هل تؤيد أنقرة الحكومة الليبية الجديدة؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

من المؤكد أن تشكيل حكومة ليبية جديدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في اتجاه التسوية السياسية وإعادة بناء الدولة. إلا أن المهام الضخمة والمعقدة التي تواجه السلطة الانتقالية في ليبيا تجعل الإفراط في التفاؤل خطأً كبيراً.

الحكومة الليبية أمامها طريق طويل محفوف المصاعب والتعقيدات لكي تتمكن من إنجاز المهام المطروحة عليها، المتمثلة في تحقيق الخدمات من إعادة تنظيم الاقتصاد المنهار، وتحسين الخدمات العامة، وتوحيد مؤسسات الدولة، بما فيها القوات المسلحة – بما يعنيه هذا من ضرورة حل الميليشيات، وطرد المرتزقة الأجانب. وعليه هل تؤيد تركيا المسار الجديد ليبيا برئاسة عبدالحميد الدبيبة؟.

مؤشرات

في الواقع، فإن دعم تركيا للحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا، يطرح ثلاث دلالات رئيسية: أولها أن تركيا ترى أن فوز قائمة “الدبيبة” و”المنفي” ساهمت في تقليص دور الشخصيات التي تعارض التدخل التركي بشكل صريح وحاسم في الداخل الليبي، وهو ما يمثل خطوة نحو تهميش خصوم أنقرة في الداخل الليبي، خاصة أن تركيا ترى أن أحد التحديات الرئيسية أمام استمرار تغلغلها في ليبيا لا يرتبط فقط بمعارضة إقليمية ودولية، قدر ما يرتبط بتصاعد حالة رفض قطاعات ليبية شعبية وسياسية واسعة ضد الانخراط التركي في الداخل الليبي. بحسب تقرير نشره مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة.

وثانيها أن ثمة تفاهمًا بين تركيا والقائمة الفائزة برئاسة المرحلة الانتقالية، حيث لا تحمل القائمة أية توجهات سلبية تجاه تركيا، فقد كان لافتًا غياب أي تصريحات مباشرة مناهضة لتركيا على لسان رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد “محمد يونس المنفي”، كما كان لافتًا أيضًا إجراء رئيس الوزراء “عبدالحميد دبيبة” أول لقاءاته الصحفية مع وكالة “الأناضول” التركية، وتأكيده صراحة على أهمية الدور التركي في ليبيا.

مصالح

تعكس التحركات والتصريحات التركية تجاه السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا رغبتها في تحقيق جملة من الأهداف والمصالح، يمكن بيانها على النحو التالي:

تعزيز دور أنقرة: ترى تركيا أن فوز قائمة “الدبيبة” و”المنفي” قد يبقي على الدور التركي في ليبيا، خاصة أن السلطة التنفيذية الجديدة يُتوقع أن تكون سياستها تجاه تركيا بعيدة عن الخلافات السياسية وتنتهج صفة الحيادية في تعاملها مع الدول الإقليمية.

ربما تشهد الفترة المقبلة نوع من التهدئة في ظل تخوف تركيا من الموقف المصري ولكن سوف تعمل أنقرة على تثبيت أقدامها في ليبيا من خلال إبرام عدد من العقود والاتفاقيات التجارية وكذلك الاستثمار في ليبيا إما في المجال النفطي أو إعادة الإعمار خاصة وأن أوضاعها الاقتصادية الآن لن تسمح لها بأن تستمر في تحمل تكلفة دعم المسلحين في ليبيا لذلك سوف تحاول السيطرة على الجانب الاقتصادي والاتفاقيات مع ليبيا لإيجاد حجة للتدخل في الأزمة الليبية ودعم عدم الاستقرار بحجة حماية استثماراتها في ليبيا.

دعم المصالح الاقتصادية: ينطلق الموقف التركي الداعم للسلطة الليبية الجديدة من منطلق الحرص على المصالح الاقتصادية التركية، فرئيس الوزراء “عبدالحميد الدبيبة” يعد واحدًا من أهم رجال الأعمال في ليبيا، وترأس منذ عام 2006 وحتى عام 2011 شركة ليبيا للاستثمار والتنمية التي تعتبر واحدة من أكبر شركات البناء في ليبيا، ولديه أنشطة تجارية عديدة مع الشركات التركية، فضلًا عن الحضور اللافت للشركات التابعة لرئيس الوزراء الليبي الجديد في تركيا، وهو الأمر الذي قد يعزز من تصاعد فرص رفع معدلات التبادل التجاري بين تركيا وليبيا. وتمثل ليبيا أولوية اقتصادية لتركيا من جوانب عدة، أولها يرتبط بتباطؤ الاقتصاد التركي، وتراجع حضور الصادرات التركية في الأسواق الأوروبية والعربية في الفترة الماضية، كما تشكل السوق الليبية السوق الثانية للمتعاقدين الأتراك في الخارج بعد روسيا، ويوجد في ليبيا نحو 120 شركة تركية.

استيعاب الضغوط: لا ينفصل الحرص التركي على دعم السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا عن رغبة تركيا في توظيف الورقة الليبية لاستيعاب الضغوط الدولية التي تُمارس على تركيا، خاصة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، التي أعلنت عن توجهات مغايرة لسياستها الخارجية تجاه تركيا بسبب إصرار تركيا على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400، وتراجع الأوضاع الحقوقية في الداخل التركي.

في هذا السياق، ومع إدراك أنقرة مساعي واشنطن لدعم جهود الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية، ناهيك عن مساعيها لإبعاد موسكو عن مراكز التحكم والسيطرة في ليبيا؛ تراهن تركيا في دعمها للسلطة الليبية الجديدة على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية ذات ثقل في ليبيا، ومن ثمّ التأثير على السياسات الأمريكية المتوقعة تجاه ليبيا، ناهيك عن استخدام نفوذها في ليبيا كورقة ضاغطة لحلحلة الملفات الشائكة مع واشنطن.

ختامًا، يمكن القول إن السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، التي أفرزتها العملية الانتخابية التي جرت في 5 فبراير الماضي برعاية أممية قد تقوم بالحفاظ على النفوذ التركي في ليبيا. وقد توفر من الفرص ما يضمن الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية في ليبيا، ناهيك عن أهمية توظيف العلاقة مع السلطة الليبية الجديدة كورقة يمكن استثمارها في استيعاب ضغوط واشنطن التي تتجه نحو التفاعل من جديد مع القضية الليبية.

ربما يعجبك أيضا