انسحاب مرتزقة ليبيا.. مطلب دولي مُحاصر بين الدبلوماسية والعسكرة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

عقب منح الثقة للحكومة الليبية الجديدة، دعا مجلس الأمن الدولي لانسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا تمهيدًا لإنشاء هيكل أمني كامل في ليبيا استعدادًا للانتخابات المقبلة وإنهاء عصر الفوضى والميلشيات، خطوة اعتبرتها الحكومة على رأس أولوياتها وتسعى لحلها عبر الحنكة الدبلوماسية إلا إنها قد تصطدم بمطامح تركية وروسية بالبقاء والحفاظ على مكاسبها في ليبيا، الأمر الذي يستدعي ضرورة التدخل الدولي واللجوء لدعم الجيش كخيار لإنهاء هذه الفوضى.

مجلس الأمن يطالب بالانسحاب

عقب نيل حكومة عبدالحميد دبيبة ثقة البرلمان، طالب مجلس الأمن الدولي بالأمس، إلى “انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون مزيد من التأخير”، مبديًا ترحيبه بمصادقة البرلمان الليبي على الحكومة الانتقالية الجديدة.

كما دعا المجلس الدولي جميع الأطراف إلى التنفيذ الكامل لاتفاق وقف اتفاق النار، واحترام الدول الأعضاء لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

ووفقًا لخبراء الأمم المتحدة المكلفين بالمراقبة، فإن الحظر المفروض منذ 2011 لا يزال يُنتهك بشكل منتظم منذ سنوات، ومن المتوقع صدور تقريرهم السنوي في الأيام المقبلة.

سبق ذلك تحذير هؤلاء الخبراء من وجود مرتزقة روس وقوات تركية وجماعات مسلحة تضم سوريين وتشاديين وسودانيين في ليبيا، وعلى إثره أقر مجلس الأمن إلى ضرورة التخطيط لنزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحها أو إعادة إدماجها وإنشاء هيكل أمني كامل في ليبيا.

وفي سياق ذلك، وصل نحو 10 مراقبين دوليين إلى طرابلس قبل أسبوع للإعداد لمهمة الإشراف على وقف إطلاق النار المطبق في ليبيا منذ أشهر والتحقق من مغادرة المرتزقة والجنود الأجانب المنتشرين في البلاد.

وحتى الآن نجحت الجهود الدبلوماسية في وقف الأعمال العسكرية وتوجت بتوقيع اللجنة العسكرية الليبية في جنيف برعاية الأمم المتحدة في 23 أكتوبر الماضي، اتفاقًا لوقف إطلاق النار بشكل دائم في أنحاء البلاد.

وتقضي أهم بنود الاتفاق برحيل القوات الأجنبية والمرتزقة في مهلة تسعين يومًا، انتهت دون رحيل أو تفكيك هذه القوات ومغادرتها الأراضي الليبية.

وكشفت الأمم المتحدة، مطلع ديسمبر الماضي، عن وجود 20 ألفا من “القوات الأجنبية والمرتزقة” في ليبيا. كما أشارت إلى وجود عشر قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة.

خنجر في ظهر ليبيا

من جهته، دعا رئيس الحكومة الليبية الجديدة، عبدالحميد دبيبة، المرتزقة والمسلحين الأجانب الموجودين في ليبيا إلى المغادرة، واصفا تواجدهم بخنجر في ظهر البلاد.

وعلق مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة العربية الليبية، اللواء خالد المحجوب، قائلا: إن وصف عبدالحميد دبيبة للمرتزقة والقواعد الأجنبية في ليبيا بأنها خنجر في ظهر الوطن يتماشى تماما مع مهمة القوات المسلحة.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد المطالبات المحلية والدولية منذ أشهر إلى ضرورة إخراج المرتزقة وإنهاء التدخلات الخارجية التي ساهمت في إشعال فتيل الصراعات في ليبيا.

وآخر هذه المطالبات جاء من الجيش الوطني الليبي الذي أكد على أهمية استكمال بنود اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة من البلاد.

وجاءت تصريحات عبدالحميد دبيبة مطمئنة للشعب الليبي بعد تأكيده بأن ملف المرتزقة والمليشيات الإرهابية سيكون على رأس أولوياته.

من جانبه قال مصدر في طرابلس إن إخراج المرتزقة وتفكيك الميلشيات بالحل السياسي قد يكون صعبا للغاية في ظل هذا الكم الهائل من السلاح والمرتزقة التي أغرق بهم أردوغان الغرب الليبي.

دعم الجيش الخيار الأمثل

بحسب المحللين فهناك نحو 7000 مرتزق سوري تم تقسيمهم داخل معسكرات ليبية ومليشيات غير شرعية بطريقة منظمة للغاية،فيما تحميهم شبكة طائرات مسيرة، يتحكم فيها ضباط أتراك بأنفسهم.

يضاف إلى ذلك جلب أنقرة لآلاف المرتزقة إلى ليبيا، جاؤوا لدعم الميلشيات التي تنشط في طرابلس، وسط مخاوف غربية من تزايد توافد المتشددين إلى البلد الواقع في شمال إفريقيا.

يأتي ذلك في وقت نشر فيه المرصد السوري لحقوق الإنسان حواراً أجراه مع مرتزق سوري أكد فيه أن تركيا تستغل الوضع المعيشي لتجنيد المرتزقة في ليبيا.

ومع المكاسب التي حققتها تركيا في ليبيا، فهناك مخاوف من أن تتجه تركيا لفعل أي شيء للاحتفاظ بمكاسبها الاقتصادية التي حققتها إبان فترة حكم السراج في ليبيا، ومن ثم فهي لن تتوقف عن إمداد هذه المليشيات بالسلاح والعتاد لضمان أن تكون لها كلمة في كافة المناقشات السياسية ولحماية مصالحها الاقتصادي غير المشروعة.

من جهة أخرى تتوافد قوات روسية تصر أنقرة على انسحاب قبل سحب قواتها من ليبيا، وهو الأمر الذي دفع بمسؤولين في إدارة بايدن للسعي لإنهاء الأنشطة الروسية والتركية وإيجاد موطئ قدم لها بعد تراجعها عن الساحة الدولية في الآونة الأخيرة.

وفي ظل هذا التنافس الخفي لتعزيز التواجد في ليبيا، يرى المحللون أن الخيار الأمثل هو دعم الجيش الليبي في حال فشلت الخيارات والحلول الدبلوماسية لإخراج المرتزقة والميلشيات من ليبيا، مع الاتجاه لفرض عقوبات لأي طرف يسعى لعرقلة حل هذا الحاجز العسكري.

عقوبات محتملة

من جانبه، هدد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، بمحاسبة أي طرف يسعى لتقويض خارطة الطريق التي وضعها الشعب الليبي، مطالبا بضرورة إخراج المرتزقة من البلاد.

وتابع، إن الإدارة الأمريكية ستحاسب أي طرف يسعى إلى تقويض خارطة الطريق التي وضعها الشعب الليبي، مؤكدا ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية لدعم المسار السياسي.

وفي بيان ترحيبه بحصول حكومة الوحدة الوطنية الليبية على ثقة مجلس النواب، دعا الاتحاد الأوروبي الأطراف الليبية الفاعلة إلى التمسك بهذه المبادئ، والانخراط بشكل بنّاء مع اللجنة العسكرية المشتركة “5+ 5″، مشيرا إلى آليته الخاصة لفرض عقوبات على “المخربين المحتملين”.

وطالب الاتحاد قيادة حكومة الوحدة الوطنية بإظهار عزمها القوي على إرساء الأسس لإصلاح شامل في قطاع الأمن، بما في ذلك الجهود الحقيقية لتفكيك الميلشيات وتوحيد القوات المسلحة تحت إشراف مدني.

وتعد الحكومة الجديدة أهم إنجاز تحقق في معضلة الأزمة الليبية، وقد تسهم في خلق الظروف لإعادة توحيد المؤسسات وقيادة البلاد نحو انتخابات مقبلة، لكنها قد تحتاج لدعم وتدخل دولي في حال تعنت الأطراف الأخرى بالبقاء على مرتزقيها الأمر الذي قد يفشل آمال إنهاء الحرب المستمرة منذ سنوات.

ربما يعجبك أيضا