الفضائح المالية.. شوكة في حلق أنجيلا ميركل

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

انتخابات محلية حاسمة قد تُعطي صورة مفصلة لشكل الانتخابات الألمانية العامة في نهاية شهر سبتمبر المقبل، إذ ضرب المحافظون الألمان بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، موعدًا اليوم الأحد، مع انطلاق السباق في ولايتين يُتوقع أن يتكبدوا فيهما هزيمة فادحة، في ظل فضيحة مالية ربما قد تضربهم في مقتل.

فوسط ترقب شديد قبل 6 أشهر من الانتخابات التشريعية للبلاد، طفت فضيحة “الكمامات” على السطح مجددًا تزامنًا مع اتجاه الناخبين في ولايتي بادن فورتمبرغ، وراينلاند بفالتس الألمانيتين للإدلاء بأصواتهم لانتخاب حكومة ولاية جديدة، وذلك في أول محطة ضمن عام انتخابي صاخب في ألمانيا، يبلغ ذروته في سبتمبر لاختيار مستشار جديد خلفًا لميركل التي ستترك منصبها بعد أكثر من 15 عامًا من الحكم.

فضيحة الكمامات.. القلق يُسيطر

في انتخابات اليوم يخشى المحافظون بزعامة ميركل من هزيمة مدوية في الاقتراعين معًا، بسبب فضيحة الكمامات الواقية من كورونا والتي كشفت عن تورط ثلاثة نواب في صفقات مشبوهة يحقق فيها الجهاز القضائي، الأمر الذي طرح التساؤلات حول آخر مستجدات تلك الفضيحة الكبرى، وإلى أين وصلت بالبلاد؟

في البداية، عاش الاتحاد المسيحي حالة من الفوضى منذ فضح تورط 2 من نوابه البارزين في تلقي رشاوى واستغلال السلطة، في صفقات متعلقة بتجارة الأقنعة الطبية “الكمامات”.

وفي التفاصيل، أطاحت فضائح الفساد المرتبطة بشراء كمامات وجني ربح غير شرعي، باثنين من النواب من حزب ميركل، فقبل عدة أيام قدم النائبان في البوندستاغ (البرلمان الفيدرالي) يورغ نوسلاين (من الحزب البافاري) ونيكولاس لوبل، استقالتهما من حزبيهما، بعد أن فتحت الشرطة تحقيقات ضدهما بالفساد وتلقي رشى عبر صفقات بيع كمامات.

وحسب مجلة “شبيغل” الألمانية، فإن أكثر من 10 نواب يبدو أنهم متورطون بتلقي رشى عبر صفقات شبيهة، وأن الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من الاستقالات.

في غضون ذلك تفاقم الأمر باكتشاف حالة فساد ثالثة في نفس الملف، والتي قدم على أثرها نائب ثالث من الحزب الشقيق “الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري”، استقالته الخميس الماضي، ليصبح ثالث برلماني محافظ يستقيل هذا الأسبوع وسط اتهامات بالفساد.

إذ استقال مارك هاوبتمان، النائب عن ولاية تورينجن (شرق البلاد)، بعد تقارير جديدة تحدثت عن تورطه في قضايا فساد تتعلق بكمامات كورونا.

وفي هذا الصدد، ذكرت قناة MDR المحلية أن هاوبتمان توسط في تسليم 41 ألف كمامة لمنطقة سونبيرغ، بيد أنه لم يكن من الوضح ما إذا كان السياسي المحافظ قد استفاد ماليًا من الصفقة.

وفي اتهامات أخرى، نفى هاوبتمان تلقيه مبالغ مالية من حكومات أجنبية مثل أذربيجان، للترويج لصورتها، إذ ذكرت مجلة “دير شبيغل”، أن صحيفة يشرف هاوبتمان على تحريرها، نشرت إعلانات ترويجية لفعاليات في أذربيجان مثل الألعاب الأوروبية في 2015 ومهرجان التسوق في باكو في 2018.

وقال هاوبتمان لصحيفة “دي فيلت” المحافظة: “لم أتلق أي مبلغ قط، ولم أتأثر قط في أفعالي السياسية”، كذلك رفض نشر معلومات عن مداخيله الإضافية، مبررًا رفضه بالقول “إنه لا يستطيع الكشف عن معلومات سرية تتعلق بأعمال تجارية”.

تحقيقات

الأمور لم تمر مرور الكرام، إذ طلبت كتلة الاتحاد المسيحي المحافظة “ميركل تنتمي إليها”، من النواب الكشف عن كافة عائداتهم المالية المرتبطة بالوباء، سعيًا لوضع حد لاتهامات تطارد صفوفهم بشأن شراء الكمامات الواقية.

وكانت تحقيقات قد طالت النائب عن الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري يورغ نوسلاين الشهر الماضي بشبهة الفساد عقب اتهامات بأنه تلقى نحو 600 ألف يورو “715 ألف دولار” للترويج لمزود كمامات.

وفتح تحقيق مماثل للنائب عن الحزب المسيحي الديموقراطي “حزب ميركل” نيكولاس لوبيل الذي كسبت شركته 250 ألف يورو بشكل عمولات، لقيامها بدور الوسيط في عقود شراء كمامات.

ضربات موجعة

لم تتوقع ميركل مع بدء العد التنازلي لفترة ولايتها في السلطة، أن تتعرض لكل هذه الضربات الموجعة علنًا، إذ أن قضايا الفساد التي تلاحق حزبها وشقيقه البافاري ظهرت بقوة.

وفي حقيقة الأمر، لم يتعلق الأمر فقط بصفقات “الكمامات” فقط، بل تم تسليط الضوء مؤخرًا على عدة ملفات شائكة أخرى وضعت الاتحاد المسيحي تحت المجهر، وجعلته يتخوف من تفجرها في الظروف الحالية، مثل ملف الأعمال الجانبية للنواب، والإثراء من العلاقات الشخصية.

وتاريخيًا، يرتبط نواب الاتحاد المسيحي بعلاقة خاصة مع عالم المال، وفي المتوسط، كسب كل عضو من أعضاء الكتلة 58 ألف يورو على الأقل من الوظائف الجانبية “وظائف بخلاف وظيفتهم الأساسية” في الفترة بين 2017 و2020.

وفي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يبلغ متوسط المكاسب المالية من الوظائف الجانبية للنائب الواحد 15 ألفا و500 يورو في نفس الفترة، فيما تبلغ 1800 يورو لنواب حزب الخضر “يسار”.

وتشمل هذه الوظائف الجانبية إلقاء المحاضرات وكتابة المقالات، وكذلك التوسط في الصفقات التجارية، وترتبط بشكل وثيق بوظيفة النائب الأساسية في البرلمان كممثل للشعب.

وعلى سبيل المثال، شغل النائب عن الاتحاد المسيحي يواكيم فايفر 26 وظيفة بدوام جزئي في الثلاث سنوات الماضية، فيما شغل النائب الآخر بالاتحاد يوهانس رورينغ 24 وظيفة، وغالبًا ما تسجل معظم هذه الوظائف كأعمال تطوعية.

وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ فرانك بوش من مركز التاريخ المعاصر من جامعة بوستدام الألمانية: “من غير المستغرب أن يكون نواب الاتحاد المسيحي في قلب فضيحة الأقنعة”، موضحًا “الهيكل العام للكتلة البرلمانية للاتحاد يزيد مخاطر الإثراء الخاص للنواب”.

وأوضح الخبير المتخصص في تاريخ الاتحاد المسيحي إن “الأخير يسمح منذ عقود بالأعمال الخاصة لنوابه”، ما يزيد من احتمالية السقوط في الفساد.

هزيمة متوقعة

تأثرت شعبية حزب ميركل وحليفه في بافاريا تأثرًا كبيرًا في أعقاب ذلك، إذ سجلت تراجعاً إلى 32% خلال أسبوع، بحسب استطلاع أجراه معهد كانتار لصالح صحيفة “بيلد” الألمانية، وهو ما يمثل تراجعًا بنقطتين يدفع بشعبية أكبر حزب في ألمانيا إلى أدنى مستوياتها منذ مارس 2020، مشيرة إلى أسباب كثيرة لهذا الانخفاض وكلها مرتبطة بالجائحة.

وشكل هذا التراجع نبأ سيئًا للمحافظين قبل الانتخابات المقررة اليوم، إذ يتوقع الكثيرون أن تفضي الانتخابات إلى تشكيل حكومة من ائتلاف ثلاثي يضم حزب الخضر والاشتراكي الديمقراطي إلى جانب الليبرالي الحر.

وتبدو الأطراف الثلاثة وفق التعليقات الإعلامية التي أطلقتها مصادرها الرسمية مستعدة لخوض التجربة مقابل إبعاد تحالف المحافظين في برلمان الولايتين.

وحتى الآن ظهر أرمين لاشيت، رئيس الحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المنتخب حديثًا، ورئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا الأكثر اكتظاظًا بالسكان في ألمانيا، جنبًا إلى جنب مع رئيس وزراء ولاية بافاريا ورئيس حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ماركوس سويدير كمنافسين محتملين.

وستصدر التقديرات الأولية عند إغلاق مراكز الاقتراع في الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي “أي الخامسة مساءً بتوقيت غرينيتش”.

وبحسب الخبراء، من المتوقع حصول الاتحاد المسيحي الديمقراطي على 23 إلى 25% من الأصوات في بادن فورتمبرغ، ما سيشكل أسوأ نتيجة في تاريخ المحافظين في هذه الولاية، التي كانت معقلًا محافظًا حتى 2011، فيما سيحقق حزب “الخضر”، بحسب التوقعات، فوزًا بفارق كبير بهذه الولاية المزدهرة التي يحكمونها منذ عقد، والتي تعتبر مركز صناعة السيارات في ألمانيا.

وفي هذا الصدد، قالت “فرانس برس” إنه مع انتصار “الخضر”، سيفوز وينفريد كريتشمان “72 عامًا” بولاية ثالثة، وهو البيئي الوحيد الذي يحكم ولاية ألمانية.

وبالإضافة إلى التقديرات الأولى، تلوح هزيمة لمعسكر ميركل في ولاية راينلاند بفالتس المحاذية لفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ، بعدما كان الاتحاد المسيحي يأمل في وضع حد لثلاثة عقود من هيمنة الحزب الديمقراطي الاجتماعي على هذه الولاية، إذ أن التوقعات تبرز اشتداد المنافسة بين الحزبين، ومن المحتمل فوز رئيسة حكومة المنطقة المنتهية ولايتها، مالو دراير، بولاية جديدة.

في نهاية الأمر، إن فضائح الفساد المتتالية قد ضربت بلا شك الاتحاد المسيحي في وقت عصيب للغاية، الأمر الذي أدى إلى تراجع شعبيته، والتي من الممكن أن تقوده لخسارة الاقتراع العام في سبتمبر المقبل، خاصة في ظل حالة الغضب الشعبي الكبيرة من تصرفات نواب التكتل في ظل أزمة كبيرة مثل جائحة كورونا.

ربما يعجبك أيضا