التحفيز الأمريكي.. سخاء بأعراض تضخمية جنونية!

كتب – حسام عيد

فصل تشريعي جديد تسطره الولايات المتحدة، لطمأنة الأمريكيين وبث بعض الدفء في جيوبهم وتحريك الجمود الاقتصادي وإحداث انتعاشة وسط غيوم جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19″، مع تمرير الكونجرس الأمريكي لخطة الإنقاذ.

ورغم معارضة وانتقادات واسعة بين صفوف الجمهوريين، أقر مجلس النواب بعد ثلاثة أيام فقط من موافقة مجلس الشيوخ، مشروع قانون الإغاثة لمواجهة تداعيات الجائحة الوبائية بقيمة 1.9 تريليون دولار، ليتمكن بذلك الديمقراطيين من إعادة القانون للبيت الأبيض بعد التصويت عليه بواقع 220 صوتًا مقابل 211 صوتًا ضده، لينتظر تصديق الرئيس جو بايدن الجمعة 12 مارس 2021. فهل ستساهم خطة الإنقاذ الضخمة في تحفيز الاقتصاد الأمريكي وإخراجه من الركود الذي عرفه مع قدوم كورونا، ومن ثم حدوث انتعاشه واسعة في مفاصل الاقتصاد الأمريكي بداية من سوق العمل وإتاحة العديد من الوظائف، مرورًا بدعم وتحسين السلوك الاستهلاك بالسوق الأضخم عالميًا ووصولًا إلى العودة لبلوغ المستهدفات التنموية وتسجيل معدلات مرتفعة، أم ستتحول انتقادات الجمهوريين إلى واقع من منطلق إن المرحلة الأسوأ من كورونا قد ولت، ومن ثم إضافة أعباء إضافية للاقتصاد عبر بلوغ التضخم لمستويات جنونية غير معهودة في الولايات المتحدة مع نفاذ تلك الحزمة الضخمة والباهظة إلى الأسواق؟!.

أول نجاحات بايدن

من جانبه، وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مصادقة الكونجرس يوم الأربعاء 10 مارس 2021، على خطته الضخمة للإنعاش الاقتصادي بأنها “انتصار تاريخي” للأمريكيين، محققًا بذلك أول نجاحاته الكبرى منذ تنصيبه قبل 50 يومًا.

ورغم توحد الجمهوريين على معارضة الخطة، وانضمام نائب ديمقراطي لهم، نجحت الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب في المصادقة على الخطة بـ220 صوتًا مقابل 211 صوتًا معارضًا.

ولدى صدور نتيجة التصويت، وقف الديمقراطيون احتفاء وصفقوا داخل القاعة. وسيُصدر بايدن، الجمعة 12 مارس الجاري، الخطة الضخمة البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، وهو رقم يوازي إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا.

تكريس الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين

وفيما يشبه الرد على انتقادات الجمهوريين، قال بايدن إن “كل عنصر في خطة الإنقاذ الأمريكية يشكل استجابة لاحتياجات حقيقية”.

وقالت رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية، نانسي بيلوسي، في قاعة الجلسة “نحن عند منعطف حاسم في تاريخ بلادنا”.

بالمقابل، قال زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، إنه “أحد أسوأ القوانين على الإطلاق”، واعتبر أنه “مثال تقليدي لبرنامج ديمقراطي مضخم”.

وقال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، كيفين مكارثي، إن خطة التعافي الاقتصادي ليست سوى “قائمة أولويات لليسار” ولا تستجيب للجائحة، مشددًا على أن 9% فقط من الخطة “على صلة بمكافحة كوفيد-19”.

ازدهار على المدى القريب

وكان فيروس كورونا المستجد قد ألحق أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الذي سجل العام الماضي انكماشًا بلغت نسبته 3.5%. ويتوقع خبراء أن تسهم الخطة التي تحظى بتأييد واسع في الاستطلاعات بتعزيز النمو.

وبحسب الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن الخطة ستسهم في خلق أكثر من سبعة ملايين وظيفة جديدة هذا العام، إلى جانب زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار تريليون دولار، ورغم صعوبة هذه اللحظة، فإن هناك أيامًا أكثر إشراقًا بالفعل. وكانت الولايات المتحدة أضافت 379 ألف وظيفة في فبراير، وهو معدل قوي يوحي بأن الاقتصاد مستعد للانطلاق، كما نمت مبيعات التجزئة بأكبر وتيرة منذ 7 أشهر خلال يناير، وتوسع التصنيع بأسرع معدل منذ 3 سنوات في فبراير.

كما وستخفض الخطة التحفيزية الضخمة تكاليف الرعاية الصحية وستنقذ الأرواح عبر دعم حملة التلقيح، وستقلص بنسبة النصف معدل الفقر لدى الأطفال.

ويتوقع الخبراء أداءً اقتصاديًا أفضل بكثير مما كانوا يرون في أوائل يناير من 2021، وتوقع البعض أداءً جيدًا بدرجة تبدو “غير منطقية”.

وقد أظهر أحدث استطلاع شهري أجرته وكالة “بلومببرج” لخبراء الاقتصاد أن وتيرة النمو السنوية في الربع الأول في أمريكا ستكون 4.8%، أي أسرع مرتين مما توقعوه قبل شهرين فقط، وللعام بأكمله يتوقعون نموًا بنسبة 5.5%، وهو الأسرع منذ عام 1984.

ليس هذا أقصى طموح للخبراء؛ إذ يشير الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، الذي يتتبع البيانات في الوقت الفعلي لتقدير التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي، إلى زيادة بنسبة 10% للأشهر الثلاثة الأولى من العام.

توقعات الفيدرالي ليست مدفوعة فقط بالتفاؤل إزاء الحزمة الإنفاقية الضخمة للإدارة الأمريكية، ولكنها رجحت هذا المعدل الضخم بعد تقرير أظهر أن الدخل الشخصي ارتفع بنسبة 10% في يناير، بفضل المدفوعات التي تلقاها الأمريكيون من الحكومة بواقع 600 دولار.

تضخم جنوني قد يلوح بالأفق الأمريكي

لكن في ظل هذا التفاؤل الشديد، ينظر البعض إلى هذا “البذخ” في الإنفاق وفي ظل نمو مدخرات الأسر، إلى أنه سيكون دافعًا قويًا للتضخم في الولايات المتحدة.

في الوقت الراهن؛ التضخم لا يزال منخفضًا جدًا في الولايات المتحدة وكان كذلك طوال العقد الماضي، وأدت جائحة “كوفيد-19” إلى القضاء على التضخم في أوائل العام الماضي، وحتى الآن، ترتفع الأسعار بأقل من 2% سنويًا.

كما أن فقدان العديد من الوظائف أثناء الوباء (نحو 10 ملايين لا تزال في عداد الخسائر) وما ينتج عن ذلك من انخفاض في الطلب يساعد أيضًا في الحد من التضخم، ومن الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، توليد تضخم مستدام عندما لا يزال الاقتصاد بعيدًا عن حالة التوظيف الكامل.

لكن يمكن لذلك أن يتغير في الأشهر المقبلة، مع ارتفاع أسعار النفط، ونقص المواد الخام والإمدادات الرئيسية الأخرى، والأهم، أن كل ذلك يتزامن مع حزمة المساعدات المالية الحكومية الضخمة للأمريكيين.

وكان التضخم هبط إلى قرابة الصفر خلال مايو الماضي، لكن المعدل السنوي بلغ 1.4% في يناير، ومن المتوقع الآن استمرار ارتفاعه، وتشير التوقعات إلى تسجيل 1.7% في فبراير، وبحلول الصيف يتوقع الاقتصاديون أن يتجاوز هدف الفيدرالي البالغ 2%.

أفق التضخم في السوق الأمريكي ستبقى رهن ارتفاع الأسعار سيدوم أم لا على المدى القريب، فالفيدرالي “البنك المركزي” يراهن على أنه لن يستمر طويلًا ولن يهدد الاقتصاد ويتفق معه صندوق النقد الدولي، لكن بعض الاقتصاديين يحذرون من خطر التضخم الحاد الذي يتسبب في عدم اليقين وارتفاع الفائدة وإضعاف الانتعاش الاقتصادي.

وختامًا، سيحصل معظم الأمريكيين على مدفوعات (لمرة واحدة) بقيمة مئات الدولارات، ومئات أخرى في صورة إعانات بطالة، ومليارات كمساعدات للحكومات، وغيرها لتمويل الشركات. لكن هل يمكن لشرايين الاقتصاد الأمريكي استيعاب تدفقات السيولة الضخمة والمساهمة في طفرة الاقتصاد الأمريكي بات في أمس الحاجة لها، أم سيكون لهذا “التحفيز السخي” ثمنًا باهظًا سيدفع الاقتصاد والأمريكيين فاتورته؟!.

ربما يعجبك أيضا