تسوية تاريخية بـ27 مليون دولار.. هل يسدل الستار على قضية «جورج فلويد»؟

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

لمدة ثماني دقائق و46 ثانية، ضغط ضابط الشرطة الأمريكي، “ديريك تشوفين”، بركبته على رقبة المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد (46 عاماً). وبينما كان “تشوفين” يضغط على عنق فلويد في مدينة مينيابوليس الأمريكية -في 25 مايو من العام الماضي- كان الشرطيان، ألكسندر كونغ، و ج. توماس لين، يقيدان حركة فلويد.

كل ذلك حدث في الشارع، بجانب سيارة للشرطة، حيث قاموا بتثبيت فلويد على الأرض، بينما كان يصرخ كلماته الأخيرة متوسلاً “من فضلك، لا أستطيع التنفس” حوالي 20 مرة، عندما فقد فلويد وعيه، لم يتحرك الضباط، ولم يتركه تشوفين وزملاؤه إلا عندما وصلت سيارة إسعاف – بعد حوالي دقيقتين من توقف نبضه، وفقاً للمدعين. ليتم إعلان وفاة فلويد في وقت لاحق في مستشفى محلي.

الأمس توصلت عائلة “جورج فلويد” إلى تسوية بقيمة 27 مليون دولار، وفق ما أعلن محاموها، إذ أفادوا في بيان أنه تم الاتفاق على “أكبر تسوية تسبق محاكمة في قضية حقوق مدنية تتعلّق بالقتل الخطأ في تاريخ الولايات المتحدة”.

وقال بن كرامب، أحد محامي عائلة فلويد، إن لحظة “مقتل جورج فلويد المروعة التي شاهدها الملايين حول العالم، أطلقت العنان لرغبة عميقة ومطالبة لا يمكن إنكارها بالعدالة والتغيير”.

وتابع “تبعث أكبر تسوية على الإطلاق تسبق محاكمة في قضية قتل رجل أسود عن طريق الخطأ برسالة قوية مفادها أن حياة السود مهمّة فعلا وعلى قسوة الشرطة ضد ذوي البشرات الملونة أن تنتهي”.

وتجري حاليا محاكمة الشرطي في مينيابوليس ديريك شوفين بتهمتي القتل والقتل غير العمد على خلفية مقتل فلويد، كما يواجه ثلاثة عناصر شرطة آخرين اتهامات تتعلق بالحادثة.

طي الصفحة

1 1349623

يذكر أن التسوية نتيجة دعوى قضائية فدرالية رفعتها عائلة فلويد في يوليو ضد مدينة مينيابوليس. واعتبر رودني شقيق فلويد أن التسوية “خطوة ضرورية لنتمكن جميعنا من بدء طي الصفحة”.

وأضاف “ستكون روح تفاؤل جورج الدائمة حيال إمكانية تحسّن الأمور إرثه بالنسبة لأولئك الذين أحبوه، ونأمل بأن يقوم هذا الاتفاق بذلك”.

تفاوت الفرص والثورة

ومن ناحية أخرى من المتوقع أن تصبح مدينة إيفانستون في ولاية إلينوي أول مدينة أمريكية تدفع تعويضات مالية إلى سكانها من ذوي البشرة السمراء.

وصادقت سلطات المدينة الواقعة شمالي شيكاغو في عام 2019 على إجراء غير مسبوق يقضي بدفع أموال إلى المقيمين من أصول إفريقية تعويضا عن “الفجوات في الفرص والثروة” التي عانوا منها نتيجة للتمييز العنصري في تاريخ المدينة.

وصادقت سلطات المدينة على تأسيس صندوق خاص بالتعويضات وتعهدت بتوزيع 10 ملايين دولار خلال السنوات العشر القادمة، وفقا لموقع “إن بي سي” الأمريكي.

وقرر المسؤولون المحليون أن الدفعة الأولى من التعويضات بقيمة 400 ألف دولار ستخصص لمساعدة المواطنين من ذوي البشرة السمراء المتضررين بالعنصرية على حل مشاكلهم السكنية.

وبموجب هذا الاقتراح سيتم دفع 25 ألف دولار إلى كل شخص في المدينة يثبت أنه أو أسلافه من ذوي البشرة السمراء كانوا يقيمون في إيفانستون قبل عام 1969 وعانوا من أساليب تمييزية من قبل السلطات أو المصارف.

ومن المتوقع أن تصوت بلدية المدينة على هذا الاقتراح في 22 مارس الجاري.

سبب تراكمي

ومن وجهة نظره، يرى الأستاذ في جامعة نيويورك المتخصص في الحركات الاجتماعية، “ديفيد إلكوت”، أن الأسباب التي دفعت بوفاة جورج فلويد إلى إثارة مثل هذا الغضب الشعبي الوطني والدولي متعدد الجوانب ، وقال: “إن أحد أهم الأسباب هو تراكمي”. مقارناً الحالة بالتأثير بالمعايرة، وهي طريقة كيميائية لتحديد تركيز السائل بقوله “لديك سائل صاف وتضيف قطرة واحدة وقطرتين وثلاث قطرات، ولا يحدث شيء.. ولكن عند إضافة القطرة الرابعة، فجأة يتغير لون كل شيء”. كما انتشار فيديو مقتل فلويد ساهم في حشد المتظاهرين، حسب رأي أستاذ القانون في جامعة فلوريدا، كينيث نون. بالإضافة إلى ذلك، كان الفيديو الذي تم تداوله عن وفاة جورج فلويد مرعباً، بحسب نون، الذي يوضح بأن فلويد كان يتصرف بطريقة هادئة، وهو ما زاد من التعاطف معه.

لكن حتى إذا انتهت القضية من الناحية القانونية، فإنه من المرجح أن تظل قضية العنصرية بشكل عام مستمرة لفترة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما عادت للظهور في أحداث اقتحام الكونجرس التي هزت أمريكا والعالم مرة أخرى، وتصدرها عدد من الحركات والشخصيات العنصرية المتعصبة للعرق الأبيض من أنصار الرئيس السابق ترامب.

ففي تلك الأحداث، كما كتب وقتها المخرج الأمريكي، الحائز على جائزة الأوسكار، مايكل مور، «كان العنصريون البيض في كل مكان وسط ذلك الحشد الغوغائي، وكان جيشنا وأقسام البوليس في أنحاء البلاد مخترقين بالبيض العنصريين المتشددين. والكل يعرف أنه لو كان هذا الحشد من السود، لكانوا كلهم قد أبيدو»، وهو ما دعا «مور» للقول: «نحن بحاجة لأن نبدأ من جديد بمفهوم شامل عن العدالة الجنائية، وضباط جُدد معادين للعنصرية».

ربما يعجبك أيضا