تركيا تتقرب لمصر.. أطماع وأهداف «أنقرة» من محاولات الصلح

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

تنوعت رسائل التقرب التركية تجاه الدولة المصرية في الفترة الأخيرة بما لا يدع مجالًا للشك أن نظام الرئيس التركي رجب أردوغان، لم يجد أمامه سوى التودد إلى مصر باعتبارها قلب العالم العربي والقوة الإقليمية الأكبر لإنقاذه من عزلتها الدولية، لا سيما بعد تولي جون بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعود أهمية التصريحات التركية الأخيرة إلى صدورها من جميع قيادات ورموز النظام التركي بدء من الرئيس التركي وحتى قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ أكد أردوغان أن تعاون بلاده مع مصر في مجالات الاستخبارات والدبلوماسية والاقتصاد مستمر ولا يوجد أي مشكلة في ذلك، وليس ذلك فحسب بل تمنى أن يستمر التعاون ويتطور إلى ما هو أبعد من ذلك ملمحًا إلى ضرورة ترسيم الحدود البحرية مع مصر، حيث قال إن «الشعبين المصري والتركي ليسا بغرباء عن بعضهما البعض، ولا يجب أن يكون المصريون بجانب اليونان»، متابعًا: «وجود الشعب المصري بجانب اليونان أمر غير وارد، نود أن نراه حيث يجب أن يكون» على حد قوله.

كما أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في تصريحات للتلفزيون التركي بدء الاتصالات الدبلوماسية بين تركيا ومصر من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، زاعمًا عدم وضع البلدين أي شروط مسبقة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، وذلك في معرض رده على سؤال بهذا الخصوص.

مصر وتركيا

وقال الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن التركي، محمود البتاكوشي في تصريحات لـ«رؤية»: النظام التركي تعامل مع احترام القاهرة حدود الجرف القاري التركي عند التنقيب عن البترول في شرق المتوسط حيث رفضت الاعتراف بجزيرة كاستيلوريزو في اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص بأنها رسالة مغازلة لاستئناف العلاقات، ناسيًا أن مصر دولة غير معتدية وتتعامل دائمًا بمنطق الكبار على ممر تاريخها الذي يمتد لآلاف السنين لا تعتدي على حقوق الغير وأن فجر خصمها في الخصومة.

لذا قال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية، عن مصر من يمشي لنا خطوة نسير له خطوتين، كما أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن مصر قلب العالم العربي ودولة مهمة في الشرق الأوسط وتربطنا بها علاقات وروابط ثقافية تاريخية قديمة، وأن احترام مصر لمجالات تركيا البحرية أمر مهم للغاية، ويعود بالفائدة على المنطقة والبلدين، وأنها خطوة مهمة للسلام الإقليمي.

كما أكد مستشار الرئيس التركي ياسين أَقطاي، في تصريحات إعلامية مؤخرًا أن الجيش المصري جيش عظيم، ونحن نحترمه كثيرًا، لأنه جيش أشقائنا.

كما أعلن فيصل إيروغلو المبعوث الشخصي للرئيس التركي رجب أردوغان إلى العراق، استعداد بلاده للوساطة في أزمة ملف سد النهضة الإثيوبي.

وبحسب تقرير، دفعت تركيا ثمنًا باهظًا لتنفير مصر وفي خطوة أضعفت أنقرة، وقعت القاهرة العام الماضي اتفاقية مع اليونان المنافسة لتركيا لتطوير البحر الأبيض المتوسط. وأثارت اكتشافات الطاقة الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط سلسلة من النزاعات الإقليمية بين اليونان وتركيا.

وقال الأدميرال التركي المتقاعد جيم جوردنيز، وهو محلل إقليمي: “مصر تعمل ضد تركيا فقط بسبب سياسة تركيا الخاطئة القائمة على العقيدة، مثل دعم الإخوان المسلمين، وعندما تترك تركيا هذه السياسة أنا متأكد من أن العلاقات التركية المصرية ستكون أفضل”.

أسباب التقرب

وكشف تحليل أمريكي للعلاقات الخارجية التركية أن أنقرة أدركت أن عودة الإخوان إلى السلطة انتهت وأن الجماعة أصبحت من الماضي، وبالتالي حان الوقت للتخلص من إرث هذه الجماعة التي تحالفت معها منذ الربيع العربي لأهداف أيديولوجية وإعادة العلاقات بمصر.

وتتطلع تركيا إلى إعادة العلاقات مع مصر بعد سنوات من العداء في خطوة يقول محللون إنها جزء من تحول استراتيجي أوسع في مواجهة عزلتها المتزايدة. وقال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، في وقت سابق من هذا الشهر: “يمكن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع مصر ودول الخليج”. وأكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الجهود الدبلوماسية جارية لإصلاح العلاقات.

وبحسب تقرير تحليلي لوكالة VOA الأمريكية، تعتبر مصر وتركيا حليفين تقليديين، لكن العلاقات كانت دخلت في حالة جمود عميق منذ سقوط المعزول محمد مرسي في عام 2013، واندلاع ثورة 30 يونيو، عندها سحب البلدان سفيريهما.

وأوضح التقرير أن دعم أنقرة للإخوان خلال الربيع العربي كان محوريًا لأهداف أيديولوجية إلى حد كبير، لإبراز نفوذها في الشرق الأوسط من خلال تعزيز التضامن الإسلامي.

انقلاب السياسة التركية تجاه مصر له عدة أسباب، وترجو تركيا أن تحقق عددًا من المكاسب من خلال محاولة إعادة العلاقات، ولعل أبرزها هو شعور أنقرة بالحاجة إلى أصدقاء في المنطقة بعدما كثُر أعداؤها عربيًا وأوروبيًا، بعد تزايد الخلافات بينها وبين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” بسبب صدامها مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية، بالإضافة إلى تدهور اقتصادها وانهيار سعر العملة التركية، كما تهدف إلى كسر التحالفات، وهذا يكشف سر لجوئها إلى مصر في هذا التوقيت فالقاهرة تعتبر قلب وعقل العالم العربي.

كما قال آكار مما سهل إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ثورات الربيع العربي حيث كانت تركيا تنتهج وقتها سياسة صفر مشاكل مع الجميع مما سمح لاقتصادها بالنمو والازدهار وكانت قاب قوسين أو أدنى من الانضمام للاتحاد الأوروبي حتى أنقلب أردوغان على سياسة أسلافه وبات يفتعل الأزمات والمشكلات في المنطقة كما أن النقطة الخلافية الجوهرية سبب الأزمة والمرتبطة بإزاحة جماعة الإخوان عن الحكم باتت من الماضي الذي لا يمكن إعادته.

أطماع «أنقرة»

تحاول تركيا من خلال تصريحاتها الناعمة ترسيم الحدود البحرية مع مصر إذ ستحصل حال نجاح مخططها على مناطق خالصة للتنقيب عن الغاز، كما ستشكل هذه الاتفاقية أساسًا قويًا للتفاوض مع جيرانها الأوروبيين؛ خصوصًا قبرص واليونان، في خطوة ستسهم في تقليل الضغوط الدولية على تركيا، وستحسن صورة أنقرة باعتبارها تسعى للحصول على حقوقها القانونية دون تجاوز حقوق الآخرين؛ فحتى الآن لم تنجح أنقرة في عقد أي اتفاق معترف به سوى مع جمهورية قبرص الشمالية غير المعترف بها دوليًا، واتفاقها غير المعترف به دوليًا مع حكومة الوفاق الليبية.

ويؤكد ذلك أن أكبر أسباب خسارة تركيا في أزمتها من اليونان، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا، إذ دعمت الموقف اليوناني، أمام القرصنة التركية وسهلت حصولها على دعم دول الاتحاد الأوروبي في شرق المتوسط وبحر إيجة.

ومن المكاسب التي تنتظرها تركيا من التقارب مع مصر هو أن تحصل على نصيب كبير من كعكة إعادة إعمار ليبيا، بعد أن تسوي أزماتها السياسية مع مصر، التي كانت سببًا رئيسًا في إفساد مخطط أنقرة في احتلال “بلد المختار”، بمجرد أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي، تحذيره الشهير من قاعدة محمد نجيب العسكرية، بأن سرت والجفرة “خط أحمر” لن تسمح مصر باختراقه، مما أدى إلى إرباك جميع المخططات التركية.

ربما يعجبك أيضا