بأنه يخوض حربًا ضد الإرهاب.

تراجع أمريكي وظهور حلفاء جدد

في الوقت الذي كانت الفصائل المعارضة تطالب حلفاءها بسلاح ودعم عسكري، على غرار تدخل حلف شمال الأطلسي الجوي الذي ساعد المعارضة المسلحة الليبية على النيل من نظام القذافي، كان الغرب مرعوبًا من تكرار تجربة ليبيا حيث بدأت الفوضى تتمدد.

ومع استقطاب تنظيم داعش آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق المجاور بدءًا من العام 2014، وتنفيذه هجمات دامية في دول عدة، انصب تركيز المجتمع الدولي بقيادة واشنطن على دعم الفصائل الكردية وحلفائها في مواجهة الجهاديين عوضًا عن دعم خصوم الأسد.

ومنذ ذلك الحين، تيقن النظام من تراجع إدارة أوباما عن تنفيذ ضربات عقابية حتى بعد مقل 1400 قرب دمشق في صيف 2013 جراء هجوم بغاز السارين اتهمت دمشق بتنفيذه، حيث انتهى الأمر باتفاق أمريكي روسي على تفكيك الترسانة الكيميائية السورية.

ويرى المحللون أن إدارة أوباما في بداية حملتها الانتخابية تعهدت بالانسحاب من العراق، ولذلك ترددت في العودة إلى الشرق الأوسط” من بوابة سوريا، ومن هنا حددت مصالحها في المنطقة من خلال تدخلها ضد داعش وأسلحة الدمار الشامل، ومن ثم تراجعت عن دعم المعارضة.

في المقابل، تلقى النظام السوري دعما حاسمًا من إيران التي دربت واستقدمت عشرات المسلحين للدفاع عن الأسد، من بينها حزب الله اللبناني، وكذلك فعلت روسيا التي دافعت عن النظام في مجلس الأمن ودعمته اقتصاديا ثم عسكريًا في وقت لاحق.

وجاء التدخل الروسي في سوريا، باعتباره فرصة تاريخية لاستعادة موقعها الذي فقدته كقوة عظمى عبر ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفته واشنطن، فساهمت الضربات الجوية الروسية في تعزيز بقاء الأسد.

فشل التسوية السياسية

ومع تراجع الدور الأمريكي وصمود النظام ودخول حلفاء جدد على خط الأزمة، أُرجأت مطالبات الدول الغربية عن ملف تنحي الأسد عن السلطة، وانصب اهتمام المجتمع الدولي على التوصل إلى تسوية سياسية من بوابة اللجنة الدستورية التي تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة وتعقد اجتماعات منذ 18 شهرًا في جنيف.

وأملت الأمم المتحدة أن تمهد نتائج عمل اللجنة لوضع دستور جديد تجرى الانتخابات الرئاسية المرتقبة منتصف العام الحالي على أساسه وبإشرافها. إلا أن موفدها إلى دمشق غير بيدرسن قال لصحفيين الشهر الحالي إن الاجتماع الأخير كان “فرصة ضائعة” وشكل “خيبة أمل”. وأقر أمام مجلس الأمن “بفشل المسار السياسي”.

من جهتها، تعمدت دمشق “تقطيع الوقت” خلال اجتماعات اللجنة الدستورية التي وصفها مصدر دبلوماسي غربي بأنها أشبه بـ”دعابة”، لإنها ستدفع الأسد لإجراء انتخابات هذا العام بموجب الدستوري الحالي.

وبحسب المعطيات، سيكون الأسد المرشح الوحيد عمليا في الانتخابات القادمة، ولا شي يمكن أن يمنعه من البقاء في منصبه والفوز بولاية رئاسية رابعة.

وبحسب مصادر سورية فإن “هذه المعادلة المستحيلة ستبقينا لسنوات طويلة في مرحلة اللا خيار، واللا حل واللا استقرار.. مع استمرار الاستنزاف البطيء الذي يدفع ثمنه الشعب السوري”.

في الخلاصة، لم تتمكن المعارضة من إفراز شخصيات قيادية بديلة تتمتع بمصداقية لدى المجتمع الدولي، حيث بقيت أجنداتها رهينة أجندات دول تدعمها ما شكل خيبة أمل حقيقية للشعب السوري، الذي سيظل محاصرًا بنظام قمعه لسنوات عدة ولا يزال.

ربما يعجبك أيضا